IMLebanon

‘شورى الدولة’ يوقف خصخصة “الفايبر أوبتيك”

كتب محمد وهبة في صحيفة “الأخبار”:

أصدرت الهيئة الحاكمة في مجلس شورى الدولة قرارين إعداديين يقضيان بوقف تنفيذ قراري وزير الاتصالات جمال الجراح 365/1 و395/1 اللذين يرخّصان لشركتي GDS وWaves استعمال المسالك الهاتفية لتمديد ألياف بصرية وتركيب أجهزة ومعدات مقابل حصّة 20% للوزارة من فواتير المشتركين لدى GDS و40% من الفواتير لدى Waves.

قرار الهيئة الحاكمة برئاسة رئيس المجلس هنري الخوري وعضوية المستشارين ريتا كرم وكارمن عطاالله بدوي، صدر بالإجماع «بعد الاطلاع على ملف المراجعة والمستندات المرفقة وعلى تقرير المستشار المقرّر ومطالعة مفوّض الحكومة». وخلص إلى أن «شروط وقف التنفيذ متوافرة في المراجعة بحالتها الحاضرة»، وأن هذه الشروط محدّدة في المادة 77 من قانون تنظيم مجلس شورى الدولة التي تنصّ على أنّ «لمجلس شورى الدولة تقرير وقف التنفيذ بناءً على طلب صريح من المستدعي إذا تبيّن من ملف الدعوى أن التنفيذ قد يلحق بالمستدعي ضرراً بليغاً وأن المراجعة ترتكز على أسباب جديّة مهمّة».

الإقرار بوجود أسباب جديّة ومهمة وضرر لحق بالجهة المدّعية، يحمي من اغتصاب الأملاك العامة والحقوق العامة بواسطة سوء استعمال السلطة، وهو يشجّع المواطنين على المشاركة في حمايتها؛ فالقرار يعترف بصفة الجهة المدّعية لتقديم طعن يتعلق بهدر المال العام وبمخالفات دستورية وقانونية، رغم أن محامي وزير الاتصالات والشركات، زعموا أن الدفاع عن مبدأ الشرعية والمصلحة العامة لا يكفي لتوافر شروط قبول الطعن «وإنما يجب أن يؤدّي طلب الإبطال إلى تحقيق مصلحة خاصة وشخصية»، لذا اعتبر المدعى عليه أنه ليست هناك صفة أو مصلحة لكل من الاتحاد العمالي العام ونقابة عمال المواصلات السلكية واللاسلكية الدولية في لبنان، بوصفهما «نقابات»، ولا تعطي صفة «المواطن» الحق لكل من المحامي علي كمال عباس وموسى حمية في تقديم هذا الطعن (المراجعة).

إسقاط الهيئة الحاكمة في مجلس الشورى محاولات الترويج لمفاهيم خطيرة على الانتظام العام، جاء في الملف لجهة المخالفات الدستورية والقانونية، وأبرزها إساءة استعمال وزارة الاتصالات للسلطة عبر منح امتيازات تتيح للشركات استغلال مورد من موارد ثروة البلد، فضلاً عن وجود خصخصة مبطّنة لتحويل ملكية مشروع عام أو إدارته إلى القطاع الخاص، بالإضافة إلى سلسلة كبيرة من المخالفات لقوانين الاتصالات والعقود مع أوجيرو وسواها.

وبحسب المحامي عبّاس، الذي يمثّل الجهة المدّعية، فإن صدور القرار الإعدادي هو «تجميد نهائي لقرار الوزير لحين البت بالمراجعة أمام مجلس شورى الدولة. ورغم تعرّض المجلس لضغوط كثيرة أصدر هذا القرار الإعدادي متراجعاً عن قرار سابق (صدر عن غرفة أخرى في المجلس) وقضى بردّ طلب وقف التنفيذ. هذه من المرات النادرة التي يقوم بها المجلس بعمل من هذا النوع، علماً بأنه ذكر ردّ الشركتين على المراجعة ولم يأخذ فيهما». ويشير عباس إلى أن «وقف التنفيذ يعني أن هناك ضرراً منه، وبالتالي لم يعد يحق لشركتي «جي دي اس» و«ويفز» العمل وبات كل ما يقومان به باطلاً وبمثابة وضع يد على الإدارة».

