IMLebanon

إنجاز الانتخابات يرتبط بالوضع جنوباً!

كتب محمد شقير في صحيفة “الحياة”:

يقول وزير لبناني بارز إن إجماع القيادات السياسية اللبنانية على خوض الانتخابات النيابية في موعدها المحدد في أيار المقبل، قد لا يكفي لإنجاز هذا الاستحقاق، الذي يفتح الباب حتماً أمام إعادة إنتاج السلطة في لبنان، ما لم يتم ضبط إيقاع الوضع العام في المنطقة، بما يؤمّن الأجواء المواتية لإنجازه، لأن من غير الجائز عزل البلد عن كل ما يدور حوله من متغيرات عسكرية وسياسية، فكيف إذا كان الأمر يتعلق مباشرة بالوضع الداخلي، في ضوء ارتفاع منسوب التهديدات بين إسرائيل و «حزب الله»، وإن كان يغلب عليها حتى الساعة طابع الحرب النفسية بين الطرفين؟

ويؤكد الوزير لـ «الحياة» أن استقراء طبيعة المرحلة السياسية التي يمكن أن يمر فيها لبنان طوال التحضير لإجراء الانتخابات النيابية في موعدها، يتطلب مواكبة التطورات المتسارعة في المنطقة، للتأكد مما إذا كانت تصب في خانة الإصرار على إنجاز استحقاق هو الأهم في الحياة السياسية اللبنانية، أم أنها ستعيق إنجازه…

ويرى أن لعبة شد الحبال بين «حزب الله» وإسرائيل تكاد تبلغ ذروتها، وإن كان الذهاب إلى حرب جديدة يستدعي هذه المرة، من كل طرف مراجعة حساباته التي لا تقتصر على حجم الاستعدادات العسكرية، بل تتجاوزها إلى التدقيق في الحسابات الإقليمية والدولية، لمعرفة ما إذا كان المناخ الدولي يتحمل وزر اندلاع حرب جديدة في الشرق الأوسط، خصوصاً أن المعركة لن تكون بين هذين الطرفين، وإنما سينضم إليهما النظام في سورية، مع أن قرار الحرب والسلم لم يعد بيده بعدما تحولت سورية إلى ملعب عسكري وسياسي يضم عدداً من اللاعبين، وإن كان اللاعب الروسي يبقى الأقدر على حسم الموقف سلماً أو حرباً.

ويلفت الوزير البارز ذاته إلى أن روسيا اليوم غير تلك الدولة العظمى التي كانت قائمة قبل انهيار الاتحاد السوفياتي، ويقول: «أنا لا أقصد أنها لم تعد دولة عظمى ذات عضوية دائمة في مجلس الأمن، وإنما ما أعنيه هو أن لديها مصالح في المنطقة ليست في وارد التفريط بها، ومنها علاقتها بإسرائيل وتفهمها لدواعيها الأمنية والعسكرية في مواجهة القدرة التي يتمتع بها «حزب الله» بدعم مباشر من إيران، والتي مكنته من امتلاك أسلحة صاروخية متطورة».

وفي هذا السياق، يسأل الوزير إياه عن الأسباب الكامنة وراء صمت روسيا حيال عشرات الغارات الجوية التي شنتها إسرائيل على مواقع ومخازن أسلحة تابعة لـ «حزب الله» في سورية، ويقول: «هل يأتي صمتها من باب مراعاتها لمخاوف إسرائيل أم أنها، وعلى رغم القدرة على السيطرة على المجال الجوي في سورية، تمارس سياسة الصمت، ولم يسجل منذ تدخلها المباشر لإنقاذ النظام في سورية، اعتراضها الغارات الجوية التي تشنها إسرائيل؟».

ويُعتقد أن روسيا تمارس حالياً سياسة اللعب على التوازنات مع أرجحية لمراعات إسرائيل. وهي تراهن على قدرتها على التدخل في الوقت المناسب، إذا ما أرادت لجم التصعيد وتبادل الحملات بين إسرائيل و «حزب الله»، بما يسمح بأن تكون الشريك الأقوى في حال أثمرت الجهود بداية بحث جدي في الحل السياسي الذي يُنهي الحرب في سورية.

كما أن روسيا، وإن كانت تقف ضد العقوبات الأميركية المفروضة على إيران، إضافة إلى اعتراضها على إصرار واشنطن على عدم التمييز بين الجناحين العسكري والمدني داخل «حزب الله»، فهي تحاول الإفادة من موقفها هذا للإمساك بالورقة الإيرانية التي تسمح لها بتعزيز موقعها في مفاوضاتها مع الولايات المتحدة، خصوصاً أن إيران لم تعد الحلقة الأقوى في لعبة الصراع في سورية، وإلا لما استنجدت بموسكو لمنع نظام الرئيس بشار الأسد من الانهيار أمام المعارضة.

