IMLebanon

“القوات” رأس حربة لمكافحة الفساد

كتب فادي عيد في صحيفة “الديار”:

قدّمت «القوات اللبنانية» من خلال عملها الوزاري ومشاركتها الوازنة في الحكومة الأخيرة، تجربة نموذجية جعلت أخصامها في السياسة يشيدون بهذه التجربة التي تعكس سياسة «القوات» ومقاربتها للشأن العام على حدّ قول مصادر في القوات، حيث أن رئيس الحزب الدكتور سمير جعجع، وعشية تأليف الحكومة، عقد اجتماعاً استثنائياً وطويلاً مع وزراء «القوات» الذين اختارهم لتمثيل الحزب في الحكومة غسان حاصباني، ملحم رياشي وبيار بو عاصي، وحدّد الخطوط العريضة لعملهم الوزاري:

أولاً: الإلتزام بالدستور والقوانين المرعية في كل الملفات والقضايا. فالدستور هو الحَكَم الوحيد للسير في هذا الإتجاه أو ذاك. والكتاب هو الوحيد الذي يعيد ثقة الرأي العام بالدولة، هذه الثقة التي اهتزّت، بل سقطت، نتيجة تجاوز الدستور.

ثانياً: التشديد على ضرورة قيام دولة فعلية ممسكة بقرارها الإستراتيجي، كما دولة خالية من الفساد تضع حداً لدولة المزرعة القائمة.

ثالثاً: الإلتزام بالجانب المؤسساتي من خلال العودة باستمرار إلى إدارة المناقصات وكل المؤسسات الرقابية على قاعدة «اعطي خبزك للخباز».

رابعاً: الإلتزام بقواعد الشفافية والأخلاقية والمناقبية والوضوح.

خامساً: الإبتعاد عن الزبائنية والمحسوبية في التعيينات، وفي مقاربة الملفات المطروحة.

سادساً: تقديم تجربة نموذجية على مستوى الحقائب التي أسندت لـ»القوات»، كما الصوت المدافع عن الحق داخل مجلس الوزراء.

سابعاً: التواضع تيمّناً بالمثل القائل «الأرض الواطية بتشرب ميّتها وميّة غيرها».

وقد أظهرت الممارسة الوزارية القواتية في كل محطاتها عن مدى مبدئيتها، تضيف المصادر نفسها، فلا تبدي تحالفاتها السياسية على مقاربتها للشأن العام، الأمر الذي ترجم من خلال تقاطعها حول طاولة مجلس الوزراء مع قوى سياسية لا تلتقي معها في السياسة الوطنية، إنما تقاطعت معها في الملفات الحياتية، لأن الفيصل في ممارسة الشأن العام بالنسبة إلى «القوات»، ليس التحالف السياسي، بل الدستور والقوانين المرعية، فالتحالفات السياسية والإنتخابية شيء، والتقاطعات الدولتية شيء مختلف تماماً. وإذا كان لا أولوية تعلو على السيادة وطنياً، فلا أولوية تعلو على الشفافية حكومياً وإدارياً وتنفيذياً.

وإذا كانت الممارسة الوزارية القواتية قد لاقت استحساناً لدى الرأي العام اللبناني في كل أطيافه وميوله، والذي شعر معها بإمكانية قيام دولة فعلية، فإنها شكّلت انزعاجاً سياسياً من «القوات»، هذا الإنزعاج الذي وصل إلى حدّ التكتّل ضدها، بحسب المصادر التي تقول انه وعلى رغم تلويحها بالإستقالة من الحكومة مراراً وتكراراً عازية الأمر إلى سببين: الخروج عن مرتكزات التسوية السياسية وسياسة النأي بالنفس، والسبب الثاني رفضها منطق المحاصصات والصفقات والتلزيمات بالتراضي، فإنها شعرت في أكثر من محطة أنها قادرة على تشكيل عدوى إيجابية، الأمر الذي ظهر في البطاقة البيومترية مثلاً التي أقرّ تلزيمها بالتراضي في ظل اعتراض قواتي حصراً، ولكن هذا الإعتراض كان كفيلاً بإعادة تبديل معظم المكوّنات الحكومية موقفها من هذا الموضوع، وشكّلت عدوى بطبيعة الحال في ملف الكهرباء التي كانت أول من دعا إلى تحكيم إدارة المناقصات وتمسّكت بموقف تلك الإدارة ورفضت كل ما رفضته إدارة المناقصات.

وتؤكد المصادر ان القوات قدّمت رؤيتها المتّصلة بالتعيينات لجهة إعتماد الكفاءة والجدارة بعيداً عن المحسوبيات السياسية، لأن الموظف الذي يصل بكفاءته يبدّي في ممارسته مصلحة المؤسسة التي يعمل فيها أو يرأسها، الأمر الذي يقود إلى إعلاء حكم المؤسسات، فيما الموظف الذي يبدّي الطرف الذي أوصله يساهم في تعميم نموذج المزرعة.

كما أن المواطن، ودائماً بالنسبة إلى «القوات»، يجب أن يشعر أن معبره إلى الدولة هي كفاءته لا استزلامه، وهذا الجانب وحده كفيل بإعادة ترميم الثقة بين الناس ومعظم الطبقة السياسية، وأكثر ما تبغضه «القوات» هو الممارسة الشعبوية التي تبيع الناس من كيسها، وتمارس عكس ما تدّعي.

وإذا كانت «القوات» رأس حربة في الجانب الإصلاحي في الحكومة، تضيف مصادره، فإنها كانت أيضاً رأس حربة في السيادة، فاعترضت على كل ما يمسّ بالتسوية، ويشكّل خروجاً عن الدستور ودور لبنان وموقع الدولة، فرفضت التطبيع مع النظام السوري، وعملت على توسيع مساحة الدولة على حساب مساحة الدويلة، وواجهت بشدة الصفقة بين «حزب الله» وتنظيم «داعش»، واعترضت على كل موقف يعكس تماهياً بين الدولة و«حزب الله»، ولو لم يستقل الرئيس الحريري لكانت استقالت على التجاوزات التي سجلتها في أكثر من مناسبة.

ولا شك أن الناس رأت بأم العين أنه يمكن أن تختلف مع «القوات» سياسياً، ولكن لا يمكن أن تختلف مع ممارستها الشفافة داخل وزاراتها وداخل الحكومة، وذلك في ظل الفصل الذي اعتمدته «القوات» بين السياسة وبين ممارسة الشأن العام، فقدّمت تجربة نموذجية تقول مصادر القوات، شكّلت من خلالها رأس حربة في الدفاع عن قيام الدولة الفعلية في لبنان، ورأس حربة في تجسيد الشراكة تطبيقاً للدستور وروحيته، ورأس حربة في مكافحة الفساد وإسقاط دولة المزرعة لمصلحة قيام دولة القانون.