القرار يعترف بصفة الجهة المدّعية لتقديم طعن يتعلق بهدر المال العام وبمخالفات دستورية وقانونية

وفي أول ردّ فعل له على قرار الهيئة الحاكمة في مجلس الشورى، أعلن وزير الاتصالات جمال الجراح أنه ملتزم القرار الإعدادي لحين صدور قرار نهائي، وأنه سيطلب من الشركتين وقف التنفيذ حتى صدور القرار النهائي لمجلس الشورى الدولة. أما رئيس مجلس إدارة شركة GDS حبيب طربيه، فعلّق بـ«أننا نحترم قرارات القضاء، وبناءً عليه سنوقف التنفيذ في انتظار صدور قرار نهائي يبت الملف بالأساس، علماً بأننا نعتبر أنفسنا أصحاب حقّ ونجزم بأن القضاء سينصفنا، وأن الظلم الذي لحق بنا بسبب الحملات التي حاولت إصابتنا لن يستمر». ولفت طربيه إلى أن المشروع الذي كانت تنفّذه الشركة بناءً على قرار وزير الاتصالات رقم 365/1 القاضي بتنفيذ المرسوم 4328/2000 «بدأ من خلال تلزيمنا مشروعاً تجريبياً، وقد باشرت الشركة بتنفيذ الشبكة منذ 31/8/2017، وجرى وصل 138 مبنى بمركز الحمرا للاتصالات و149 مبنى بمركز الأشرفية للاتصالات، لكن ليس لدينا مشكلة في وقف التنفيذ بناءً على القرار القضائي، رغم أن المشروع سيتأخّر لفترة، وهو أمر لا يضرّ، لأن هذا المشروع مدته 10 سنوات، وإذا تطلّب تنفيذه تأخيراً لمدة شهرين فلن تقع كارثة».

في المقابل، فإن «أوجيرو» التي حصلت على مشروع تجريبي في بيروت مثلها مثل شركتي GDS وwaves، يمكنها إذا توافر القرار السياسي في وزارة الاتصالات، أن تبدأ تنفيذ مدّ شبكة الألياف البصرية اعتباراً من صباح اليوم. وهذا المشروع، بحسب المطلعين، لا يتطلب إنجازه أكثر من 18 شهراً في بيروت والمدن الكبرى، علماً بأن التمويل متوافر للهيئة عبر قانون برنامج وافق عليه مجلس النواب في موازنة 2017 يتضمن تخصيص 350 مليار ليرة على ثلاث سنوات لمدّ شبكة الألياف البصرية.

اللافت أن قرار الهيئة الحاكمة في مجلس شورى الدولة جاء بعد سلسلة قرارات إعدادية تتعلق بالملف نفسه. إذ إن الطعن الأول المقدم من الجهة المدعية، كان قيد الدرس إلى أن استقال الرئيس شكري صادر من المجلس وعُيِّن هنري الخوري بدلاً منه، لكن في الفترة الانتقالية، وبنحو مفاجئ، عيّن القاضي يوسف نصر في الغرفة الأولى التي كانت تتولى دراسة الملف وأصدر قراراً إعدادياً بتاريخ 6/9/2017 رقم 408 يقضي بردّ طلب وقف التنفيذ لجهة إبطال القرار 365/1 المتعلق بشركة GDS فقط.

لكن الجهة المدعية كرّرت طلبها في 31/10/2017 بالاستناد إلى ظهور معطيات جديدة في القضية تتعلق بصدور قرار ثانٍ عن وزير الاتصالات يرخص لشركة WAVES، فصدر قرار إعدادي عن المستشارة ميراي عماطوري، يقضي بتوضيح عدّة نقاط في أساس الترخيص والعلاقة بين الوزارة وأوجيرو والشركات المقدمة للخدمات، أبرزها إمكانية تنفيذ أوجيرو لهذه الأعمال وبيان لوائح الأسعار وبيان أوضاع الشركات القانونية.

وبناءً على هذا القرار، وبعد تسلّم الخوري مهماته رئيساً للمجلس ورئيساً للغرفة الأولى، قدمت الجهة المدعية طلب رجوع عن وقف التنفيذ بناءً على المعطيات الجديدة التي أشارت إليها القاضية عماطوري في قرارها، علماً بأن هذه المعطيات تنطبق على تراخيص الشركتين، ليصدر القرار الأخير بعدما توصّل الخوري إلى تكوين قناعة راسخة بهذا الملف من خلال تأخير البت به لفترة طويلة ربطاً بضرورة استكمال الملف وأخذ آراء كل الأطراف المعنية.

