IMLebanon

هل يعيد “اليمن” لبنان إلى… عنق الزجاجة؟

كتبت ليندا عازار في صحيفة “الراي” الكويتية:

لم يتطلّب الأمر أكثر من أسبوعيْن لـ «تتجاوز» الأحداثُ الكبرى في الإقليم تفاهُم نأي الحكومة اللبنانية بكل مكوّناتها السياسية عن أزمات المنطقة وصراعاتها وعن التدخل في شؤون الدول العربية الذي شكّل الأرضية المشتركة لتراجُع رئيس الحكومة سعد الحريري عن استقالته – الصاعقة وذلك على قاعدة تَفهُّمٍ داخلي لحاجته كما لبنان إلى «جرعة تهدئة» لـ «الغضبة» السعودية كما العربية المتنامية على أدوار «حزب الله» خلْف خطوط «أمنها القومي»، كما على قاعدة رعايةٍ خارجية لهذا المَخْرج وُضعتْ معها البلاد «تحت المراقبة» لمدى الالتزام بـ «بروتوكول النأي بالنفس».

وجاء دخول ملف اليمن، الذي شكّل خلفية رئيسية في أزمةِ الاستقالة، منعطفاً هو الأخطر مع اعتبار الحوثيين الصاروخ الذي أُطلق على الرياض أول من أمس «افتتاحاً لمرحلة جديدة من المواجهة مع السعودية»، ليضع النسخة الجديدة من التسوية السياسية في لبنان أمام مفْترق طرقٍ، لن تتداعى معه «الهدنة» المُجدَّدة ولكنه سيُسقِط بالتأكيد «القِناع» الذي لم يُقْنع في الأصْل كثيرين، عن «قرار النأي بالنفس» والقدرة على تطبيقه بمعنى الانسحاب من أزمات المنطقة واحتواء البُعد الخارجي لـ «حزب الله» الذي لا يفْصل أساساً بين أدواره في الداخل و«حيث يجب ان نكون».

ولاحظتْ أوساطٌ مطلعة في بيروت أن بيان الإدانة الشديدة الذي أَصْدره الرئيس الحريري (أول من أمس) لـ «البالستي» على الرياض واعتباره ان «تكرار استهداف الأراضي السعودية بالاعتداءات الصاروخية من الأراضي اليمنية لا يهدّد أمن المملكة وسلامة شعبها فحسب، وإنما يعرّض المنطقة لمخاطر جسيمة ويفاقم حالات الانقسام والنزاع القائمة»، مشدداً «على وجوب الإقلاع عن هذه الأساليب العدوانية والابتعاد عن سياسات تأجيج الصراعات وسلوك طريق الحوار لحلّ المشكلات المستعصية»، اعتُبر من «حزب الله» الخرق الأول لتفاهُم «النأي بالنفس»، ولا سيما انه أُعقب بموقفٍ مندّد لكتلة «المستقبل» رأى «أن هــذا العمــل العدوانــي هــو انتهــاك صــارخ للقوانيــن الدوليــة والمواثيــق العربية».

إلا أن هذه الأوساط اعتبرتْ ان استعادة الاصطفاف الداخلي انطلاقاً من ملف اليمن ولا سيما بعد البيان العنيف من «حزب الله» الذي عاد فيه، بعد فترة «مراعاةٍ»، الى مهاجمة السعودية بالاسم، يَعكس بالدرجة الأولى ان انفتاح المواجهة الإيرانية – السعودية في اليمن بالتزامن مع مناخ دولي تصاعُدي في تَشدُّده ضدّ طهران ولا سيما على خلفية دورها في دعْم الحوثيين، سيجعل «وعاء» النأي بالنفس أصغر بكثير من ان يَحْتَمل مَلامح انتقال «حرب النفوذ والأدوار» الى مرحلة «وبعدي الطوفان».

