IMLebanon

الإصلاح ومحاربة الفساد تحديان أمام لبنان بعد مؤتمر باريس

كتبت كارولين عاكوم في صحيفة “الشرق الأوسط”:

حمّل مؤتمر باريس لبنان وحكومته مسؤولية مضاعفة حول قضايا عدة، وهي إضافة إلى سياسة النأي بالنفس، التي كانت عنوان عودة رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري عن استقالته، الإصلاح الحكومي والمؤسساتي، ومحاربة الفساد، كما الاستراتيجية الدفاعية.

وفي مرحلة بات فيها لبنان أمام اختبار محلي ودولي لمدى التزامه والتزام أفرقائه، وعلى رأسهم «حزب الله» بـ«النأي بالنفس»، كانت لافتة التوصيات التي جاءت على لسان أكثر من جهة في المؤتمر حول الإصلاح الحكومي والمؤسساتي في لبنان، الذي احتل المركز 136 عالمياً من أصل 1766 دولة شملتها قائمة دول العالم الأقل فساداً، وفقاً لمؤشر لعام 2016، الصادر عن منظمة الشفافية الدولية.

ويرى سامي نادر، رئيس مركز المشرق للشؤون الاستراتيجية في بيروت، أن هناك شرطين أساسين لنجاح واستفادة لبنان من مؤتمر باريس، وهما: سياسي وإصلاحي بشكل رئيسي. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن الشرط «السياسي أتى بعد تدويل الأزمة اللبنانية منذ استقالة الحريري، بحيث أصبحت سياسة النأي بالنفس تحت المجهر الدولي، وبالتالي تأمين مواكبة وشبكة أمان لها، والثاني عبر تطبيق الإصلاحات ومراقبة المساعدات والقروض، بينما ستبقى قضية الاستراتيجية الدفاعية وسلاح (حزب الله) معلقة إلى حين إنهاء الأزمة السورية». ويتوقف عند ضمانة الالتزام بما سيصدر عنه، وارتباطه بنتائج «اتفاق النأي بالنفس» الأخير الذي يفتقد إلى آلية للتنفيذ أو جدول زمني من شأنه إلزام الأفرقاء به، واصفاً إياه بـ«الهش» الذي لم ينتج عنه إلا تخفيف نبرة «حزب الله»، من دون تقديمه أي التزام.

وفي الشق الإصلاحي، يؤكد نادر أنه «يبدو واضحاً من خلال المؤتمر أن كل المساعدات والقروض التي قد يحصل عليها لبنان ستبقى مرتبطة بالإصلاحات التي عليه تطبيقها، بعدما كانت تمنح إلى لبنان وتصرف من دون محاسبة ومراقبة»، ويلفت إلى أن «توقيت هذا المؤتمر أتى في ظل الحديث عن صفقات في النفط»، مضيفاً: «لا شك أن كل القروض والمساعدات التي ستقدم إلى لبنان ستكون مقابل تعهّدات للعائد النفطي، أي ستستفيد من وجود النفط لضمان قروضها بعد دخول دول أساسية على خطه، أهمها فرنسا وإيطاليا وروسيا».

ومن جهته، يقول مدير مركز الدراسات والأبحاث حول العالم العربي والمتوسط في جنيف حسني عبيدي لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» إن «اجتماع باريس يهدف إلى طمأنة الجهات الدائنة والمانحة المحتملة، على غرار البنك الدولي وصندوق النقد الدولي».

وشدد رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط على أهمية محاربة الفساد، ودورها في نجاح المؤتمر، وقال «إن مؤتمر باريس لدعم لبنان في غاية الأهمية، لكن لإنجاحه وجب الإصلاح أولاً، ووقف الهدر ثانياً، والحد من العجز ثالثاً. ومن جهة أخرى، فلتكن معالجة النفايات أولوية، بدل طمرها في البحر، أو نثرها في البراري».

ومع إقراره بالفساد المستشري في لبنان، المرتبط إلى حد كبير بالنظام السياسي، يرى النائب غسان مخيبر، رئيس اللجنة الفرعية المنبثقة عن لجنة الإدارة والعدل المكلفة بدراسة اقتراحات القوانين المتعلقة بمكافحة الفساد، أن لبنان في الطريق الصحيح نحو محاربة الفساد، عبر إقرار القوانين اللازمة، ويوضح لـ«الشرق الأوسط»: «هناك خطة كاملة لمكافحة الفساد، وسلة تشريعية، بعضها أقر وبعضها الآخر لا بد أن يوضع على طاولة جلسات مجلس النواب المقبلة، لتشكل مجتمعة إطاراً جدياً للشفافية والمحاسبة»، مؤكداً في الوقت نفسه أن «التحدي يكون عبر التنفيذ، في بلد يعتبر فيه الفساد بنيوياً ومتجذراً في النظام السياسي، عبر استغلال المال العام وغيره، وهو ما لا تنفيه معظم الأطراف اللبنانية، وكان ضمن أبرز المواضيع التي تعهّد بمحاربتها رئيس الجمهورية ميشال عون في خطاب القسم».

وذكّر مخيبر بالقانون الذي أقره مجلس النواب، المتعلق بحق الوصول إلى المعلومات، مشدداً على أهمية «إنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد»، وقانون الإثراء غير المشروع، وتعزيز قدرات القضاء المالي، وغيرها من مشاريع القوانين التي باتت جاهزة للإقرار بعد سنوات من العمل عليها.

وبعدما كانت الجمعية اللبنانية لتعزيز الشفافية (لا فساد) قد رأت أن احتلال لبنان المركز 136 في قائمة دول العالم الأقل فساداً عكس إلى حد كبير فترة ما قبل انتخاب رئيس الجمهورية في نوفمبر (تشرين الثاني) 2016، حيث طال الفساد كل القطاعات مستفيداً من الخلاف السياسي الذي لعب دوراً أساسياً في تعطيل الأداء الحكومي، وشل الحركة التشريعية للمجلس النيابي، وساهم في تغييب الأجهزة الرقابية، اعتبرت أن قانون «حق الوصول إلى المعلومات» يعد مدماكاً أساسياً لمكافحة الفساد، سبقه أيضاً تعيين وزير في الحكومة لهذه الغاية، وهذا مؤشر على نية الحكومة السعي لمكافحة الفساد.