فهل تتدخل موسكو في الوقت المناسب لقطع الطريق على إقحام لبنان في حرب جديدة مع إسرائيل، التي تعمل حالياً على توظيف تصاعد موقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب حيال إيران، وإن كانت تل أبيب ليست في حاجة إلى ذرائع لشن عدوانها على لبنان؟

وهل تتدخل موسكو لدى إيران للجم مشروعها في الشرق الأوسط والخليج العربي، باعتبار أنها في حاجة إلى استمالة الموقف الروسي لضمان حصتها في الحل السياسي في سورية، والذي لا تبدو معالمه واضحة في المدى المنظور؟

وعليه، لا يمكن التكهن منذ الآن -كما يقول الوزير البارز- بأن الانتخابات النيابية ستعبر إلى برّ الأمان، على رغم أن الحكومة على وشك أن تنجز كل التدابير اللوجيستية والفنية والإدارية المطلوبة منها، لإتمامها في موعدها المحدد، ما لم يتم خفض منسوب التوتر بين إسرائيل و «حزب الله»، والذي يتلازم هذه المرة مع تصعيد إعلامي وسياسي بما يوحي بأن الحرب قائمة لا محال…

ويسأل الوزير ما إذا كانت إسرائيل تراهن على أن حربها ضد «حزب الله» داخل سورية، في ظل صمت دولي، ستكون الحرب البديلة عن حربها في لبنان. ويقول إن المجتمع الدولي لا يستطيع أن يتحمل مثل هذه الحرب في ظل سياسة إسرائيل العدوانية التي يمكن أن تعيد إلى الوراء هذا البلد الذي يحاول النهوض من مشكلاته الاقتصادية والمالية والاجتماعية، وتزيد من الفاتورة المالية والأمنية المترتبة على عدم توفير ضمانات دولية لعودة النازحين السوريين إلى بلداتهم.

ويُعتقد أن أي حرب مقبلة يمكن أن تهدد الكيان اللبناني وتطيح قدراته على الاحتفاظ بموقعه المميز، من خلال التعايش بين مسيحييه ومسلميه، إلا إذا بقي التصعيد بين إسرائيل و «حزب الله» محصوراً بتبادل الحملات النفسية وفي إطار «تهبيط الحيطان» من دون حصول أي تغيير في قواعد الاشتباك، شرط تفعيل دور القوات الدولية العاملة في جنوب الليطاني، بالتعاون مع الجيش اللبناني في تطبيق القرار الدولي 1701 الذي يتعرّض باستمرار لخروق إسرائيلية.

وريثما يُصار إلى جلاء الصورة الحقيقية في ظل تصاعد وتيرة التصعيد بين إسرائيل و «حزب الله»، فإن الحكومة اللبنانية باقية، وتبقى هي المؤهلة للإشراف على إجراء الانتخابات في حال توافرت إجازة العبور إليها دولياً وإقليمياً، لأن هناك صعوبة في إنجاز مثل هذا الاستحقاق في ظل حكومة مستقيلة تتولى تصريف الأعمال.

وتعزو مصادر سياسية سبب التمسك ببقاء الحكومة ممراً إجبارياً، لإجراء الانتخابات إلى اعتبارات عدة، أبرزها:

– أن لا مصلحة للأطراف الرئيسة في الحكومة في التفريط بمصيرها، لأن استقالتها تحت ضغط افتعال أزمة سياسية سيُغرق البلد في حال من الفوضى يصعب في ظلها توفير الأجواء لإجراء الانتخابات.

– أن «حزب الله» لن يُقدم على قلب الطاولة لجرّ الحكومة إلى الاستقالة، فهو يحتاج إلى استمراريتها، لأن وجوده فيها يؤمن له الحد الأدنى من الغطاء الرسمي، بدلاً من أن يكشفه دولياً وإقليمياً مع تحضير واشنطن للائحة جديدة من العقوبات عليه ومعه الحرس الثوري في إيران.

– أن الحريري يمارس من حين إلى آخر، سياسة الاستيعاب لحماية البلد وعدم تعريض استقراره إلى انتكاسة تصعب السيطرة عليها، ليس لأنه يتصرف وكأن لا بديل له في رئاسة الحكومة، بمقدار ما أن استقالة الحكومة هذه المرة يمكن أن تُقحم البلد في أزمة حكم قد تعيق تشكيل حكومة جديدة.

– أن رئيس الجمهورية ميشال عون، وإن كان نُقل عنه في السابق قوله إن هذه الحكومة ليست حكومة العهد الأولى التي يُفترض أن تُشكل في أعقاب إجراء الانتخابات النيابية، فإنه لن يغامر في رحيل حكومة الحريري، وهذا ما يتبين من خلال تفاهمه وتعاونه مع رئيسها، وإن كان وزير الخارجية جبران باسيل لن يكف عن مشاغبته عليها، إضافة إلى أن هذه الحكومة أتاحت لـ «التيار الوطني الحر» الحصول على حصة الأسد في التشكيلات التي تمت حتى الآن وكانت موضع انتقاد من أكثر من طرف سياسي، على خلفية أن معظمها حمل لوناً «برتقالياً» (شعار «التيار الوطني») على رغم أنه كان يردّد على لسان نوابه أنها ليست حكومة العهد الأولى.