IMLebanon

المُستشفى العسكري المصري في حرج بيروت: أشبه ببرج مراقبة!

كتبت هديل فرفور في صحيفة “الأخبار”:

تحيط الشبهات بـ»المُستشفى الميداني العسكري المصري»، الذي يتم تشييده على عقارات حرج بيروت، هذه الشبهات تُعزّزها قرارات الإدارات الحكومية المعنية الرافضة له، والتي تطلب «إنهاء مهمته أو تسليمه للجيش اللبناني»، وفق ما يرد في كتب وزارة الدفاع، والتي تتحدث عن «ثغرات أمنية وصحية يتركها عمله في لبنان في ظل عدم وجود رقابة مباشرة من قبل الإدارات المعنية عليه». كما تعززها تساؤلات حول سبب بقاء هذا المُستشفى في لبنان منذ عام 2006، فيما سحبت بقية الدول العربية المُستشفيات الميدانية التي أرسلتها في خضم عدوان تموز؟ ولماذا يصرّ الجانب المصري على إقامة مستشفاه العسكري في حرج بيروت دون غيره؟ ولماذا يرفض تسليمه للدولة اللبنانية؟ ولماذا يصر مُحافظ بلدية بيروت على إبقاء المُستشفى بحجة أنه «هبة مصرية»، فيما تفيد المعطيات بأن البلدية ستدفع أكثر من مليون دولار لتشييده؟

«هذا ليس مُستشفىً، إنه أشبه ببرج مراقبة يتم زرعه في الحيّ». بهذه العبارة، وصف أحد سكان حي قصقص ما يجري تشييده في حرج بيروت تحت اسم «المُستشفى الميداني العسكري المصري».

لا ينمّ هذا الوصف عن معارضة البناء فقط، كونه ينتش من الحرج المزيد من المساحات ليعلو الباطون بدلاً من الشجر، بل ينمّ أيضاً عن «شبهات» تحوم حوله: فهل له وظيفة ذات طابع سياسي ــ أمني غير وظيفته المعلنة؟

هذه الشبهات تكاثرت مع الأيام في ظل انكشاف المزيد من الوقائع المثيرة، فالجانب المصري يصرّ على تشييد مستشفاه في حرج بيروت تحديداً، ولا يقبل بتغيير موقعه، كما لا يقبل بتحويله الى هبة لمصلحة وزارة الصحة أو الجيش اللبناني، ولا يقبل بإخضاعه للرقابة والشروط النظامية التي تحكم الترخيص والبناء والتشغيل وأذونات العمل والإقامة، والأهم أنه يعمل على تحويل ما يسميه «هبة» إلى أمر واقع مفروض لا يحظى بأي موافقة من الإدارات الحكومية المعنية، وترفضه وزارتا الصحة والدفاع، ويجري فرضه عبر فريق حزبي يسيطر على وزارة الداخلية ومحافظة بيروت وبلديتها!

ثغرات أمنية وصحية

بتاريخ 11/2/2017، أرسل وزير الدفاع، يعقوب الصرّاف، كتاباً الى رئاسة مجلس الوزراء، يحمل الرقم 497، يُشير فيه الى «ضرورة إنهاء مهمة المُستشفى الميداني المصري، أو تقديمه كهبة الى الدولة اللبنانية أو الجيش اللبناني». هذا الكتاب ليس الأول من نوعه، سبقه كُتب مماثلة أرسلها وزراء دفاع سابقون كانوا يكررون هذا الموقف المُوّحد من دون أي نتيجة.

أحد هذه الكتب، الكتاب الرقم 654/ غ ع/ و، الذي أرسله وزير الدفاع السابق، فايز غصن، بتاريخ 7/2/2013 الى مجلس الوزراء، يستعرض «وضع المُستشفى العسكري الميداني المصري المتمركز في بيروت» على المجلس. يقول الكتاب إنه بعد انتهاء عدوان تموز عام 2006، أرسلت بعض الدول العربية مُستشفيات عسكرية ميدانية إلى لبنان (المملكة العربية السعودية، الأردن ومصر…). هذه المُستشفيات أُعيد سحبها خلال عام 2007، باستثناء المُستشفى العسكري المصري، «الذي لا يزال يعمل حتى تاريخه ويتمركز داخل حرم جامعة بيروت العربية».

