IMLebanon

“أزمة المرسوم” المستعصية تُرحّل إلى ما بعد الانتخابات  

كتبت صحيفة “ألأنباء” الكويتية:

ليس من مؤشرات الى وجود حل أو تسوية لأزمة مرسوم منح أقدمية لضباط دورة العام 1994 التي تسمى «دورة عون»، وحتى ان «الوسطاء» انكفأوا بعدما لمسوا انسداد أفق التسويات والمخارج مع تمسك رئيسي الجمهورية والمجلس بموقفيهما، لا بل الاتجاه الى مزيد من التصعيد مع خروج الخلاف عن إطاره القانوني الدستوري، ليصبح خلافا سياسيا ميثاقيا.

وسلكت الأزمة خطا تصاعديا نتيجة:

1 – توقيف مرسوم ترقية الضباط في الجيش اللبناني من جانب وزير المال علي حسن خليل، على خلفية تضمين المرسوم عددا من أسماء الضباط الذين وردت أسماؤهم في مرسوم الأقدمية.

2 – إصرار كل من الرئيسين ميشال عون ونبيه بري على موقفه من مسألة المرسوم، فرئيس الجمهورية يكرر أن المرسوم أصبح نافذا بعد توقيعه منه ومن جانب الرئيس سعد الحريري، بينما يصر رئيس المجلس على إعادة المرسوم حتى يذيل بتوقيع وزير المال، على الرغم من أن الرئيس بري أوحى بأنه تقدم الى منتصف الطريق من خلال قبوله المرسوم شرط توقيعه من جانب وزير المال.

3 – إقدام بري على تكبير حجم الخلاف ليندفع الى منحى ميثاقي بدا أكثر تعقيدا، ويتخطى كونه خلافا على تنفيذ آلية دستورية مرتبطة بتوقيع وزير المال، بعدما ألمح بري إلى أن الخلاف له علاقة باتفاق الطائف. وقال أمام زواره إنه لن يتراجع عن هذا الموقف «لأنه موضوع دستوري وميثاقي، وله علاقة باتفاق الطائف.

فوجئت بعبدا بموقف بري ورفعه السقف السياسي، وصولا الى اتهام الرئيس عون باستهداف اتفاق الطائف.

وقالت إن المسألة أعطيت حجما أكبر من حجمها، وليس صحيحا أن في الموقف الرئاسي مقدمة لإعادة البحث في الطائف، وإلا لكانت لدى رئيس الجمهورية وسائل أخرى كثيرة لبلوغ مثل هذا الهدف غير الموجود أصلا، كاقتراحه مثلا تعديلات دستورية هي من صلاحياته.

 

أما إذا كان الهدف لدى البعض وما يسعون إليه هو تكريس التوقيع الثالث وإعادة النظر في الطائف، فهذا الأمر بالنسبة الى عون غير وارد، وليس من ضمن أولوياته إعادة النظر في الطائف.

باختصار، تأخذ الأزمة في تعقيداتها بعدين، الأول قانوني عملي والثاني سياسي ميثاقي:

٭ من جهة يعتبر رئيس الجمهورية أن نفاذ المرسوم بات من الماضي، بينما رئيس المجلس يرى أنه لا أصل لوجود المرسوم كونه باطلا لعدم اقترانه بتوقيع وزير المال.

قيادة الجيش عالقة بين حقوق عسكرييها ونزاعات سياسية غالبا ما دفعت أثمانها أو أرغمت عليها، ومرسوم الترقيات منذ مطلع السنة معلق هو الآخر، ولا يوقعه وزير المال ما لم يشطب منه الضباط المستفيدون من مرسوم الأقدمية، وحفظت وزارة الدفاع وقيادة الجيش من خلال جدول القيد حقوق الجميع في الترقية، بيد أنه لا مرسوم ترقيات حتى إشعار آخر ما لم يمهره الوزير المختص الذي هو وزير المال.

٭ من جهة ثانية، تبدو المسألة ليست مسألة مرسوم وأقدميات وترقيات، وإنما معركة صلاحيات فتحت على مداها بين عون وبري.

وكل من الرئيسين يحاول التمسك ببعض الإجراءات وتثبيتها، على أمل أن تتحول الى أعراف تتمتع بقوة الدستور.

وبالتالي، مرسوم الضباط يتجاوز الشكليات الى عمق مشكلة صلاحيات الرؤساء وتوزيع مهمات الحكم، يضاف إليها العلاقة الدقيقة بين الرئيسين عون وبري، خصوصا أن عون وصل الى قصر بعبدا بعكس إرادة ورغبة بري، وهو سارع الى تمكين تحالفه مع الرئيس الحريري فيما بدا وكأنها محاولة لفرض ثنائية على مستوى السلطة التنفيذية، الأمر الذي دفع بري الى التمسك أكثر فأكثر بمسألة توقيع وزير المال على المراسيم الموقعة من قبل رئيسي الجمهورية والحكومة.

وإذا كان رئيس الجمهورية يعتبر أن ما فعله ينسجم مع الدستور والقانون، فإنه يستشعر أن الهدف من اعتراض بري على المرسوم هو توجيه رسائل سياسية مشفرة إليه، أبرزها أنه منزعج من الرئيس القوي، ولا يستسيغ الشراكة الواسعة بين رئيسي الجمهورية والحكومة، والتي تعززت بعد الدور الذي أداه عون في معركة استقالة الحريري.

مصادر مطلعة ترجح، مع انسداد أفق التسوية وعدم توافر حل وسط وتمسك بري وعون بموقفيهما، وضع أزمة المرسوم جانبا لتظل الحكومة في مأمن ومنأى عن تداعياتها ولكن من دون ضمان ألا يصيب الحكومة شيء من التباطؤ والتثاقل في «الطاقة الإنتاجية». ولكن التداعيات الأبرز ستكون في الانتخابات النيابية وعلى صعيد التحالفات والمسارات. وعلى الأرجح فإن أزمة المرسوم أصبحت في حكم المجمدة والعالقة وجرى ترحيلها الى ما بعد الانتخابات النيابية عندما تطرح في معرض تشكيل الحكومة الجديدة مسألة وزارة المال ومن يتولاها وهويتها الطائفية والسياسية.

فإذا كان الرئيس بري يريد حكما تثبيت وزارة المال للطائفة الشيعية ولحركة «أمل» وللوزير علي حسن خليل تحديدا، فإن الرئيس عون، وإذا صح أنه مع تكريس وزارة المال للشيعة، فإنه ليس مع إبقائها في يد الوزير علي حسن خليل ويفضل أن تؤول الى حزب الله أو الى من يسميه من الطائفة الشيعية التي تزخر بالطاقات والكفاءات.