IMLebanon

الحلفاء للحريري: مصلحة لبنان في رفع الوصاية الإيرانية

لفت مراقبون في لبنان إلى حجم التحولات التي ظهرت على رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري منذ استقالته الشهيرة من الرياض في 4 تشرين الثاني الماضي.

ورأى هؤلاء في حديث لصحيفة “العرب” اللندنية أن الانقلاب في مقاربات الرجل منذ ترشيحه لسليمان فرنجية “الصديق الشخصي” للرئيس السوري بشار الأسد، ثم بعد ذلك ترشيحه لميشال عون المتحالف الوفي مع حزب الله لرئاسة الجمهورية، يأخذ هذه الأيام أبعادا جديدة تنقله وتنقل تيار المستقبل إلى موقع مختلف عن ذلك الذي تموضع داخله منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري.

واعتبر عارفون أن كلام الحريري مؤخرا عن عملية “طعن في الظهر” مورست ضده لدق إسفين بينه وبين السعودية، وعن خيانات من قبل أصدقاء وعن عزمه “بق البحصة” لكشف ملابسات ذلك، كلها عوامل من شأنها أن تبعده عن حلفائه أو بعض حلفائه داخل معسكر 14 آذار كما داخل تيار المستقبل نفسه.

ويتساءل مقرّبون من حزب الحريري في خلواتهم عن الحكمة من ضعضعة الصفوف داخل المعسكر المناوئ لحزب الله وإيران في الوقت الذي تشتد فيه الضغوط العربية والدولية ضد الحزب وطهران، لا سيما التصريحات التي صدرت الثلاثاء عن وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان والتي هاجم فيها ”محور إيران” في المنطقة.

ينطلق رئيس الحكومة اللبنانية في مواقفه الجديدة من أجواء واكبت مسألة وجود الحريري في السعودية إثر الإعلان عن استقالته من الرياض. وتتحدث الأنباء عن اتهامات سيقت ضد النائب المسيحي السابق فارس سعيد، منسق تحالف 14 آذار، بأنه كان محرّضا ضد الحريري لدى السعودية.

يساق نفس الاتهام إلى سمير جعجع، رئيس حزب القوات اللبنانية وسامي الجميل رئيس حزب الكتائب اللبنانية أيضا، كونهما زارا السعودية بدعوة من الرياض قبل أسابيع من استقالة الحريري، وأن ما نقلاه للقيادة السعودية كان انتقادا للسياسات التي يعتمدها الحريري والتي تعتبر محابية لحزب الله.

وتتحدث هذه الأجواء عن دور لعبه المفكر اللبناني رضوان السيّد، الذي كان مقرّبا من الحريري الأب ثم الابن قبل أن يعلن السيّد افتراقه عن سعد الحريري بسبب مواقف الأخير التي اعتبرها متماهية مع الحزب. وحتى أن بعض الإشاعات تحدثت عن أن خطاب استقالة الحريري كتبه رضوان السيّد المعروف بقربه من السعودية، وهو أمر نفاه السيّد نفسه.

وتؤكد مصادر قريبة من تيار المستقبل أن النائب بهية الحريري، وهي عمّة سعد الحريري، هي التي تولّت التواصل مع الرئيس اللبناني ميشال عون وشجعت على تصعيد الموقف الرسمي للمطالبة بعودة الحريري إلى بيروت، فيما تولى وزير الداخلية المستقبلي نهاد المشنوق قطع الطريق على فكرة راجت حول تولي بهاء الحريري رئاسة تيار المستقبل مكان أخيه سعد، حين فاجأ الجميع بتصريحه الشهير الذي قال فيه “نحن لسنا قطيعا”.

ولا يمكن إلا تسجيل تباعد يشوب علاقات تيار المستقبل بحزب القوات اللبنانية منذ حدث الاستقالة. ووصل أمر الخلاف إلى حد التلويح بإجراء تعديل وزاري يبعد وزراء القوات اللبنانية عن الحكومة قبل أن يصار إلى الاستغناء عن الفكرة. وفيما يتناول الإعلام أنباء عن تواصل يجري بين الفريقين لإعادة تصحيح العلاقة وإزالة التوتر، مازال اللقاء المنتظر بين سعد الحريري وسمير جعجع عرضة لتكهنات وتوقعات ضبابية.

