IMLebanon

ماذا لو تفجرت الإنتفاضة الثالثة؟

كتبت صحيفة “واشنطن بوست” الاميركية مقالا جاء فيه:

طالما كان اندلاع “الانتفاضة الثالثة” مُتوقَّعاً مراراً وتكراراً، ولكن عندما دعا قائد حركة حماس اسماعيل هنية إلى تجديد الانتفاضة ضد إسرائيل الخميس 7 كانون الأوّل 2017، ساد شعورٌ بأن هذه المرة يمكن أن يكون الأمر حقيقياً.

وقد ردَّ اسماعيل هنية على اعتراف الرئيس دونالد ترامب بالقدس عاصمةً إسرائيلية، وعلى نقله السفارة الأميركية هناك. فبالنسبة لحركةِ حماس، يُعد الأمر “إعلاناً للحرب”.

إذ قال هنية: “إنَّ القدس تتمزَّق وتُخطَف منا”. وهتف المتظاهرون في غزة بشعاراتٍ جاء من بينها “القدس لنا”، ورفعوا لافتات تُصوِّر القدس كخطٍ أحمر، فيما أُحرِقَت الأعلام الأميركية والإسرائيلية مع صور ترامب وسط هتافات من المتظاهرين.

ومع توجيه اللوم إلى الولايات المتحدة لتسبُّبها في تصاعد التوترات، أُثيرت المخاوف من أنَّ انتفاضة أخرى يمكن أن تستهدف الأميركيين مباشرةً أيضاً، وفق ما ذكرت صحيفة واشنطن بوست الأميركية.

 

ما هي الانتفاضة؟

ترتبط الكلمة العربية “انتفاضة”، بصورةٍ أكثر شيوعاً بالانتفاضَتين الفلسطينيتين الطويلتين ضد إسرائيل. وقد اندلعت الانتفاضة الأولى بين عامي 1987 و 1993، وتلتها انتفاضةٌ ثانية أعنف في أوائل العقد الأول من هذا القرن، واستمرت نحو أربع سنوات. وقد أثبتت الانتفاضتان على حدٍ سواء أنهما ضارتان بالاقتصاد الفلسطيني.

ولا يقتصر الأمر على هذا، فالكلمة نفسها تحمل الكثير من المعاني الأخرى. وبصرف النظر عن معناها كـ”انتفاضة”، يمكن ترجمتها أيضاً بمعنى “هزّ الشيء”، أو “الهزّة القوية”.

 

ما الفرق بين الانتفاضة الأولى والانتفاضة الثانية؟

رغم أنَّ مصطلح الانتفاضة غالباً ما يرتبط بالاحتجاجات العنيفة، فإن الانتفاضة الأولى التي استمرت حتى أوائل التسعينيات قد هيمنت عليها في البداية تحرُّكاتٌ خاليةٌ من العنف، مثل المقاطعة.

وجاء اندلاع الاحتجاجات نتيجةً لعدة عوامل متراكمة منذ سنوات، وبحلول كانون الثاني 1988، اجتذبت الاحتجاجات عشرات الآلاف في الضفةِ الغربية وقطاع غزة. وقد تحرَّكوا ضد السياسة التي وصفها وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك، إسحاق رابين، بـ”السطوة والقوة والضرب”.

وطوال تلك الانتفاضة، وجزئياً بسبب رد الفعل الإسرائيلي القاسي، برزت عدة جماعات سياسية مسلحة بل وزادت قواها، بما في ذلك حماس، بحسب ما ذكرت الصحيفة الأميركية.

أما الانتفاضة الثانية، فقد بدأت عام 2000 نتيجة انهيار مفاوضات السلام بين الحكومة الإسرائيلية برئاسة رئيس الوزراء إيهود باراك ورئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات.

وتزامن هذا الانهيار مع زيارة أرييل شارون، زعيم المعارضة ثم رئيس الوزراء لاحقاً، إلى المسجد الأقصى في القدس.

