IMLebanon

الحريري رهين المحبسين: المآزق والآمال

كتب زياد البابا في صحيفة “الأخبار”:

أن ينتظر وزير الداخلية نهاد المشنوق النص الذي يجرى إعداده لإيجاد ممرّ آمن ليعبر الرئيس سعد الحريري نفق «التريث»، لا يعني بحال من الأحوال أن الأخير قادر حتى الآن على تجاوز «أزمة الاستقالة» من الرياض. يواجه الرجل عقبات ومآزق مقابل آمال ضئيلة في النجاح بالعودة إلى ما قبل الرابع من تشرين الثاني الماضي، سواء ارتبط الأمر بعلاقته الخاصة مع السعودية، أو بالعلاقة بين لبنان والسعودية.

المآزق

يقول مرجع سياسي إن المخرج يكمن في «البراعة اللغوية»، لكنه يقفز فوق حقائق عدة يعرفها رئيس الحكومة وفريقه، ومنها:

أولاً، المأزق الأول يتصل بكون الحريري، عندما خرج من الرياض إلى باريس، كان يعرف الشرط المسبق بعدم تغطية سائر أنشطة حزب الله، وتحديد موقعه من معركة الرياض لإسقاط «الهيمنة الإيرانية» عن لبنان. وإذا كان الجزء الأول عسيراً بالنسبة إلى ميادين سوريا والعراق والتدخل المفترض للحزب في اليمن وسهلاً في ما خص الداخل، فإن الجزء الآخر من المعادلة والمتعلق بأدوار طهران يقارب الاستحالة لأنه متصل بوضع الشرق الأوسط والتعقيدات السياسية والعسكرية والأمنية الناجمة عن الحرب على الإرهاب، وبالتالي لا يمكن لرئيس الحكومة أن يكون مقرراً فيه.

ثانياً، حتى اللحظة لم تعدل السعودية قيد أنملة في موقفها من العناوين الخلافية. وقد أصر ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في مقابلته الأخيرة مع «نيويورك تايمز» على أن «الحريري السني لن يواصل منح الغطاء لحكومة يسيطر عليها حزب الله». وهذا العنوان، على بساطته السياسية، مضافاً إليه تشبيه ابن سلمان لمرشد الثورة الإسلامية السيد علي خامنئي بـ «هتلر» الشرق الأوسط، يؤكدان أن الرياض ماضية قدماً في تصعيدها، ولا تعتبر نفسها معنية بالاتفاق الذي يحكى أنه تم بين الرئيسين الفرنسي ايمانويل ماكرون والإيراني حسن روحاني لإخراج الحريري مقابل البحث في الوضع اللبناني، على رغم أنه حاز على موافقة ابن سلمان الذي ترك للحريري حرية القرار.

ثالثاً، يبذل الحريري ما في وسعه ويلاقيه الرئيسان ميشال عون ونبيه بري وحزب الله بـ«تعاون استثنائي». لكنه، حتى الآن، لم يتلقَّ أيّ اتصال من الرياض يساعده على بلورة خارطة طريق للعودة عن الاستقالة والخروج من دائرة التريث، الأمر الذي زاد الوضع غموضاً بالنسبة إليه، وفسّره بعض مساعديه على أنه تمسّك من السعودية بقرار الاشتباك مع إيران عبر لبنان.

رابعاً، لا يزال اهتمام الحريري منصبّاً على مراجعة علاقته مع حزبي القوات اللبنانية والكتائب كحليفين سابقين له، وحاليين بالنسبة إلى السعودية. ومقاربة هذه المراجعة تتسم بحذر شديد قبل اتخاذ أيّ قرار لأنه لا يمكنه الاصطدام مع النائب سامي الجميل والدكتور سمير جعجع اللذين أقنعا الرياض بأنهما الأقرب إليها والأكثر تماسكاً في مواجهة حزب الله، وسارعا الى اعتبار استقالته نافذة دستورياً غير آبهين بأي شيء.

وفي المقابل، لا يمكن رئيس الحكومة العودة إلى المرحلة السابقة. إذ سيضطر في استحقاقات سياسية مقبلة إلى معاداة من وقفوا الى جانبه وقدموا أداءً مميزاً لإخراجه من محنته. وهذا المأزق بالتحديد هو الأكثر حساسية، إذ أن جمهوره لمس بالواقع ما فعله عون وبري وحزب الله وحلفاؤهم، وصار غير قادر على معاداة هؤلاء. كما أنه ليس في وارد الانقلاب على السعودية لا من قريب ولا من بعيد. بل لا يزال يتصرف ويجري محادثاته واتصالاته داخلياً وخارجياً على قاعدة أنه ممثل المصالح السعودية في لبنان وراعيها، وأنها تمثل عمقه السياسي.