تقتصر الخدمات الطبية التي يُقدمها المُستشفى على المعاينات وخدمات الاستشفاء ذات المُستوى المتوسط، ويستفيد منها من يرغب من الأشخاص الموجودين على الأراضي اللبنانية من جنسيات مختلفة (لبنانيين، فلسطينيين، مصريين وسوريين…). يلفت الكتاب الى أن «نظام المُعاينة والاستشفاء المعتمد من قبل المُستشفى لا يسمح بضبط الإصابات الناتجة من حوادث ذات طابع جرمي أو إرهابي، بالإضافة الى إمكانية الاستحصال على أدوية بأثمان زهيدة وإعادة بيعها في السوق السوداء بدون وصفات طبية، ومنها ما هو مؤذٍ ومُخدّر». ويذكر أنه «لا يوجد تعاون بين قيادة الجيش والمُستشفى العسكري الميداني (..)، لافتاً الى تعذّر إقامة تعاون استشفائي مباشر بين المُستشفى العسكري المركزي والمُستشفى المصري «كون الأخير يستقبل المُقيمين في لبنان من دون تمييز، فيما المُستشفى العسكري المركزي مخصص للعسكريين ومن هم على عاتقهم فقط».

يُثير الكتاب تعرّض المُستشفى لإشكالات وتعقيدات إدارية دائمة «ولا سيما مع وزارة الصحة عند كل عملية تبديل لطاقم المُستشفى بسبب وضعه غير المقونن»، لافتاً الى أن «الجانب المصري سعى الى معالجة هذا الوضع عبر اقتراح اتفاقية للتعاون بين إدارة الخدمات الطبية لكل من القوات المُسلحة المصرية والجيش اللبناني في المجال الطبي». ويخلص الكتاب الى ما يأتي: «لا حاجة للمؤسسة العسكرية لوجود المُستشفى العسكري الميداني المصري في لبنان كونه لا يُشكّل فائدة لصالحها»، محذراً من «الثغرات الأمنية والصحية التي يتركها عمله في لبنان، في ظل عدم وجود رقابة مباشرة من قبل الإدارات المعنية عليه»

بناءً على هذا الكتاب، رفض مجلس الوزراء اقتراح اتفاقية التعاون، لكن بقي المُستشفى موجوداً وبدأت عملية «زرعه» في حرج بيروت قبل قوننته، بذريعة أن بلدية بيروت تغطيه قانونياً.

الإصرار على تشييده في الحرج

هذا المُستشفى سيتم نقله الى حرج بيروت، تطبيقاً لقرار بلدية بيروت (الرقم 170) المتخذ في آذار عام 2015. إذ تكاد أعمال بنائه تُشارف على الانتهاء، بالرغم من اعتراضات كل من وزارتي الدفاع والصحة ولجنة الحدائق في البلدية.

كيف اختير موقع الحرج دون غيره كي يتم نقل المُستشفى إليه؟ تقول مصادر مُطّلعة إن بلدية بيروت عرضت على الجانب المصري خيارات عدّة، إلا أن الجانب المصري اختار موقع الحرج وأصّر عليه. أمّا حجة الجانب المصري فهي أن تغيير الموقع سيحتاج الى «أكلاف وجهود وغيرها من الأمور التي ستؤخر عملية نقل المُستشفى»، إلا أن هذه الحجة تتعارض مع حقيقة أن بلدية بيروت هي التي ستتحمل هذه الأكلاف، وأن المستشفى لا يؤمن حاجات طارئة أو مستعجلة، وإنما يعمل مثل «مستشفى مجهول»، بحسب أحد المتابعين.

