IMLebanon

لبنان أهم بكثير من نصرالله!

كتب أسعد البصري في صحيفة “العرب” اللندنية”:

السعودية عندها كل الحق في عاصفة الحزم. إن نظرنا إلى الخارطة فسنرى مضيق هرمز أساسا تحت يد إيران، بينما يندفع الحوثيون حلفاء طهران للسيطرة على باب المندب. هذا المضيق بالذات مشكلة كبيرة فاليمن يحيط بالبحر الأحمر، وممرات قناة السويس وخليج العقبة حيث الملاحة التجارية الأضخم عالميا، وكذلك يطل على الطريق التجاري من خليج عدن والبحر الهندي نحو آسيا والأسواق المفتوحة.

كيف تسمح المملكة بسيطرة إيرانية على هذا الساحل الاستراتيجي مع ممراته التجارية وطرق الملاحة وسفن البترول السعودية؟ في هذه الحالة يصبح الشرق الأوسط ساقطا جغرافيا بيد إيران. والباقي مسألة وقت حتى وصول قاسم سليماني إلى المتوسط.

حتى مدينة نيوم وتحقيق رؤية المملكة 2030 لا تنجح إلا بهزيمة الحوثيين. كل من خليج العقبة وقناة السويس كإصبعين ينزلان جنوبا في البحر الأحمر نحو مضيق باب المندب. فلو قامت مدينة حديثة مثل نيوم وأنفقت السعودية نصف تريليون دولار على بنائها فإن اتصالها البحري بالعالم سيكون تحت الرحمة الإيرانية. أصلا عمليات البناء ونقل المعدات الثقيلة من أوروبا وآسيا لا يمكن أن ينجح إلا بطرد النفوذ الإيراني من البحر الأحمر أو بالتصالح معهم وهذا صعب بسبب إيران.

الجديد في الأمر هو إطلاق الحوثيين لصاروخ إيراني الصنع نحو مطار الملك خالد في قلب الرياض. وتؤكد معلومات الاستخبارات السعودية أنه قادم من حزب الله اللبناني وبخبرات تفكيك وتهريب وإعادة تركيب وإطلاق لبنانية. لهذا قالت السعودية إن لبنان أعلن الحرب عليها بسبب ما وصفته بعدوان على المملكة من جماعة حزب الله الشيعية اللبنانية المدعومة من إيران.

قال ثامر السبهان الوزير السعودي لشؤون الخليج العربي إن “كل الإجراءات المتخذة تباعا في تصاعد مستمر ومتشدد حتى تعود الأمور إلى نصابها الطبيعي”، في إشارة إلى طلب السعودية من مواطنيها مغادرة لبنان فورا. وقد حذرت ثلاث دول خليجية، السعودية والبحرين والكويت، رعاياها من السفر إلى لبنان وطلبت من مواطنيها المقيمين هناك المغادرة بأسرع وقت ممكن وسط تصاعد حدة التوتر بين السعودية وإيران بشأن لبنان واليمن.

لبنان في مخطط سليماني سيُصبِح القاعدة والميناء الأكبر للثروة الشيعية والتبادل التجاري والسياحي فهل تسكت السعودية مثلا؟ هل تسمح لإيران بنجاح بهذا الحجم؟ إيران تخطط لخنق السعودية وعزلها والمملكة في حالة حرب بالواقع. حتى ضرب الفساد والأثرياء والأمراء هو لدعم الحرب حتى لا يقول الجندي السعودي لماذا أقاتل وأموت وفلان أمير يسرق المليارات.

التصعيد السعودي الحالي مع لبنان ليس جديدا فقد سبق للمملكة قطع علاقاتها على خلفية هجمات إعلامية مركزة قام بها أمين عام حزب الله حسن نصرالله ضد السعودية، إضافة إلى دعم الحوثيين وتعرض لبنان حينها إلى أزمة اقتصادية كبيرة وتسريح موظفين وانهيار السياحة والتصدير والتجارة، وتمّ حلّ تلك الأزمة باعتذار لبناني للسعودية عن تصرفات حزب الله.

ولكن هناك تطورات أكبر اليوم. كاستقالة رئيس الحكومة سعد الحريري. فالإشكالية الرئيسية هي استقالة الحريري المعلنة من السعودية، وما ارتبط بها من جدل ومزاعم عن تواجده تحت الإقامة الجبرية. وقد نفى معاونو الحريري حتى الخميس وضعه قيد الإقامة الجبرية في السعودية، لكن أسلوبهم تغير كثيرا بعد اجتماع لتيار المستقبل انعقد في مقر إقامة الحريري في بيروت خلال الأيام الماضية. وجاء في بيان قرأه رئيس الوزراء الأسبق فؤاد السنيورة أن عودته ضرورية “لاستعادة الاعتبار والاحترام للتوازن الداخلي والخارجي للبنان في إطار الاحترام الكامل للشرعية اللبنانية”.

وبصراحة فتوقيت استقالة الحريري، وهو رجل أعمال وصاحب استثمارات ضخمة متداخلة بطبيعتها مع المال السعودي قد تزامن مع احتجاز رجال أعمال سعوديين وأمراء كبار على خلفية فساد مالي، هذا الأمر هو الذي أثار شكوك البعض باحتمال أن يكون رئيس حكومة لبنان تحت الإقامة الجبرية ويواجه تهما بالفساد غير معلن عنها. خصوصا وأن بعض الإعلاميين الغربيين يُطلق على ليلة القبض على الفاسدين السعوديين الكبار بـ”ليلة الرعب” بما تعنيه من مخاوف اندلاع حروب كبرى في المنطقة.

