IMLebanon

فتح.. الانفتاح على إيران دون خسارة العرب؟

كتب محمود زكي في صحيفة “العرب” اللندنية:

كشف الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصرالله عن استقباله في الفترة الأخيرة وفودا من معظم الفصائل الفلسطينية، كان آخرها وفد عن حركة فتح برئاسة عزام الأحمد المشرف على ملف المصالحة الفلسطينية، لتعزيز التنسيق بين ما وصفه بـ”حركات المقاومة” لمواجهة التحديات التي تتربص بالمنطقة وتحديدا ما “يحضر للقضية الفلسطينية”، حسب تعبيره.

وأثار ما كشف عنه نصرالله الذي يطلق عليه البعض لقب الناطق الرسمي باسم ما يسمى “محور الممانعة” بخصوص لقائه مع الوفد الفتحاوي الكثير من التساؤلات لجهة أن حركة فتح لطالما كانت حريصة على الإبقاء على مسافة مع إيران وأذرعها، بالنظر لحساسية التعاون معها في ظل تورطها في العديد من الملفات على غرار سوريا واليمن وقبلهما العراق.

ومعلوم أن النظام الإيراني القائم، على غرار تركيا، يتخذ من دعم القضية الفلسطينية شعارا لتمرير أجندته التي تستهدف الهيمنة على المنطقة، وإن “هرولة” الفصائل والحركات الفلسطينية وبينها فتح، لن تحقق، وفق محللين، سوى المزيد من التدخلات الإيرانية في شأن المنطقة دون أن يكون لها أدنى تأثير إيجابي فعلي على حل القضية الفلسطينية.

وأكد نصرالله في حوار تلفزيوني مساء الأربعاء أن هناك تماهيا في المواقف بين حزب الله ومن خلفه إيران وبين فتح بشأن القضية الفلسطينية خاصة عقب إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب القدس عاصمة لإسرائيل، حتى أنه شدد على أن فتح التي سلكت خلال السنوات الماضية دربا مختلفا عن باقي الفصائل باتت من الداعمين لخيار الانتفاضة وأنه يجري اليوم الاستعداد لزيادة زخمها في الداخل الفلسطيني وفي الخارج.

ورغم أن الأمين العام لحزب الله نفى أن تكون فتح قد طلبت خلال هذا اللقاء دعما ماليا من طهران في ظل تلويح واشنطن بقطع المساعدات، إلا أن الحركة تبدي بالواضح انفتاحا على الأخيرة، في محاولة لتوسيع مروحة خياراتها في ظل التحولات والمتغيرات التي تمر بها القضية الفلسطينية.

ويرى متابعون أن ما كشف عنه نصرالله يعكس حجم الأزمة التي تعيشها فتح والسلطة الفلسطينية عموما، والتي تدفعهما لتبني خيارات سياسية يمكن وصفها بـ”الانتحارية”، لجهة أنها قد تعني ضرب علاقتهما بمحيطهما العربي.

 

ويسجل اليوم سباق بين الفصائل الفلسطينية على الانفتاح على إيران، التي تعيش على وقع احتجاجات شعبية تطالب بوقف التدخلات الخارجية والتركيز على الوضع الاقتصادي الداخلي.

وتوالت تصريحات لقيادات بارزة في حركة حماس مغازلة هي الأخرى لإيران، وآخرها تصريحات نائب رئيس الحركة صالح العاروري، الذي ترأس قبل أيام وفدا للقاء نصرالله، قال فيها إن طهران مستعدة لتقديم الدعم للمقاومة، معتبرا موقفها من قضية الشعب الفلسطيني “ثابتا وذا سقف عال”.

وكان يحيى السنوار رئيس حماس بقطاع غزة اعترف قبل أيام بأن قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني اللواء قاسم سليماني “تواصل مع كتائب القسام وسرايا القدس وأكد وقوف إيران والحرس الثوري بكل ما يملكان إلى جانب المقاومة الفلسطينية”.

