IMLebanon

التمويل الدولي: الثقة بالليرة اللبنانية ستبقى قوية

كتبت هلا صغبيني في صحيفة “المستقبل”:

بعد زيارة وفد صندوق النقد الدولي وحضه المسؤولين على وجوب ضبط المالية العامة واعتباره أن عودة الرئيس سعد الحريري عن استقالته هي فرصة أمام الحكومة من أجل مواجهة التحديات الاقتصادية، أعلن معهد التمويل الدولي في تقرير له بعنوان «لبنان: بصيص من الأمل» أن عودة الرئيس الحريري عن استقالته وتعهد الحكومة أن تبقى في منأى عن الصراعات الإقليمية، من شأنهما أن يوجها إشارة إيجابية للمستثمرين الأجانب ويؤديان إلى تسارع نمو الودائع. وهو ينوه بالإجراءات النقدية المتبعة، ويؤكد بأن الثقة بالليرة ستبقى قوية، وأنه بفضل الإدراة الحكيمة سيظل النظام المصرفي سليماً مدفوعاً بثقة عميقة بالنظام المالي وباستقرار سعر الصرف الثابت.

يتوقع معهد التمويل 2.2 في المئة في تقريره الذي يحلل الأثر الاقتصادي للتطورات السياسية الأخيرة والتوقعات لعام 2018 وما بعده، نمواً في العام 2017 و3.1 في المئة في 2018 مدفوعاً ببعض التحسن في الاستثمار والتصدير. كما يتوقع ارتفاع معدلات الفائدة في العام 2018 مع قرار الاحتياطي الفيدرالي رفع الفائدة.

ومن بين اقتراحاته إجراء تصحيح مالي جدي والعمل على خفض الدين إلى الناتج المحلي وذلك من أجل التخفيف من العبء المُلقى على عاتق مصرف لبنان وعلى التدفقات المالية من أجل تغطية حاجات الدولة. ويبدي تخوفه من العجز المزدوج الذي لا يزال يهدد الاستقرار الماكرو اقتصادي ويقوض فرص النمو.

يقول معد التقرير الذي حصلت عليه «المستقبل»، نائب مدير إدارة أفريقيا والشرق الأوسط في المعهد، غاربيس ايراديان، إن عودة الرئيس الحريري عن استقالته وتعهد الحكومة أن تبقى في منأى عن الصراعات الإقليمية، من شأنهما أن يخففا من حدة الأزمة السياسية والاقتصادية ويساعدان على تأمين الاستقرار النقدي.

ايراديان يتوقع في تقريره أن يبلغ النمو الحقيقي 2.2 في المئة في 2017 بارتفاع من 1.8 في المئة عام 2016، مدفوعاً بصادرات صافية من السلع والخدمات. كما يتوقع أن يساهم تحسن العلاقات مع المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة مع تفعيل عمل الحكومة والاستقرار السياسي، تدريجياً في استعادة الاستثمار وفرص التصدير. وإذا تم ذلك، فهو يتوقع أن يرتفع النمو إلى 3.1 في المئة عام 2018. وفي المدى المتوسط، يمكن أن تُساهم البيئة السياسية المستقرة والإصلاحات الهيكلية في زيادة النمو المحتمل من 3.5 في المئة في السنوات الأخيرة إلى 5 في المئة بحلول عام 2020، وفي خفض دين الدولة إلى مستويات أكثر استدامة. وهذا من شأنه أن ينعكس في زيادة الثقة لدى المستثمرين – بما في ذلك الاستثمار الأجنبي المباشر – وفي الاستثمار العام من أجل معالجة الاختناقات في الهياكل الأساسية.

