IMLebanon

كفرنا… فماذا بعد؟ (بقلم رمال أبي يونس)

 

كتب رمال أبي يونس

بعد أن تلون ترابنا أحمر بدم الشهداء، وقلوبنا اتشحها السواد موتاً من دوامة حرب لبنانية لعينة، بتنا نبحث عن متنفس يعيد لنا الأمل بدولة تحترم أبناءها وتحترم لبنان أولا بأمل يغير مرارة الألوان ولكن …

عبثا ننتظر فها نحن مسمرين أمام مسلسل جديد لا نملك إلا خيار المشاهدة لحلقات ممجوجة السناريو بحوار مبتذل وممثلين حفظنا أدوارهم غيبا وان تغيرت وجوههم

ليبقى الشعب اللبناني بكل مرارته هو الثابت الوحيد.

عرفنا الحرب ومرارتها منذ الولادة، كبرنا مع ما تركته في نفوسنا، رافقتنا في جميع مراحل حياتنا رافضة أن تفارقنا، تاركة جروحها على أرواحنا التي تسأل ماذا بعد؟

لطالما سألت نفسي هذا السوال مع أمل بغد أفضل، الا أن الجواب يُصر أن يكون بطريقة جعلت مني شابا يملك وطنا ولا يملك وطنية…

حقيقة مؤلمة لكن ماذا لنا أن نفعل أمام قدر كُتب لنا لتكون الحرب هي الشيطان الخفي الذي يدمّر حياتنا دائماً. من حرب الموت بالرصاص إلى حرب السجن والنفي، لُنقتل ألف مرة بنوع مختلف من الحروب وهي حرب الاغتيالات والانفجارات إلى أن رحلت وعسى أن تكون من غير عودة، فرِحنا هلّلنا سجدنا وركعنا وكلٌّ منّا سأل ربّهُ على طريقته راجين أن ننعم بالسلام لنعيش بطمأنينة ما تبقّى لنا من عمر مكتوب وطريقٍ مرسوم.

وكأن ملائكة الرب غاضبةٌ منّا مع أننا موطن القدّيسين، فلم يمض على طلبنا هذا الا القليل حتى أتت الحربُ من جديد، ولكن هذه المرّة كانت وطأتها أخف، لا موتاً يُعلن ولا دماءً تُهدر بل صورٌ تمزّق وأسماءٌ تُوسّخ وتاريخٌ عريقٌ يُحرق إنّها …

حرب الإعلام والانفتاح العصري.

تغيّر الكون وبدأت لوحة حياتِنا تُرسم من جديد باللونين الأسود والأحمر أي بالموت والدم. ونحن أمام واقع لا مفرّ منه ننتظر انتهاء اللوحة لنرى ونُقيّمُ ما رُسم لنا من مستقبل راجين الله أن يكون واعداً بالخير والفرح ولو ليوم واحد متبقٍّ لنا في ما كُتب ورُسم على يد العلي القدير.

ولكن ماذا بعد ؟

لماذا وضعتم رأسنا أرضاً جرّاء السرقة والرشوة وتحت رحمة ثمانين مليار دولار من الدين العام؟

لماذا بلدنا هو الأغلى عالمياً في خدمة التجوال والجوّال والتواصل والاتصال؟

لماذا نموت على أبواب مستشفياتنا راجين ألا نموت مرْتين مُكتفين بمرّة واحدة فقط؟

لماذا مياهنا العذبة تتركنا وتذهب نحو البحار وإن فكّرنا في احتجازها نفكّر خطأً؟

لماذا كهرباؤنا مسروقة ونطلبها من هنا وهناك وفي نهاية المطاف ندفع ثمنها مرّتين؟

لماذا تعلُيمنا غالٍ ومن يطلبه عليه تقديم الصلاة ويد الواسطة هي الراعي الرسمي الوحيد؟

لماذا البطالةُ مشرّعةٌ أبوابها دائماً والآلاف منّا من دون طموحٍ وأمل والمستقبل يموت بأعينهم؟

لماذا السرقة في الدوائر والمديريات والأقسام والوزارات وطفل السنتين يولد بالرشوة ويعيش على الفساد؟

لماذا القضاء مريض لا طبيبَ يُعالج ولا دواءَ يُداوي وهو عصب الوطن، وإن مات دُفنّا معاً تحت التراب؟

لماذا العقار هو أغلى من الإنسان ولأجل صك ملكية طويل الأمد نعرض بعضاً من أعضائنا للبيع؟

لماذا الطعام فاسد والهواء ملوّث ونفاياتُنا طاعون يَفتك بنا يوميّاً مع زحمة السير على الطرقات؟

لماذا نموت خنقاً اغتصاباً طعناً وقتلاً، وكأن حرّاس الغابة متَّفقون على قتلنا وهم بريئون من دمائنا؟

لماذا لقمة العيش أصبحت مغمّسة بالذل والقهر وعلى طالبها أن يَحني رأسه لها أمراً وطاعة؟

وبعد هذا كلّه… ماذا بعد؟

لماذا أنتم ما زلتم انتم ولم تتغيّروا؟ ألم تُملأ جيوبكم بعد؟ أما آن لكم أن تكتفوا ممّا يُسمّى الوطن؟

إرحلوا عنّا أو دعونا نرحل ولتحكموا البلد عليكم بالموت البطيء لعلّ وعسى تحِلُّ عجائب الله القدير على كل شيء وتستيقظوا من حلمكم وتجدوا أنفسكم وحيدين ولم يبقَ هنا سواكم. وليأتِ بعدكم من يُمثّلنا خير تمثيل فكفانا نحن الشباب دفع ضريبة لا ناقة لنا فيها ولا جمل ونعم لشباب وشابات تُمسك بزمام الأمور وتحَكم ولا أن تظل مقساةً منفية  وتُحكم.

ففي النهاية يحقُّ لنا أن نحيا بكرامة وهناء كأولادكم فنحن لسنا أولاد السبعة وهم أولاد التسعة، وجميعنا على صورة الله ومثاله ويحق لنا كما يحق لغيرنا فماذا تريدون منّا بعد؟ وما هي الحرب الجديدة التي تنتظرنا بعد حربكم هذه يا ترى؟

ألم تكتفوا من شرب خمر الحروب وأكل لحومها الفاسدة؟ مضى عليكم تاريخ طويل من أيام الثورة العربية ليومنا هذا وأنتم ما زلتم منقسمين بين العرب والغرب، بالله عليكم قولوا لنا الحقيقة واعترفوا أمام الله وشعبه المعذّب بأنّكم أخطأتم ونحن نكون لكم من المسامحين، ولكن ارحمونا إذ لم نعد قادرين على التحمّل أكثر، فنحن بشرٌ مثلكم ولسنا بمخلوقات تُحكمُ بالموت البطيء على يد صنّاع الموت.

لحين استيقاظ ضمائركم ومعرفة ماذا اقترفتم أسألكم … ماذا بعد؟

رمال أبي يونس- مخرج