ولكن لو كان الرئيس سعد الحريري تحت الإقامة الجبرية فعلا لما استطاع استقبال سفير فرنسا لدى السعودية يوم الخميس، واجتمع كذلك مع رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي لدى السعودية يوم الأربعاء، والتقى السفير البريطاني والقائم بالأعمال الأميركي يوم الثلاثاء.

وأكدت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية هيذر ناورت أن القائم بالأعمال الأميركي كريس هينزيل التقى بالحريري. والأهم من كل ذلك قام الحريري بزيارة لمدة يوم واحد للإمارات قبل أن يعود إلى السعودية. فكيف يكون تحت الإقامة الجبرية ويسافر إلى دول أخرى ويعود؟

الولايات المتحدة لا تستبعد حدوث تصادم ضخم بين القوتين الكبيرتين في المنطقة السعودية وإيران بسبب الحزم الذي يمتاز به ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وتهديده السابق بنقل المعركة إلى العمق الإيراني. هذا قائد قوي أثبتت التجربة تنفيذه لوعوده ووعيده.

قبل أيام استدعى الرئيس الأميركي دونالد ترامب على وجه السرعة ألف طيار أميركي مسرّحين من الخدمة العسكرية حديثا لغرض تدريبهم. وهذا غريب فالعدد الأقصى في الظروف العادية لقرار كهذا يكون 25 طيارا. كذلك أقر الكونغرس ميزانية عسكرية بقيمة 700 مليار دولار وهو رقم أعلى من المبلغ الذي طلبه الرئيس نفسه. وبالرغم من ذلك نحن لا نتمنى حدوث حرب كهذه.

الحديث عن عقوبات اقتصادية على لبنان وتسريح موظفين رغم ما فيه من آثار عكسية بسبب تعاطف العرب مع الفقراء يمكن أن يشكل ضغطا على حكومة لبنان. ولكن ما ذنب مهندس مسيحي لبناني يعمل بعقد في شركة أرامكو لبناء بيت والزواج أن يتحمل مسؤولية الأعمال المتطرفة لحزب الله؟

المشكلة الأخرى هي التصعيد العسكري مع شيعة لبنان ليس كالحوثيين فهؤلاء جعفرية اثنا عشرية ويمكن أن يؤدي ضربهم إلى التضحية بالتنسيق العراقي السعودي والتقارب مع شيعة العراق. ولا يمكن إنكار أن حسن نصرالله يتمتع بكاريزما لدى الشيعة وقد ينقلب الليبرالي والبراغماتي الشيعي إذا ناحت عليه فتيات كربلاء واستصرخت باسمه عجائز شيراز.

هناك تردد مصري واضح للتصعيد العسكري الأخير في لبنان لعدة أسباب أهمها التخوف من عودة الصراع المذهبي الذي انحسر مؤخرا بعد هزيمة داعش، وكذلك مصر دولة فقراء وتتعاطف مع الفقراء، خصوصا أن هناك خشية من تصعيد يكون ضحيته الأولى فقراء لبنان وليس حزب الله.

لو لم تنتشر اعترافات الشيخ حمد بن جاسم فلا بأس بضرب حزب الله ضربات تأديبية لكنه يقول اتفقنا مع ملك السعودية الراحل على التنسيق مع المخابرات الأميركية وتسليح السوريين وتحريضهم ضد بلادهم لزعزعة الاستقرار وقتال الجيش السوري، وبعدها “الصيدة” أفلتت بسبب التنافس على سوريا قبل النصر. هذه مشكلة كبيرة جدا تجعلنا نتردّد بقبول الحلول العسكرية في العالم العربي.

الخلل واضح فإيران اشتغلت سياسة لعقود طويلة بينما العرب ليس عندهم هذا الصبر بدليل ما حدث لسنة العراق وسوريا. وفي النهاية مصالحة مع حكومة بغداد وشبه صلح مع سوريا.

لهذا ليس عند العرب الآن سوى التهديد بالحرب بسبب ضعف السياسة، وهذا لا ينفع مع إيران فالذي يعمل سياسة يستمر بهذا النهج. دولة كبيرة جغرافيا عدد سكانها 100 مليون مواطن لم يحتل جيشها دولة أخرى كما فعل صدام حسين بالكويت مثلا. بل تحرك شيعة العراق وسوريا واليمن ولكن هذا يعتبر تحركا بالوكالة وليس أن يجتاز الجيش الإيراني الحدود بالدبابات.

قاتلت إيران بالوكالة في سوريا والذي اجتاح الحدود بجيشه هو الجيش الروسي بقيادة بوتين وبتحريض من قاسم سليماني الذي زار الكرملين سرّا .

السؤال هو لماذا العرب ليس عندهم صبر؟ لماذا لا يشتغلون سياسة ويدعمون حلفاءهم ويطورونهم؟ لماذا عدم المبالاة بضحايا الصراع السابق وهم بمئات الآلاف في سوريا والعراق وتركهم يتحالفون مع إيران اضطرارا بعد هدم مدنهم؟ وهل هذا ما سيحدث في لبنان أيضا حيث سيعمل سنة لبنان في حزب الله كما يعمل سنة العراق اليوم في الحشد الشعبي وحزب الدعوة الشيعي الحاكم؟