هذا، وقد زادت الضغوط التضخمية في الأشهر الأخيرة بسبب ارتفاع الأسعار العالمية للسلع الأساسية وانحسار سعر صرف الدولار مقابل اليورو، ما أدى إلى زيادة كبيرة في أسعار الواردات. كما ساهمت زيادة الأجور في القطاع العام أيضاً في ارتفاع الأسعار من 1.1 في المئة في تشرين الأول 2016 الى 4.7 في المئة في تشرين الأول 2017. ويتوقع معهد التمويل استمرار الضغوط التضخمية مع ارتفاع معدل التضخم من 4.5 في المئة في 2017 إلى 4.7 في المئة في 2018.

يصف التقرير الإجراءات النقدية المتبعة بأنها «مناسبة»، لكنه يقول إنها ينبغي أن تظل ضيقة من أجل إعادة تخفيف الضغوط التضخمية، ودعم ربط العملة، وضمان التدفق المناسب للودائع غير المقيمة. ويتوقع ارتفاع معدلات الفائدة في لبنان في العام 2018، خصوصاً في حال استمرت الضغوط التضخمية، وذلك مع احتمال رفع مجلس الاحتیاطي الفیدرالي سعر الفائدة السیاسي إلی 50 نقطة أساس العام المقبل. علماً أن سعر الفائدة المرجعي في بيروت بالليرة ارتفع مؤخراً من 8.65 في المئة إلى 10.65 في المئة، في حين بقي سعر الفائدة على الدولار عند 6.83 في المئة.

لكنه لا يبدي قلقاً على جذب الودائع غير المقيمة باعتبار أن الهامش الحالي بين أسعار الفائدة في لبنان و«الليبور» واسع بما فيه الكفاية من أجل جذبها، ولا سيما من الاغتراب اللبناني. وهو يرى أن عودة الرئيس سعد الحريري عن استقالته والاتفاق الشامل على «النأي بالنفس» من شأنهما أن يوجها إشارة إيجابية للمستثمرين الأجانب ويؤديان إلى تسارع نمو الودائع.

ويدعم المعهد الليرة وسياسة الربط، إذ يقول أن الثقة بالليرة «ستبقى قوية»، وستستمر سياسة الربط بالدولار مدعومة باحتياطات وفيرة بالعملات، بنحو 42 مليار دولار إضافة إلى الذهب المقوّم بـ12 مليار دولار. كما يعتبر الحفاظ على سياسة الربط أمر أساسي وذلك بسبب التزامات خدمة الدين بالعملات الأجنبية، والفرق الكبير بين ما تبيعه المؤسسات (بالعملة الأجنبية) وبين ما يكسبه المواطنون بالعملة المحلية مع الدولرة المرتفعة.

وكغيره من المؤسسات والمعاهد المالية الدولية، ينوه معهد التمويل الدولي بالنظام المصرفي اللبناني الذي يبقى «بفضل الإدارة الحكيمة والتشريع المحافظ، سليماً». وهو يرى أن التزام المودعين بلبنان سيظل قوياً مدفوعاً بثقة عميقة بالنظام المالي وباستقرار سعر الصرف.

ويشير إلى أن مخاطر التمويل «لا تزال منخفضة حيث أن المصارف اللبنانية لديها واحدة من أدنى نسب القروض إلى الودائع بين الاقتصادات الناشئة. ويعود ذلك جزئياً إلى سياسات الإقراض المتأنية للمصارف والاعتماد على الاغتراب اللبناني كمصدر رئيسي للودائع».

يرى التقرير ومعده، أن الحيز المالي (fiscal space) محدود بسبب ارتفاع تكلفة خدمة الدين والفاتورة الكبير للرواتب في العام 2018، واللذين سيشكلان مجتمعين 67 في المئة من الإنفاق العام. وهو يتوقع «فائضاً أولياً بنسبة 1.7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، ما سيساعد على خفض نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي من 150 في المئة في عام 2016 إلى 148 في المئة عام 2017. لكنه يتوقع أن يرتفع العجز إلى الناتج المحلي في 2018 الى 8.8 في المئة، وأن يبقى كذلك الدين إلى الناتج عند حد 146 في المئة العام المقبل بسبب الزيادة في فاتورة الأجور (16 في المئة) وفي نفقات أخرى بسبب الانتخابات النيابية في أيار المقبل.

