IMLebanon

المستشفيات “تبتزّ” الضمان والمضمونين

كتب محمد وهبة في صحيفة “ألأخبار”:

المستشفيات التي تواصل إذلال المضمونين على أبوابها، تواصل منذ عام 2011 الاستفادة من «امتياز» منحها إياه صندوق الضمان، هو «نظام السلف المالية الشهرية». كان يفترض أن يُمنح هذا الامتياز، الذي تمتدّ مفاعيله سنة كاملة، لمرّة واحدة فقط على قاعدة «الضرورات تبيح المحظورات».

لكنه، على مدى سنوات، تحوّل قاعدة ثابتة لا تتأخّر إدارة الضمان عن اقتراح تمديدها سنة بعد أخرى، ولا يتوانى مجلس الإدارة عن إقرار التمديد. بين محظورات النظام المالي وضرورات تسيير المرفق العام، حصدت المستشفيات سيولة مالية هائلة بقيمة 3473.9 مليار ليرة، أي ما يعادل 2.3 مليار دولار، بمعدل وسطي شهري يبلغ 27 مليون دولار تتوزّع على 124 مستشفى.

بدأ العمل بنظام السلف المالية للمستشفيات في 25/8/2011.

يومها أقرّ مجلس إدارة الضمان اقتراحاً رفعه المدير العام للضمان محمد كركي، بإعطاء المستشفيات سلفاً مالية شهرية لمدة سنة واحدة. النقاش الذي دار في مجلس الإدارة تركّز على أن إقرار العمل بالسلف يخالف أنظمة الضمان المالية، لكن جرى التوافق على أن هناك ضرورة تبيح هذه المخالفة، وأنه بزوال هذه الضرورة تُلغى أي حاجة لها. إذ إن الشغور في ملاك المستخدمين في الضمان، ولا سيما ضمن الفئات التي من مهماتها القيام بأعمال تصفية المعاملات، لا يمكن معالجته سريعاً، ما يؤدي إلى تراكم معاملات الاستشفاء الخاصة بالمستشفيات واتساع المدة الزمنية لتسديد الفواتير المستحقة. كذلك كان هناك شبه إجماع في مجلس الإدارة على أن المستشفيات تتذرّع بالتأخير في دفع الفواتير المتراكمة منذ أكثر من سنة للقيام بممارسات غير أخلاقية تجاه المضمونين، فتمتنع عن استقبالهم إلا بشروط، أبرزها دفع مبالغ «برّانية» خارج إطار تغطية الضمان، أو لا تسمح بإدخالهم إلا ضمن الدرجة الأولى، ما يوجب على المريض تحمّل الفرق بين كلفة درجة الضمان وكلفة الدرجة الأولى. لذلك، ارتأى بعض أعضاء مجلس إدارة الضمان «سحب» الحجّة من يد المستشفيات ومنحها السلف المالية ريثما يُعالج الوضع الإداري في الصندوق، في مقابل التشدّد معها في استقبال المضمونين وعدم فرض مبالغ إضافية عليهم. وأوصت اللجنة الفنية في الصندوق بأن يكون نظام السلف شرطاً لالتزام المستشفيات قبول مرضى الضمان الاختياري، وربطه بانتظام تقيّد المستشفيات بأنظمة الصندوق وبالتعرفات، فيما تُمنع السلف عن المستشفيات المخالفة.

ولكن رغم هذا النقاش والتوصيات، إلا أن المشكلة التي كانت قائمة قبل نظام السلف استمرت بعد إقرارها، لا بل تفاقم الوضع أكثر. فبحسب مصادر في الصندوق، لم يكن الهدف من هذه الآلية ضرب شبكة الفساد والتواطؤ بين مجموعات معنية في الصندوق والمستشفيات، ما ترك ارتياحاً لدى هذه الشبكة التي واصلت ممارساتها السابقة بجرأة أكبر. واللافت أن هذا الأمر مشابه لما حصل يوم زاد الضمان تعرفات الأعمال الطبية، أملاً في أن يسهم ذلك في منع المستشفيات والأطباء من تدفيع المرضى مبالغ «برّانية» تبيّن أنها تصل إلى 30% من الفواتير الإجمالية بحسب دراسات كشف عنها وزير الصحة السابق محمد خليفة. لكن الوضع استمر على ما كان عليه من فرض «مبالغ برّانية» على المرضى، وأضيفت إليها «السلف» التي بدأت تستعملها المستشفيات على أنها «امتياز» لا يمكن التنازل عنه إلا في مقابل «زيادة جديدة للتعرفات».

بالطبع، كان في إمكان الضمان استعمال هذه السلف كأداة لتأنيب المستشفيات. إلا أن ذلك لم يحصل إلا في حالات نادرة، ولم يصل الأمر إلى اتخاذ قرار بوقف السلف المالية إلا مع مستشفى الجامعة الأميركية بعد تفاقم الأمور على مدى أكثر من خمس سنوات، كان المستشفى يمتنع خلالها عن استقبال مرضى الضمان إلا ضمن الدرجة الأولى بذريعة عدم وجود أماكن شاغرة في درجة الضمان. علماً أن العقد مع الضمان واضح، ويسري على كل المستشفيات، وهو يفرض على أي مستشفى متعاقد مع الضمان أن يستقبل مرضى الضمان وأن يوفّر لهم سريراً، سواء في درجة الضمان أو الدرجة الأعلى بالكلفة نفسها.

المشكلة نفسها تنسحب على مستشفيات الروم وأوتيل ديو وبقية مستشفيات بيروت وجبل لبنان الكبيرة والصغيرة. إذ إن غالبية المستشفيات كانت تمارس الابتزاز في وجه المضمونين والضمان، فتحصل على مبالغ إضافية مباشرة يدفعها المريض المضمون وتحصل في الوقت نفسه على سلف شهرية من الصندوق.

الأسوأ من ذلك كلّه أن نظام السلف لم يعد الاستثناء على القاعدة، بل أصبح القاعدة في حدّ ذاتها. فهذا النظام الذي أقر «لمرة واحدة» يجدّد سنوياً منذ 2011، ما أتاح للمستشفيات الاستفادة من سيولة ضخمة يمدّها بها الصندوق على جرعات شهرية. مجموع ما حصلت عليه المستشفيات من سلف مالية بين 2011 و30/11/2017 بلغ 3473.9 مليار ليرة أي ما يعادل 2.3 مليار دولار. وبلغت حصّة المستشفيات من هذه المبالغ 2869 مليار ليرة وحصّة الأطباء 604 مليارات ليرة.