وإذ توقّفتْ الأوساط نفسها في هذا السياق عند تَقاطُع الإعلام القريب من «حزب الله» في بيروت على اختصار «الوضع الجديد» في اليمن بمعادلة «الرياض مقابل صنعاء»، رأتْ أن هذا مؤشرٌ على أنّ «وهج» المواجهة التي تشتدّ بين إيران والسعودية سيُرخي بثقله على الوضع اللبناني الذي يخضع لمعاينة خارجية عن كثب عبّرتْ عن نفسها في الساعات الماضية بتطوريْن:

* الأول ترحيب مجلس الأمن الدولي بعودة الرئيس الحريري الى لبنان وقراره إكمال ولايته، والثناء على اجتماع المجموعة الدولية لدعم لبنان الذي عقد في باريس والإعلان المشترك الذي صدر عنه.

وإذ أشار مجلس الأمن في بيان له الى الجهود التي سبقت الاجتماع الدولي والتي أفضت الى بيان «النأي بالنفس» الصادر عن الحكومة في الخامس من الجاري، جدّد «تأكيده الدعم القوي لاستقرار لبنان وسيادته وأمنه واستقلاله السياسي ووحدة الاراضي اللبنانية بما يتوافق مع قرارات مجلس الامن 1701 و1680 و1559 والقرارات الدولية ذات الصلة»، مشدداً على «الحاجة لحماية لبنان من الأزمات التي تزعزع استقرار الشرق الاوسط»، وداعياً الدول والمنظمات الاقليمية الى «العمل على تأمين استقرار لبنان وأمنه مع الاحترام الكامل لسيادته ووحدته».

كما طالب «الأحزاب اللبنانية بتطبيق سياسة ملموسة للنأي بالنفس عن الصراعات الخارجية واعتباره اولوية مهمة، كما تم التعبير عنه في بيانات سابقة لا سيما إعلان بعبدا عام 2012»، معرباً عن «دعمه الجهود المبذولة من السلطات في لبنان لإعادة تسيير عمل المؤسسات والتحضير للانتخابات النيابية في مايو المقبل».

* والثاني تأكيد منسقة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني خلال المحادثات التي أجرتْها في بيروت مع كبار المسؤولين على مؤتمرات الدعم الثلاثة المزمع عقدها لمساعدة لبنان، سواء في «روما – 2» لتسليح الجيش للبناني، أو «باريس – 4» لتعزيز الاستثمارات الاقتصادية، أو «بروكسيل – 2» لتخفيف عبء النزوح السوري عنه، معربة عن أملها في أن «تطبق الجهات اللبنانية كافة سياسة النأي بالنفس»، وداعية الجميع إلى «احترام لبنان واستقراره وسيادته ووحدته».

ويأتي طغيان الهمّ الخارجي مجدداً، فيما روزنامة «اليوميات اللبنانية» مشدودة الى ملامح أزمة على خط رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس البرلمان نبيه بري، شريك «حزب الله» في الثنائية الشيعية، على خلفية توقيع عون والحريري مرسوم إعطاء سنة أقدمية للضباط الذين تخرجوا برتبة ملازم في المدرسة الحربية في دورة 1994 من دون ان يقترن المرسوم بتوقيع وزير المال (الشيعي).

وبعدما طلب الحريري التريث في نشر المرسوم في محاولة لترك الباب مفتوحاً أمام اتصالات لتفادي «انفجار» المشكلة بين عون، الذي يصرّ على صدور المرسوم ويعتبر ان عدم توقيع وزير المال لا يشكل مخالفة دستورية، وبين بري الذي يرى في ذلك «ضرْبا للميثاقية»، بدا ان الحركة التي اضطلع بها المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم لاحتواء الأزمة التي بدأت تشي بمضاعفات طائفية وسياسية نجحتْ في نقل هذا الملف الى «الكوْلسة»، بدليل ما نُقل عن رئيس البرلمان امس من أنه «رغم أهمية موضوع مرسوم الضباط البالغة، فإنّه لا يريد أن يضيف أي كلمة حوله، ويترك لرئيس الجمهورية معالجة الموضوع».