ورغم التناحر الذي يجمع بين فتح وحماس وتسبب في عرقلة مسار المصالحة بينهما التي ترعاها مصر، لكنهما اتفقتا على ما يبدو على دور إيران في دعم القضية الفلسطينية، مع السعي إلى عدم خسارة مصر وحلفائها، وهي معادلة صعبة التحقق.

ومع صعود ملامح التحالف الجديد بين قطر وإيران وتركيا، وظهور ثماره عبر تحركات تقوم بها كل من أنقرة والدوحة في السودان وبعض الدول الأفريقية، عادت فتح وحماس لمغازلة الحلف الجديد كل بطريقته، لاقتناص مصدر مادي ومعنوي يدعم موقف كل منهما.

وبرأي البعض أن التغيرات السريعة في مواقف كل من حماس وفتح، يعود جزء كبير منها إلى عدم الثقة في التحالفات التقليدية، وبالتالي كل طرف بحاجة إلى داعمين يستطيع الاستناد عليهم عند الضرورة لعدم انكشاف ظهره على جهة واحدة، ومحاولات تكتيل التحالفات، بغض النظر عن تناقضها، تأتي في سياق الحفاظ على مصادر متعددة للدعم، إذا سقط أحدها تكون هناك بدائل أخرى.

ورغم إعادة حماس قنوات الاتصال مع إيران علانية، غير أنها مازالت تنتهج أسلوبها “البرغماتي” للإبقاء على فرصها مطروحة مع جهات كثيرة، فهي تظهر حرصا على الحفاظ على علاقتها مع مصر، وتحاول أن تبدو كمن يتجنب تحمل مسؤولية الأزمة المشتعلة وفشل المصالحة، وهو الوضع القائم أيضا داخل حركة فتح، ولكن بدرجة أقل.

وتعكس تصريحات المسؤولين الفلسطينيين التوجه الذي تتبناه الفصائل رغبة في الحفاظ على كافة الأوراق السياسية، والإبقاء على مسافة واحدة مع قوى مختلفة.

وقال أحمد زهران الأكاديمي المصري والخبير في الشؤون الإقليمية لـ”العرب”، “القرار الأميركي وإعلان الرئيس محمود عباس أن الولايات المتحدة أصبحت طرفا غير محايد، أعاد مباحثات السلام إلى المربع صفر، ودفع كلا من حماس وفتح إلى ضخ دماء جديدة في عروق علاقتهما مع طهران، التي تتعالى اليوم الأصوات داخلها رفضا لاستمرار استنزاف الموارد لفائدة قوى وجماعات خارجية بينها الفصائل الفلسطينية”.

ورغم رفض شريحة كبيرة من الإيرانيين دعم إيران للحكومة السورية وحزب الله في لبنان والفصائل الفلسطينية، بيد أن النخب الإيرانية في معظمها تتعاطى مع المسألة من منطلق أيديولوجي، فهي لا ترى غضاضة في دعم دمشق وحزب الله، فيما لا تفضل تقديم المساعدة ذاتها لفتح وحماس لأنهما لا يمثلان حليفا استراتيجيا موثوقا فيه، بسبب الخلافات الفكرية والمذهبية بين الطرفين.

وحمل البعض هذا السبب مسؤولية المد والجزر المستمر في العلاقة بين الفصائل الفلسطينية وإيران، فكل طرف يرى علاقته بالآخر مجرد توافق في الأهداف.

وبعد تصاعد التظاهرات في إيران، واحتمال مواجهة النظام للمزيد من الضغوط الداخلية والخارجية، متوقع أن تتمهل الفصائل الفلسطينية مستقبلا في ميلها نحو محور إيران- تركيا- قطر، وتتريث أكثر في عدم ابتعادها عن المحور العربي المقابل، وإن كانت هذه المسألة تبقى رهينة تطورات الأحداث في الداخل الإيراني.

وقال أحمد فؤاد أنور الخبير في الشؤون الفلسطينية لـ”العرب”، “إن ظروف إيران الحالية لن تسمح لها بدعم تيار المقاومة الفلسطينية، أو حتى التجارة فيها، فهي تتعرض لأزمات هيكلية يمكن أن تعصف بها، وبالتالي سوف يظل الرهان على طهران محفوفا بالمخاطر”.