وقد اعتُبِرَ إعلان شارون بأن “الحرم القدسي في أيدينا” هجوماً على مكانته عند العديد من الفلسطينيين والمسلمين في أماكن أُخرى، ما أدَّى إلى اندلاع أعمالِ شغب. وقد وجَّه كلُ طرفٍ اللوم في ما بعد إلى الطرف الآخر بسبب التصعيد الذي أعقب ذلك.

وقالت الصحيفة، على النقيض من الانتفاضةِ الأولى، جاءت الانتفاضة الثانية كتمرُّدٍ عنيف، وبدلاً من المقاطعة وإلقاء الحجارة، اتسم الصراع الذي أعقب ذلك بإطلاق النار والتفجيرات الانتحارية. ومن جانبها ردَّت إسرائيل بعملياتِ القتل المُخطَّط وهدم المنازل من بين تكتيكات أخرى مثيرة للخلاف.

وقد قُتل أكثر من 4 آلاف شخص معظمهم من الفلسطينيين خلال السنوات الخمس التالية، إذ أدَّت التفجيرات وإطلاق النيران إلى إشعال دائرة العنف. وقد تلاشى العنف في نهاية المطاف عقب وفاة عرفات عام 2004 وأُعيدَت محادثات السلام بعد ذلك بعام.

 

ما مدى احتمال حدوث انتفاضةٍ ثالثة؟

كانت الانتفاضة الثالثة مُتوقَّعةً مرات عدة في ما مضى. وفي عام 2014، كانت هناك مخاوف من تصعيد العنف بعد غضب إسرائيل بسبب خطف وقتل ثلاثة شبان إسرائيليين.

وفي الصيف الماضي، أشار المراقبون إلى ارتفاعٍ حاد في أعمال العنف في القدس بعدما أغلقت إسرائيل المسجد الأقصى بالكامل أمام المصلين المسلمين.

هل يمكن أن يؤدي إعلان ترامب الآن لتصاعد التوترات التي تراكمت على مدى السنوات الأخيرة؟

يعتقد بعض الخبراء وفق الصحيفة الأميركية أنَّ حماس وفتح قد تضطران الآن إلى تصعيدٍ محدود للعنف.

وقالت جين كينينمونت، الباحثة البارزة في شؤون الشرق الأوسط بالمعهد الملكي البريطاني للشؤون الدولية، إنَّ وجود السلطة الفلسطينية يقوم على اتفاق سلامٍ مع إسرائيل، وإنَّ حركة فتح ما زالت إلى الآن ملتزمة بهذا الاتفاق.

وأضافت: “لكن، لطالما كان من الصعب على الفلسطينيين، لسنواتٍ عدة، أن يعتقدوا أن حل الدولتين سيحدث بالفعل، فيما يعتقد الكثير من الشباب الفلسطيني أنه حل خيالي. وحتى المخضرمين من مفاوضي حركة فتح يقولون الآن إن الخطوة الأميركية الأخيرة تُشير إلى أن حل الدولتين لم يعد قائماً”.

أما الجهود التي بذلتها حماس وفتح مؤخراً للتغلب على خلافاتهما وللتوصل إلى اتفاقٍ فيما بينهما، فقد تتضرَّر أيضاً بسبب إعلان ترامب يوم الأربعاء الماضي 6 كانون الأول.

أما عماد الصوص، الباحث الذي يركز على حركة حماس في جامعة برلين الحرة، يعتقد أنَّ خيارات حماس محدودة للغاية لبدء انتفاضةٍ أُخرى بنفسها. وقال الصوص: “إذا كانت هناك انتفاضةٌ شعبية، فمن المُرجَّح أنَّ حماس ستقفز عليها لقيادتها، ولكنهم مُشتَّتون إلى حدٍ بعيد وغير قادرين على القيام بالانتفاضة بأنفسهم”. وأضاف إنه يعتقد أنَّ انتفاضةً كهذه ستظل تُركِّز على الأهداف الإسرائيلية.

وتابع الصوص: “يعتمد تصاعد العنف من عدمه على كيفية استجابة إسرائيل للاحتجاجات ضد إعلان ترامب. ولا أرى، حتى الآن، أنَّ الإعلان الأميركي نفسه هو العامل الرئيسي”.