لا تراخيص من وزارة الصحة

«لا يمكن أن يُقام مُستشفى في دولة ذات سيادة من دون ترخيص. كما أن الترخيص يستوجب مراعاة الشروط القانونية. كما أنه لا يمكن لأي طبيب أو مهني صحّي أن يعمل من دون إذن مزاولة مهنة، كما أن مدينة بيروت ليست بحاجة الى مُستشفى». هذا ما يقوله المدير العام لوزارة الصحة، الدكتور وليد عمار، في وثيقة الإحالة المتعلقة بمعاملة «طلب توحيد الموقف اللبناني في موضوع المُستشفى الميداني المصري» بتاريخ 7/12/2016، مقترحاً أن تدعم وزارة الصحة طلب وزارة الدفاع «كي يُقدّم المُستشفى هبة الى الجيش اللبناني ليتصرّف به وفقاً للحاجة وضمن القانون». ويُشير عمّار الى «عدم الحاجة من الناحية الصحية والطبية الى خدمات خارج الخدمات التي تُقدّمها حالياً المؤسسات المرخصة».

يظهر جلياً من خلال مراسلات وزارة الصحة مع مجلس الوزراء أن المُستشفى لم يحصل على التراخيص المطلوبة، من ضمنها كتاب وزير الصحة السابق، وائل أبو فاعور، الموجه الى الأمانة العامة لمجلس الوزراء (الرقم 4514 تاريخ 26 نيسان 2016)، الذي يقول إن «على المُستشفى أن يُقدّم ملفاً يستوفي الشروط المطلوبة، وفقاً للقانون المنفّذ بالمرسوم الرقم 9826 تاريخ 22/6/1926 المتعلق بالترخيص للمُستشفيات الخاصة».

في 22 آذار الماضي، أرسل وزير الصحة الحالي، غسان حاصباني، الى محافظ مدينة بيروت، القاضي زياد شبيب، كتاباً (الرقم 10885 تاريخ 22 آذار عام 2017) يطلب فيه «الإيعاز لمن يلزم توقيف الأعمال لهذا المُستشفى الى حين الاستحصال على الترخيص وفقاً للقوانين المعمول بها».

وكان حاصباني قد أرسل كتاباً آخر الى الأمانة العامة لمجلس الوزراء (الرقم 4514 بتاريخ 21 آذار عام 2017 ) يُعلم فيه المجلس أن المستشفى «غير حائز التراخيص اللازمة»، لافتاً الى أن وزارة الصحة تؤيد طلب وزارة الدفاع القاضي بتقديم المُستشفى المذكور كهبة الى الدولة اللبنانية أو الى الجيش اللبناني للتصرّف به وضمن القوانين المرعية الإجراء.

من المسؤول؟

إذاً، ترفض وزارتا الدفاع والصحة إقامة هذا المُستشفى، فمن هي الجهات التي تفرضه وتغطيه؟ بحسب المصادر، فإنّ وزير الداخلية والبلديات، نهاد المشنوق، ومحافظ مدينة بيروت، القاضي زياد شبيب، ورئيس بلدية بيروت، جمال عيتاني، هم الذين يتولّون هذه المهمة.

حاولت «الأخبار» التواصل مع المشنوق، فأحالها المكتب الإعلامي التابع له الى المحافظ، «حيث الملف عنده».

عندما طلبت وزارة الصحة من القاضي شبيب وقف الأعمال، لم يمتثل المحافظ لطلبها، وأرسل بتاريخ 24 آذار الفائت إلى الوزير المشنوق كتاباً عُدّ بمثابة «مُطالعة»، اعتبر فيها أن المُستشفى المذكور، و»بغض النظر عن طبيعة الخدمات الطبية التي يُقدمها وحجم هذه الخدمات (..)»، هو من عداد «المستشفيات أو المستوصفات العمومية»، وبالتالي لا يُصنف ضمن المُستشفيات الخاصة التي تخضع للتراخيص بموجب المرسوم الرقم 9826 الصادر عام 1962، طالباً من الوزير المشنوق التعامل مع الكتاب المرسل من الوزير حاصباني «من هذه الزاوية» أو إذا «ارتأى المشنوق عرض كتاب حاصباني على هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل».