 

مخالفات بالجملة للدستور والقوانين

المراجعة المقدمة من الاتحاد العمالي العام ورفاقه، أشارت إلى مخالفات الجراح للدستور والقانون، أبرزها:

ــــ مخالفة نص المادة 89 من الدستور اللبناني التي تنص على عدم جواز منح أي التزام أو امتياز لاستغلال مورد من موارد ثروة البلد الطبيعيّة أو مصلحة ذات منفعة عامّة أو أي احتكار إلّا بموجب قانون وإلى زمن محدود.

ــــ مخالفة المادة 65 من الدستور المعدلة بالقانون الدستوري الصادر في 21/9/1990 التي أناطت السلطة الإجرائية بمجلس الوزراء ووضع السياسة العامة للدولة في جميع المجالات ومشاريع القوانين والمراسيم التنظيمية واتخاذ القرارات لتطبيقها.

ــــ مخالفة المادتين 2 و8 من قانون تنظيم عمليات الخصخصة الرقم 228/2000 اللتين تلحظان أن تحويل ملكيّة المشروع العام أو إدارته إلى القطاع الخاصّ تكون بقانون ينظّم القطاع الاقتصادي المعني ويحدّد أسس التحويل والمراقبة مع تأمين عنصر المنافسة الجدية، وحماية مصالح المستهلك من حيث الأسعار وجودة السلع والخدمات، وحماية المال العام.

ــــ مخالفة المواد 18 و19 و20 و25 و27 و29 و35 و44 و45 من قانون الاتصالات الرقم 431/2002 التي تتناول وجوب تأمين مبدأ المساواة تحقيقاً للمنافسة في منح التراخيص بموجب مرسوم يتخذ في مجلس الوزراء، بعد إجراء مزايدة عامّة وفقاً لدفتر شروط تعدّه الهيئة الناظمة للاتصالات، على أنه لا يجوز لأي شخص توفير هذه الخدمات إلّا بموجب أحكام هذا القانون، وأن يمنح الترخيص لمدّة أقصاها 20 سنة.

ــــ المادة 189 من المرسوم الاشتراعي الرقم 126/1959 الذي يحصر بوزارة البريد والبرق والهاتف (وزارة الاتصالات) حقّ إنشاء شبكات المواصلات السلكيّة واللاسلكيّة وإدارتها وصيانتها واستثمارها وتأجير الاتصالات، ولا يحقّ لأيٍّ كان سواها أن يقوم بذلك إلّا بإذن خاصّ يعطى بمرسوم.

ــــ مخالفة رأي هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل رقم 143/2014 الذي يؤكد أن الترخيص لشركات خاصة باستخدام شبكات الهاتف الخلوي العائدة ملكيتها للدولة لإيصال خدمة الإنترنت وخدمة نقل المعلومات إلى المشتركين يجب أن يصدر بقرار يتخذه مجلس الوزراء بناءً على اقتراح وزير الاتصالات.

ــ مخالفة قانون المحاسبة العمومية، ولا سيما الفصل الثاني منه حول أصول عقد وتنفيذ النفقات العمومية والفصل الخامس الذي يتضمن أحكاماً خاصة بنفقات اللوازم والأشغال والخدمات، ولجهة أن المادة 120 منه تنص على أن النفقات التي تعقدها الإدارة والمقصود بها هنا هيئة أوجيرو، وليس الوزير، على أن تنفذ النفقات بواسطة صفقات تعقدها الإدارة مع الغير أو بواسطة الإدارة مباشرة أي بطريقة الأمانة، وكذلك لكونها جرت من دون أي مناقصة أو مزايدة، لا بل إنه قدم هذا الامتياز مجاناً للشركة.

سوق واسعة: استهداف 500 ألف مشترك

هناك شبه إجماع لدى المعنيين في سوق الاتصالات على أن الهدف من عملية مدّ شبكة الألياف الضوئية، ليس محصوراً بجودة الإنترنت وخدمات الداتا المرتبطة بها، بل بوجود سوق يشمل 500 ألف مشترك متاح. فمن أصل مليون خط هاتف ثابت لدى أوجيرو، هناك 300 ألف مشتركون في خدمات الإنترنت عبر الـ DSL ونحو 200 ألف مشترك لدى مقدمي الخدمات و500 ألف يحصلون على الإنترنت بواسطة شبكات غير شرعية.