خامساً، يعرف الحريري جيداً أنه لا يمكنه خوض الانتخابات النيابية المقبلة من دون دعم السعودية المالي. وإذا كان قد حاز عاطفةً خلال محنته فإن ذلك لا يعني بالضرورة أنها ستعبر عن نفسها تأييداً في صندوق الاقتراع لأسباب بعضها متصل بتركيبة تيار «المستقبل» التنظيمية وضعف أدائه السياسي والإعلامي، وبعضها الآخر مرتبط بشح الموارد والامتناع عن تقديم أية خدمات صحية واجتماعية، فضلاً عن أنه لم يستطع حتى الآن سداد مستحقات ورواتب وتعويضات من صرفوا قبل عامين.

وما يُقلق في الشق المالي هو أن أحد أبرز مقربيه تلقى اتصالاً من مسؤول سعودي رفيع وفيه «إذا كان هذا الوضع يزعجكم أعلنوا هذا الأمر وتصرفوا على أساسه». لهذا يبقى التمويل المالي أشد النقاط حساسية عند الحريري خشية أن يستغله شقيقه بهاء والوزير السابق أشرف ريفي ليعودا عبره من الباب الخلفي لقاعدته.

سادساً، المأزق الناجم عن أزمة فريق سعد الحريري نفسه. فالسعودية عملت كثيراً على إقصاء مجموعة المساعدين المقربين (نادر الحريري، نهاد المشنوق وغطاس خوري) محملة إياهم مسؤولية مبادرتي ترشيح سليمان فرنجية وميشال عون إلى رئاسة الجمهورية، ما سحب من الرياض إحدى أهم أوراق الضغط السياسي التي كانت في حوزتها. إذ لطالما ركزت اتهامها على إيران وحزب الله بوصفهما المانع أمام انتظام عمل المؤسسات الدستورية لأن هدفهما تعديل اتفاق الطائف والانقلاب عليه.

الآمال

وبحسب المرجع السياسي، فإن الحريري يعلق آماله على أمور من بينها:

أولاً، إبعاد وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج ثامر السبهان عن المشهد اللبناني وتداخلاته. فقد توقفت تغريداته بالتزامن مع الإعلان عن تعيين وليد اليعقوب سفيراً لبلاده في بيروت. لكن هذا الأمر لا يزال مجرد إشارة ولم يتحول واقعاً، لأن السفير لم يقدّم أوراق اعتماده بعد، ولكون تصريحات وزير الخارجية عادل الجبير قبل أيام عن عمليات مالية لحزب الله عبر المصارف اللبنانية تؤكد التوجه أكثر فأكثر نحو التصعيد، وما قاله الجبير يرمي بطريقة مباشرة إلى زعزعة إحدى أهم ركائز الاستقرار اللبناني العام، رغم أن السعوديين يعرفون أنه كلام غير صحيح، وحتى الولايات المتحدة لم تثبت أي شيء من هذا القبيل، عدا عن كون الجميع يعرف بأن حزب الله الملاحق منذ نشأته في ثمانينيات القرن الماضي يستحيل أن تكون تعاملاته المالية عبر البنوك.

ثانياً، أكثر ما يريح الحريري حالياً هو فشل الانقلاب على زعامته وقيادته السياسية والشعبية، وما يوازي ذلك عنده أهمية هو التفاف اللبنانيين وقواهم السياسية بغالبيتهم حوله وتمسكهم بعودته من الرياض قبل الشروع في أي نقاش أو اتخاذ أي موقف، والرفض القاطع لاستبداله بشقيقه بهاء سواء من النائب وليد جنبلاط أو من غيره من القادة السياسيين وحتى الروحيين.

ثالثاً، تقاطع الموقف الأوروبي والأميركي حول شخص الحريري وصولاً إلى منحه مظلة دبلوماسية واقتصادية من خلال الوعد بالعمل لتنظيم مؤتمر في باريس دعماً للبنان. وأزمة تقييد حرية رئيس الحكومة اللبنانية كانت خشبة خلاص تحديداً للدول الأوروبية للتمسك بحرية الحريري لمواجهة التنديدات الداخلية بسياسات حكوماتها، تحديداً في بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، ووصفها بأنها رهينة الصفقات والاستثمارات مع السعودية وإهمال القيم الأخلاقية.

أضف الى ذلك إن موضوع النازحين السوريين المقيمين في لبنان يشكل الهاجس الأكبر للأوروبيين، خشية أن يؤدي أي انفجار أمني فيه الى دفعهم للتدفق عبر البحر المتوسط واجتياح الدول الأوروبية بموجات هجرة غير قادرة على استيعابها داخلياً.

أما وأن المشهد على ما هو عليه، فإن المرجع السياسي يعتقد بأن الحريري سيبقى رهن التعارضات السياسية الحادة القائمة حالياً، إلا إذا حصل تبدّل استثنائي بكل معنى الكلمة من طرفي النقيض اللذين يقف بينهما رئيس الحكومة «المتريث».