IMLebanon

لبنانيو ابيدجان… “خائفون”!

كتبت دوللي بشعلاني في صحيفة “الديار”:

لا يبشّر التراشق الكلامي بين وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل، ووزير المال علي حسن خليل خلال المؤتمر الصحافي لكلّ منهما الذي عُقد يوم الجمعة المنصرم، لا بالخير، ولا بأنّ الأمور بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، ورئيس مجلس النوّاب نبيه برّي أو بين «التيّار الوطني الحرّ» و«حركة أمل»، سائرة نحو حلحلة الخلاف الذي نشأ بين الطرفين على خلفية توقيع مرسوم الأقدمية لضبّاط دورة 1994، ولا حتى بأنّه لن يتوسّع ويصل الى أبيدجان حالياً ويُهدّد «وحدة» المغتربين اللبنانيين المقيمين فيها، وربما يمتدّ الى أماكن خارجية أخرى في وقت لاحق.

وعلى أثر هذا الخلاف في الداخل اللبناني، ينقسم اللبنانيون المغتربون في أبيدجان بين رأيين: الأول من الطائفة المسيحية يؤكّد على أنّ 80 الى 85 % من المدعوين من أبناء الجالية اللبنانية سوف يحضرون مؤتمر الطاقة الاغترابية الثاني في القارة الأفريقية الذي يُعقد في فندق سوفيتل- أبيدجان يومي الجمعة والسبت المقبلين في 2 و3 شباط المقبل، والثاني، من الطائفة الشيعية يُشدّد على أنّ نسبة كبيرة سوف تلتزم بالمقاطعة. ويتوافق الموقفان حول الخشية من أن ينعكس هذا الخلاف الذي طال لأشهر بين عون وبرّي على «وحدة» اللبنانيين في ساحل العاج.

لكن أكثر ما يُثير الإعجاب أنّ طاقم سفارة لبنان في ساحل العاج الذي يرأسه القائم بالأعمال محمد خليل يقوم باستكمال مهامه لاستضافة أبيدجان (العاصمة الاقتصادية لها) مؤتمر الطاقة الاغترابي الثاني في أفريقيا، وبصبّ الجهود بهدف إنجاح المؤتمر وكأن البلبلة الطائفية، وتهديد الشيعة بمقاطعة هذا المؤتمر لإفشاله لم تصل الى مسامع القيّمين على التحضيرات داخل السفارة ولا الى الوفد الديبلوماسي الذي سافر منذ نحو أسبوعين الى الدولة العاجية من أجل مدّ يدّ المساعدة والعون للطاقم الموجود هناك.

ولم تشأ مصادر ديبلوماسية عليمة في السفارة اللبنانية في أبيدجان الخوض في مسألة مقاطعة رجال الأعمال والمصرفيين من الطائفة الشيعية، وتحديداً من المنتمين الى «حركة أمل» سياسياً، سيما أنّها تعمل، كما استشف من كلامها، على حضور كلّ اللبنانيين النافذين لهذا المؤتمر بغضّ النظر عن طائفتهم، مشيرة الى أنّ «وحدة اللبنانيين» في أبيدجان هي أكثر ما يجب التمسّك به، فضلاً عن مصلحة لبنان وجميع اللبنانيين والمغتربين والبلاد التي يقيمون فيها طبعاً. فالمطلوب اليوم وضع كلّ الغايات الأخرى جانباً وصبّ الجهود في خانة واحدة هي مصلحة لبنان دون أي مصلحة أخرى.

وبعيداً عن هذا الكلام الديبلوماسي تحدّثت عن أنّ التحضيرات جارية على مدار الساعة لتجهيز الأمور اللوجيستية وتوزيع الدعوات على رجال المال والأعمال والمعنيين بالمؤتمر، وذلك بالتعاون مع غرفة الصناعة والعمل برئاسة الدكتور جوزف خوري بهدف إنجاح المؤتمر. وتتوقّع أن يكون المؤتمر ناجحاً جدّاً على صعيد القارة الأفريقية، حتى وإن كان يصعب تقدير عدد المشاركين سلفاً، على ما أوضحت، ولكنها أبدت تفاؤلها من خلال ما يملكه المنظّمون من نيات جيّدة بعيداً عن أي عرقلة، ومن التفاعل الإيجابي للبنانيين المقيمين في أبيدجان والجوار مع الدعوات المرسلة اليهم.

وإذا كانت التقديرات تُشير الى أنّ عدد اللبنانيين المقيمين في شاطىء العاج يصل الى نحو 100 ألف مغترب وغالبيتهم من الطائفة الشيعية ومن بلدات حنوبية، يتمركزون بأكثريتهم في أبيدجان، ثمّ في سان بيدرو، وقسم آخر في العاصمة ياموسوكرو، فإنّ حضور ألف أو ألفين لبناني في أبيدجان المؤتمر، على ما يقول أحد المغتربين المقيمين فيها، يكفي لنجاحه. مع الإشارة الى أنّ اللبنانيين هنا، على ما أضاف، مسرورون لانعقاد المؤتمر في بلدهم الثاني ويقومون بالإتصالات فيما بينهم لكي لا ينغصّ أي أمر عليهم وحدتهم والتفافهم حول بعضهم بعضاً.

فالمؤتمر، بحسب الأوساط الديبلوماسية، الذي هو المؤتمر العاشر على مستوى القارات كافة، إذ سبق وأن عُقدت أربعة مؤتمرات للطاقة الاغترابية في لبنان، وأخرى في كلّ من نيويورك، ساو باولو، جوهانسبرغ، لاس فيغاس وكنكون في المكسيك، من شأنه أن يخلق فرصة للمغتربين في القارّة الأفريقية للاجتماع والتحاور ومحاولة إيجاد فرص جديدة للعمل، وخلق مجالات للاستثمار، إن كان على صعيد البلد المضيف أو البلد الأمّ.

