IMLebanon

الحكم في قضية اغتيال بشير… للتاريخ! (بقلم رولا حداد)

كتبت رولا حداد

لم يكن أي عاقل في لبنان ليراهن على أن حكم المجلس العدلي في قضية اغتيال الرئيس الشهيد بشير الجميل ستكون له مفاعيل تنفيذية مباشرة على الأرض، كمثل توقيف المجرم حبيب الشرتوني وتنفيذ حكم الإعدام فيه، ولا حتى في حلّ الحزب السوري القومي الاجتماعي وجلب قياداته إلى المحاكم ومحاكمتهم، مثلما حصل بعيد الانقلاب الفاشل في العام 1961. فلا العهد هو عهد فؤاد شهاب ولا موازين القوى اليوم تسمح بذلك!

لكن، وبعيداً عن أي مغالاة في التقدير، يمكن القول إن الحكم الصادر عن القضاء اللبناني في دولة يسيطر “حزب الله” على مفاصلها بشكل شبه كامل، إنما يشكل إعادة قراءة جريئة للتاريخ اللبناني الحديث، من باب إنصاف الرئيس الشهيد بشير الجميل وفريقه السياسي والسائرين في خطه وعلى نهجه، في مقابل إدانة قاسية لا تقبل أي التباس لفريق المحور البعثي- الإيراني.

في قراءة الحكم الصادر عن أرفع محكمة في لبنان يرأسها رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي جان فهد، ولا تقبل أحكامها أي نوع من المراجعة، ثمة اعتراف علني بأن بشير الجميل رئيس جمهورية شرعي ومكتمل المواصفات والصفات، وليس عميلاً إسرائيلياً كما يروّج محور الممانعة، كما أن اغتياله يشكل فعلاً إجراميا موصوفاً لا يزال يدافع عنه حتى اليوم المحور البعثي- الإيراني في لبنان، ما يستوجب إدانة مستمرة في الحاضر لنهج هذا الفريق وأسلوبه وانقلابه المتمادي على الدولة.

في المفهوم المؤسساتي ومنطق الدولة، كان على القضاء اللبناني استدعاء جميع المتضامنين مع المجرم والمدافعين عن فعل الاغتيال، سواءً كانوا في المنظومة السياسية أو الإعلامية التابعة للمحور إياه. لكن في ظل المعادلات السياسية تبقى هذه الخطوة مستحيلة، رغم أن الحكم الصادر يشكل وثيقة أساسية يمكن العودة إليها في أي لحظة تتغيّر فيها المعادلات.

والأخطر من عجز أجهزة الدولة عن التحرّك واستدعاء المعنيين، يبقى في تفاقم فجور ذاك المحور، إلى حدّ كتابة رسالة تهديد للرئيس الأول جان فهد ومحاولة إحراق مركزي “القوات اللبنانية” و”الكتائب اللبنانية” في عكار.

وبعيداً عن المنطق القانوني والمؤسساتي، وانغماساً في المنطق السياسي اللبناني، يتّضح بما لا يقبل أي شك أن كل شعارات الممانعين ومحور الممانعة حول الرئيس الشهيد بشير الجميل ومقولات التعامل مع إسرائيل، ليست أكثر من قميص عثمان يتم استعمالها من قبل مشغّلي هذا المحور لمنع قيام دولة فعلية في لبنان. فأركان المحور البعثي- الإيراني، وعلى سبيل المثال لا الحصر، أتوا بالراحل إيلي حبيقة الذي أشرف شخصياً على مجزرة صبرا وشاتيلا، كما وأجرى عشرات دورات التدريب في إسرائيل، وجعلوا منه وزيرا ونائباً.وبالتالي تبقى الإشكالية السياسية بالنسبة إلى هؤلاء ليس في مفهوم “العمالة” بل في شرط “التبعية” لمحورهم، أياً يكن تاريخ الشخص المعني، وحين تتوفر “التبعية” تسقط الاتهامات ويتم تبييض سجلّ المعني!

ولذلك يجدر القول إن أهمية الحكم الصادر عن المجلس العدلي تكمن في إدانة أساليب القتل والاغتيال التي انتهجها فريق الممانعة لكل من يخالفه الرأي إلى يومنا هذا، تماما كما يجب تجريم تمجيد القتل والاغتيال من فريق بات يمارس الداعشية الإعلامية وفجوراً غير مسبوق على مختلف المستويات، في تسخيف للقضاء والمؤسسات ومنطق الدولة والقانون.

يبقى الأهممن مضمون الحكم الصادر عن المجلس العدلي ضرورة مواكبته بحركة وطنية وسياسية لتحصينه ومنع عمل البعض الدؤوب على إفراغه من أهميته الفعلية كإطار يصلح لإعادة كتابة التاريخ اللبناني بحبر وطني ومفهوم دولتي، بعيداً عن التبعية والخضوع وسطوة “السلاح الإلهي”، سعياً لقيام دولة حقيقية في لبنان من المستحيل أن تقوم من دون قراءة موحّدة بالحد الأدنى لتاريخها!