IMLebanon

الحكومة تحيّد نفسها عن السجال بين “حزب الله” وتل أبيب

كتبت بولا أسطيح في صحيفة “الشرق الأوسط”:

تسعى الحكومة اللبنانية لتحييد نفسها عن السجال عالي النبرة الذي يتخذ منحى تصعيديا بين «حزب الله» وإسرائيل يوحي بارتفاع احتمال اندلاع حرب بين الطرفين، علما بأن تل أبيب عمدت مؤخرا إلى إقحام الجيش اللبناني في هذا السجال، متهمة إياه بالانضواء في منظومة «حزب الله». ولم يتطرق مجلس الوزراء الذي انعقد أمس برئاسة رئيس الحكومة سعد الحريري لهذا الملف، كما لم يصدر أي رد لبناني رسمي مباشر على التصريحات الإسرائيلية؛ وإن كان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أكّد أمس أمام زواره، أن لبنان سيواجه الضغوط التي تمارس عليه بوحدة وتضامن أبنائه.

وعدّ عون أن «لبنان استطاع أن ينقذ نفسه منذ حرب (تموز) في عام 2006؛ حيث إن إسرائيل لم يكن هدفها احتلال لبنان، بل إحداث فتنة داخلية، وقد نبّهنا اللبنانيين من ذلك، ونشكر الله أنه كان لديهم الوعي الكافي وتخطينا المرحلة».

إلا أن رئيس الجمهورية آثر عدم تناول التهديدات الإسرائيلية الأخيرة، خصوصا المواقف التي أطلقها وزير الدفاع الإسرائيلي هذا الأسبوع وأكد فيها أن الحرب المقبلة المحتملة في الحدود الشمالية لن تكون على الجبهة اللبنانية أو السورية؛ وإنما على الجبهتين معا، لافتا إلى أن «المواجهة مع سوريا ستطال (حزب الله) ونظام الرئيس بشار الأسد وأعوانه، وفي لبنان الجيش النظامي كونه أصبح جزءا من منظومة (حزب الله)».

وكان أمين عام «حزب الله» حسن نصر الله استبق تصريحات أفيغدور ليبرمان هذه حين نبّه في ذكرى عاشوراء مطلع الشهر الحالي من دفع حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المنطقة إلى حرب في سوريا ولبنان وقطاع غزة، داعيا اليهود الذين هاجروا إلى إسرائيل إلى مغادرتها، لأنّه «لن يكون لديهم وقت حتى للمغادرة، ولن يكون لهم أي مكان آمن في فلسطين المحتلة».

وكان نصر الله أعلن في وقت سابق هذا العام أن أي حرب مستقبلية تشنها إسرائيل ضد سوريا أو لبنان يمكن أن تجذب آلاف المقاتلين من دول مثل إيران والعراق وأفغانستان واليمن وباكستان، ويمكن أن تحدث داخل إسرائيل.

وتأتي هذه التطورات في وقت عرضت فيه الإدارة الأميركية مكافآت مالية لمن يقدم معلومات عن اثنين من قادة «حزب الله»، كما اتهمت الحزب بأنه بات يشكل تهديدا لها. وندد مسؤول كبير في الحزب بالإجراءات الأميركية الجديدة، وقال لـ«رويترز» إن «اتهامات الإدارة الأميركية ضد (حزب الله) ومجاهديه اتهامات مرفوضة وباطلة ولن تؤثر إطلاقا على عمل المقاومة ضد العدو الصهيوني وضد الإرهابيين والتكفيريين». وأضاف المسؤول، الذي طلب عدم نشر اسمه: «نحن نعتقد جازمين أن هذه الاتهامات تأتي في سياق رد الفعل على الانتصارات الكبيرة التي حققها محور المقاومة في سوريا والعراق ضد الإرهابيين والتكفيريين».

وان كان مقربون من «حزب الله» يعدون أن «طبول الحرب التي تقرع ليست إلا طبول ضغط وابتزاز»، مشددين في الوقت عينه على وجوب عدم إهمال احتمال شن حرب فعلية، فإن الخبراء العسكريين ينقسمون بين من يجزم بأن ما يحصل «حرب نفسية لن تتحول إلى مواجهة عسكرية»، وبين من يتحدث عن ارتفاع احتمال وقوع حرب إلى ما نسبته 50 في المائة، نتيجة التصعيد المستمر من قبل طرفي الصراع.

وفي حين يستبعد العميد المتقاعد الدكتور محمد رمال، تماما سيناريو شن إسرائيل حربا قريبا «كونها غير جاهزة وتأخذ بجدية التهديدات التي يطلقها (حزب الله) لجهة استهدافه البنى التحتية والمجتمع الإسرائيلي ككل»، يعد رئيس «مركز الشرق الأوسط والخليج للتحليل العسكري – انيجما» رياض قهوجي، أن «حجم المناورات الإسرائيلية وتكرارها، إضافة للموقف الأميركي – الإسرائيلي ضد إيران و(حزب الله) الذي يتخذ منحى تصاعديا، بالتوازي مع ارتفاع اللهجة من قبل ما يسمى (محور الممانعة)… كلها مؤشرات على إمكانية اندلاع حرب بما نسبته 50 في المائة، وهي نسبة غير متدنية على الإطلاق».

ويضع رمال في تصريح لـ«الشرق الأوسط» التهديدات المتبادلة بين إسرائيل و«حزب الله»، في خانة الحرب النفسية، عادّاً أنها ليست المرة الأولى التي تُقحم فيها إسرائيل الجيش اللبناني في تهديداتها التي باتت تطال مؤخرا الحكومة أيضا، ويضيف: «هذه محاولة إسرائيلية قديمة للضغط على (حزب الله)، فهي لطالما هددت بعد حرب تموز (2006) باستهداف البنية التحتية اللبنانية ومواقع الجيش باعتبارها مكشوفة؛ بعكس مواقع الحزب المستترة». أما قهوجي، فيرى في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن تحويل إسرائيل أقوالها أفعالا ليس بالأمر السهل، خصوصا فيما يتعلق باستهداف الجيش اللبناني الذي يحظى بدعم أميركي وقد تسلم مؤخرا كثيرا من المعدات الأميركية.

وتتناقض التصريحات الإسرائيلية التي تصر على تصوير الجيش اللبناني على أنّه تابع لـ«حزب الله» مع السياسة الأميركية التي تواصل دعمه. وأعلنت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) مؤخرا أن واشنطن قدمت للبنان مساعدات عسكرية تتجاوز 1.5 مليار دولار منذ عام 2006، وأن القوات الخاصة الأميركية توفر «التدريب والدعم» للجيش اللبناني منذ عام 2011.

وقال المتحدث باسم البنتاغون إريك باهون في وقت سابق إن «تقوية القوات المسلحة اللبنانية تعزز مجموعة من المصالح الأميركية في الشرق الأوسط، ولا يشمل ذلك التصدي لانتشار (داعش) وغيره من الجماعات المتطرفة العنيفة فحسب، وإنما أيضا القضاء على نفوذ إيران و(حزب الله) بالمنطقة».