في حديث إلى «الأخبار»، يشرح شبيب رأيه، مستنداً الى المادة 49 من قانون البلديات، التي تجيز للبلديات إنشاء المستشفيات والمستوصفات، ولافتاً الى أنه «في الحالة المطروحة، فقد تم الأمر من قبل المجلس البلدي السابق وقرّر المجلس البلدي الحالي المتابعة». ماذا عن «تفلّت» المُستشفى من الجهات الرقابية؟ يُجيب شبيب بأن مسألة رقابة الوزارات «حتمية»، وعلى تلك الوزارات أن تقوم بمهماتها في المراقبة «كما تفعل بالنسبة إلى أي مستوصف آخر، سواء كان تابعاً للبلدية أو لجمعية أو لأي جهة أخرى».

مستشفى «خطير» خارج أي رقابة!

قرار بلدية بيروت تخصيص جزء من الحرج، وإصرار مجلسها على تغطية وجود مستشفى عسكري أجنبي مخالف، يعارض توصيات لجنة الحدائق في البلدية، التي أوعزت باتخاذ الإجراءات اللازمة لوقف الأعمال، لأنه «لا ينبغي أن يكون هناك استثناء في المجال الطبي، ويجب بالتالي أن يخضع عمل هذا المُستشفى الميداني لسلطة الدولة الرقابية (…)»، وفق ما يرد في محضر جلسة لجنة الحدائق المنعقدة بتاريخ 22/6/2016 .

يُثير رئيس لجنة الصحة، الدكتور سحاق كيشيان، في المحضر المذكور، تداعيات عدم خضوع المُستشفى لقوانين النظام الصحي اللبناني ووزارة الصحة، ويلفت الى «عدم قدرة وزارة الصحة على مراقبة الخدمة الطبية وتطبيق المعايير الطبية ومراقبة قسم الأشعة ومراقبة النفايات الطبية، كون المُستشفى مجهزاً بغرف عمليات، فضلاً عن عدم قدرة وزارة الصحة على مراقبة السلامة العامة لناحية المواد الموجودة في المُستشفى «من مواد مشتعلة أو مواد قابلة للانفجار وما قد يُسببه من ضرر للحرج والأبنية السكنية المحيطة».

ونظراً الى كون المُستشفى لا يخضع لقوانين نقابة الأطباء، فإن ذلك يؤدي، بحسب المحضر، الى عدم قدرة النقابة على مراقبة أعمال الأطباء ومحاسبتهم، فضلاً عن عدم قدرة النقابة على التأكد من المستوى العلمي للأطباء العاملين. كذلك، ونظراً الى كون المُستشفى لا يخضع لقوانين نقابة الصيادلة، فإنّ ذلك يؤدي الى عدم قُدرة نقابة الصيادلة على الإشراف على نوعية الأدوية ومدة صلاحياتها وعدم قدرة نقابة الصيادلة على الإشراف على الأدوية من الناحية العلمية إذا كانت هذه الأدوية معترفة من وزارة الصحة.

ويخلص المحضر الى القول إنه «تبيّن لأعضاء اللجنة ولأعضاء المجلس الحاضرين عدم توفر آلية رقابة لعمل المُستشفى الميداني، ما يحول دون تحديد المسؤوليات»، لافتاً الى تشديد المجتمعين على «ضرورة الحفاظ على حرج بيروت المتنفس الطبيعي الأهم لأهل العاصمة وعدم المساس بمساحته الخضراء»، مؤكدين «عدم ملاءمة الموقع لإقامة هذا المُستشفى (…)».

كم ستدفع بلدية بيروت للمشروع؟

على الرغم من أن بلدية بيروت تُركّز على أن المُستشفى هو هبة، إلا أن المُعطيات تُفيد بأن البلدية دفعت أموالاً لقاء استكمال تشييده. تُشير جمعية «نحن» الى أن البلدية دفعت نحو مليون و200 ألف دولار أميركي من أجل إقامة المشروع، فيما بدا لافتاً أن يخلو القرار الرقم 274/2016 الذي نصّ على مشروع اتفاق بالتراضي مع إحدى الشركات من تحديد الأموال التي دفعتها البلدية، وفق ما تنقل مصادر من داخل بلدية بيروت لـ»الأخبار».