وسيتطلب الخروج من عبء الدين، إجراء إصلاحات هيكلية لخفض العجز بشكل كبير على أساس مستدام. وينبغي زيادة نسبة الإيرادات الضريبية إلى الناتج المحلي الإجمالي، واعتماد المزيد من التصحيح المالي على عناصر مستدامة بما في ذلك: زيادة الامتثال الضريبي، رفع ضرائب البنزين، إصلاح قطاع الكهرباء للحد من التحويلات إلى مؤسسة كهرباء لبنان، بيع أصول الدولة المتعثرة (مثل حيازات العقارات)، إصلاح نظام المعاش التقاعدي لتصحيح الاختلالات التي تلوح في الأفق في النظام.

كما أن الإيرادات الضريبية إلى الناتج المحلي الإجمالي في لبنان لا تزال متدنية مقارنة مع دول الجوار.

ويتوقع معهد التمويل الدولي أن يسجل العجز في الحساب الجاري تراجعاً إلى الناتج المحلي من 19.7 في المئة عام 2016 الى 16.4 في 2017. وهو يرد هذا التحسن أساساً إلى ركود الواردات وبعض التحسن في صادرات الخدمات. وقد تكون تدفقات التحويلات من المغتربين اللبنانيين قد انخفضت، وهو يعكس ضعف النشاط الاقتصادي في دول مجلس التعاون الخليجي في سياق ضبط أوضاع المالية العامة.

كما يتوقع أن يستمر تراجع العجز في الحساب الجاري ليصل إلى 14 في المئة عام 2020 بسبب الزيادة الكبيرة المتوقعة في صادرات السلع والخدمات. ويرى أنه، رغم هذا التحسن في الحساب الجاري، لكن تباطؤ التدفقات المالية الداخلة أدى إلى تسجيل انخفاض كبير في السنتين الماضيتين في صافي الأصول الأجنبية للنظام المصرفي (مصرف لبنان والمصارف). واستخدم مصرف لبنان عمليات مالية غير تقليدية في صيف 2016 و 2017 لتعزيز احتياطاته من النقد الأجنبي وتحسين رأسمال المصارف، لكنها لا يمكن حل احتياجات تمويل الدولة على أساس مستدام. بل إن التصحيح المالي الجدي والإصلاحات الأعمق من شأنهما أن يقللا من حاجة الحكومة إلى الاعتماد على التمويل المصرفي المحلي، وبالتالي يقللان من الحاجة إلى تدفقات مالية.

أخيراً، يرى التقرير أن لبنان يحتاج إلى تحقيق نمو بنسبة 4 في المئة على الأقل (مقارنة بمتوسط نمو قدره 1.9 في المئة في السنوات الست الماضية) لاستيعاب الوافدين الجدد إلى سوق العمل، والحد من ارتفاع معدلات البطالة، وتراجع الدين الحكومي مقارنة بالناتج المحلي الاجمالي إلى مستويات أكثر استدامة. وسيتوقف تحقيق هذا النمو المرتفع والحفاظ عليه،على الإصلاحات الهيكلية الطموحة التي تشمل تحسين بيئة الأعمال التجارية والتنافسية.

كما يرى أن رفع مستوى البنية التحتية للبلد يمكن أن يؤدي إلى زيادة النمو الاقتصادي. غير أن التحدي الذي ستواجهه الحكومة هو «إيجاد التوازن الصحيح بين الزيادة الكبيرة في النفقات الرأسمالية والحاجة إلى زيادة خفض الديون. وفي هذا الصدد، يمكن للقطاع الخاص أن يلعب دوراً أكبر في الاستثمار في البنى التحتية وفي تقديم الخدمات العامة من خلال الشراكة مع القطاع العام».