وتقول بعض الأنباء إن التيار الوطني الحر الذي يقوده وزير الخارجية اللبناني وصهر الرئيس عون جبران باسيل، مرتاح للتباعد الحاصل بين “المستقبل” و”القوات”، ذلك أن ما هو توتر بين جعجع والحريري يقابله ما يمكن اعتباره شبه انهيار في علاقة جعجع وباسيل، ناهيك عن خطط تعد لتحالفات تجمع تياري المستقبل والوطني في الانتخابات النيابية المزمع إجراؤها في مايو من العام المقبل.

وفيما استعاد سعد الحريري بعضا من شعبيته إثر موضوع الاستقالة واللبس الذي شاب غيابه عن لبنان، فإن امتعاضا يسود داخل الكتل الشعبية المناصرة كما داخل تيار المستقبل جراء ما يصفونه بخضوع الحريري للقواعد التي يفرضها حزب الله على لبنان، خصوصا وأن ما صدر عن التزام كامل التيارات السياسية بخيار النأي بالنفس عن الصراعات في المنطقة، لا يعدو كونه حبرا على ورق لا يكترث له الحزب.

وتلفت الأوساط إلى أن تصريحات نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم من طهران وحادثة تجوال قائد ميليشيا عصائب أهل الحق العراقية قيس الخزعلي في جنوب لبنان تفاصيل أتت بعد ساعات من إتمام توليفة “النأي بالنفس” التي أعادت الحريري عن استقالته.

وتتساءل مراجع مراقبة عن حكمة الحريري من تأكيد التباعد مع القوات اللبنانية وهم شركاؤه في التصدي لدمشق وطهران والحزب بعد اغتيال والده، كما الحكمة من تعميق الخلاف داخل المعسكر السياسي اللبناني القريب من السعودية مقابل الاقتراب من تحالف حزب الله والتيار الوطني الحر القريب من طهران.

على الرغم من تأكيد الحريري على موقع السعودية في لبنان ووعده بمتابعة مسألة “النأي بالنفس” بما يحمي المملكة من أي حملات تطالها من لبنان، إلا أن بعض المنابر تأخذ على رئيس الحكومة وضع نفسه في موقع وسطي “حماية لمصلحة البلد” وفق ما يردد، فيما أن تاريخه وموقعه السياسيين يحتمان عليه التموضع بشكل حاسم ضد الهيمنة الإيرانية في المنطقة، ولا سيما تلك التي تمارس في لبنان من قبل حزب الله.

وتقول بعض المراجع إن مواقف الحريري الأخيرة الغامزة من قناة الأصدقاء تضع علامات استفهام حول طبيعة تقييمه للتناقض الرئيسي لبرنامجه السياسي، بحيث يغيب حزب الله عن مشهد الخصوم وتتركز انتقادات تيار المستقبل على معسكر الحلفاء.

وتضيف المراجع أن موقف سامي الجميل علني وذهب إلى حد عدم المشاركة في الحكومة الحالية وأن مواقف سمير جعجع معلنة في انتقاده لضعف الشراكة داخل الحكومة وانتقاده لسلوك حزب الله داخل لبنان والمنطقة. وتلفت هذه المراجع أنه إذا حصلت شكوى من قبل الحلفاء لدى السعودية فهي من باب الحرص على حماية لبنان من الاختراق الإيراني ومن موقع الحرص على تعظيم دور الحريري في هذا الشأن على رأس الحكومة اللبنانية.

ونقل عن أوساط مسيحية مستقلة أنه من الطبيعي أن تكون هناك قراءات مختلفة بين تيار المستقبل والقوات اللبنانية لنفس المشهد من داخل روحية تحالفهما، إلا أن ذلك لا يمكن أن يتحول إلى عداوة وقلب الاصطفافات لصالح اندماج الحريري داخل ثنائية حزب الله والتيار الوطني الحر.

وأضافت هذه الأوساط أن “القوات” ينتقدون لكنهم ليسوا متورطين بما يتهم حزب الله به من عمليات اغتيال طالت رفيق الحريري ورفاقه كما بسعي الحزب اليومي للإطاحة بالدولة اللبنانية. وتذكّر بأن علاقة الحريرية السياسية بالتيارات المسيحية السيادية تاريخية منذ رفيق الحريري، فيما علاقة حزب الله وحلفائه بنفس الحريرية السياسية مكيافيلية خبيثة.

وتضيف هذه الأوساط أن وجود الحريري على رأس الحكومة هو مطلب حقيقي للقوات وحلفائه بينما يعتبر حزب الله أن وجود الحريري على رأس الحكومة هو وظيفة يقررها له أو يمنعها عنه وفق أجندته وأهوائه.