وأكّدت أنّ الحضور سيكون فاعلاً ومهمّاً، بحسب التوقّعات، فإلى جانب الوزير باسيل، سيحضر المؤتمر وزير الاقتصاد رائد خوري، ورئيس المجلس الاقتصادي المحلي، ويضمّ كذلك رجال أعمال وفكر ومصرفيين وكبار الإعلاميين والأطباء والمهندسين. وسيجتمع كلّ هؤلاء تحت سقف واحد وسيتمّ التفكير فيما بينهم على صوت عالٍ، وهي طريقة لتعزيز الأواصر مع الوطن الأم وتشجيع اللبنانيين على العودة، والتفكير في الاستثمار في لبنان. كما أنّه من إحدى غايات المؤتمر المهمّة، على ما أشارت، مسألة التفتيش عن الملايين من المتحدّرين من أصل لبناني والمشتّتين في كلّ أنحاء العالم، وتشجيعهم بالتالي على اكتساب الجنسية واستعادة حقّ الانتخاب حيث هم، فهذه هي المرّة الأولى التي يتمّ فيها التسجيل من قبل المغتربين للاقتراع والمشاركة في الانتخابات النيابية من بلدان الانتشار التي يقيمون فيها، وستستمر الجهود الحثيثة لتفعيل الوجود اللبناني في العالم كلّه. أمّا الشريك الرئيسي الذي يتعاون مع طاقم السفارة في تنظيم المؤتمر، فهو وزارة الصناعة، على ما ذكرت، التي تُساعد بشتّى الوسائل من أجل قطف الثمار على قدر الطموحات، مشدّدة على أنّ تراكم الخبرة لدى وزارة الخارجية كونها تعقد مؤتمر الطاقة العاشر، يجعل الأمور تسير بشكل مهني رفيع المستوى.

وفي ما يتعلّق بالعلاقة الممتازة جدّاً التي تجمع بين الشعب اللبناني المقيم في ساحل العاج وبين الحكم العاجي، فلا بدّ من أن تكون نموذجاً يُحتذى به، على ما ألمحت، لما يشوبها من تفاهم شبه تام، واحترام متبادل وثقة، ومن نسيج اجتماعي يفوق ذلك الاقتصادي، ما يجعل من شاطىء العاج البلد الثاني للبنانيين المقيمين حيث يعطون أفضل النتائج على الأرض في مختلف المجالات. ويُشكّل اللبنانيون «لوبياً» أو تجمّعاً فعّالاً وقوياً جدّاً يتمّ تقديره كثيراً من قبل الدولة العاجية، وهذا ما يجب المحافظة عليه. وفي ساحل العاج وزراء يتحدّرون من أصل لبناني، وثمّة لبنانيان ترشّحا على الانتخابات النيابية، فضلاً عن وجود مراكز ومشاريع كثيرة للمغتربين اللبنانيين الذين يفرضون أنفسهم على الأرض.

ويلحظ بعض المغتربين في ساحل العاج أنّه فيما مضى كانوا يتذمّرون كثيراً نظراً للمماطلة في تسهيل معاملاتهم من قبل الدولة اللبنانية، في الوقت الذي أصبحت معاملاتهم المتعلّقة بالأحوال الشخصية واستعادة الجنسية تجري اليوم بشكل جدّي وبسرعة فائقة تمشياً مع التطوّر الحاصل والربط الإلكتروني بين السفارات اللبنانية والإدارة المركزية في وزارة الخارجية والمغتربين.

وشدّدوا بالتالي على أهمية الكمّ الهائل من الملايين التي تدخل الى لبنان بفضلهم، أكانوا من المغتربين الى أفريقيا أو أوستراليا أو أميركا أو أوروبا، إلاّ أنّ لأفريقيا ثقلها كون اللبنانيين أقوياء وبارزين فيها أكثر من القارّات الأخرى. مع الإشارة الى أنّ العديد من رؤساء الأموال اللبنانيين ينوون الاستثمار في بلدهم الأم، غير أنّ الوضع الحرج الذي يمرّ به البلد وغير المطمئن لا يُشجّعهم على ذلك، فضلاً عن الغلاء الفاحش في المعيشة الذي يلمسونه كلّما زاروا لبنان. فبخمسة آلاف سيفا، بحسب عملة ساحل العاج، التي تساوي ما يُقارب الـ 9 أو 10 دولارات يستطيع المرء شراء الطعام والخضر بما يكفيه له ولعائلته، في حين أنّ هذا المبلغ لا يشتري له شيئاً في لبنان، والمؤسف أنّ الدولة اللبنانية لا تتخذ أي إجراءات للتخفيف من غلاء المعيشة على المواطنين، وهذا من الأمور المهّمة التي تثني سائر اللبنانيين عن العودة والاستثمار في بلدهم الأمّ. كما أنّ لبنان يخسر بذلك الطاقة الشبابية من المتخرّجين، التي تُهاجر الى أفريقيا أو سواها بحثاً عن فرص العمل بسبب غلاء المعيشة وعدم توافر فرص العمل وأبسط مستلزمات العيش من ماء وكهرباء، وهذا أمر محزن.

هذا ويُغادر الوزير باسيل يوم الخميس المقبل الى أبيدجان لرعاية مؤتمر الطاقة الإغترابية، على رأس وفد إداري وإعلامي يقوم بنقل هذا الحدث ويضمّ مندوبين ومصوّرين عن خمس محطّات تلفزيونية محلية.