IMLebanon

الطريق إلى انتخابات أيار في لبنان… سالِكة و”آمِنة”

كتبت صحيفة “الراي” الكويتية:

نجحتْ «قمة بعبدا» الرئاسية أمس في إرساء ما هو أكثر من «هدنة» وأقلّ من «اتفاق شامل»، بما يسمح بتحويل الأشهر الثلاثة المقبلة «بيئةً حاضنة» للانتخابات النيابية في 6 مايو ولمؤتمرات الدعم الدولية الثلاثة للبنان التي تقام في روما وباريس وبروكسيل بين نهاية الجاري وأواخر ابريل المقبل، وأيضاً لمواجهة التهديدات الاسرائيلية التي أطلّت برأسها من بوابة ملف النفط كما الجدار الذي تعتزم تل أبيب إقامته على الحدود مع لبنان جنوباً وصولاً الى «مضبطة الاتهام» التي وجهّتها تحت عنوان أن لبنان تحوّل «مصنع صواريخ إيرانية».

وجاء اللقاء الذي عُقد على مدى 80 دقيقة في القصر الجمهوري وضمّ كلاً من الرئيس ميشال عون ورئيس البرلمان نبيه بري ورئيس الحكومة سعد الحريري ليكرّس إقرار جميع الأفرقاء بأنه بعد «جرس الإنذار» الذي قرعتْه أحداث الشارع الأسبوع الماضي، التي وقعتْ على خلفية تسريب فيديو لرئيس «التيار الوطني الحر» وزير الخارجية جبران باسيل يتضمّن إساءات لبري، لم يعد ممكناً الاستمرار في لعبة «القفز من شجرة إلى شجرة أعلى» وأن ثمة حاجة ماسة لمعاودة وضع ضوابط للخلافات التي شكّلت «صاعق» هذه الأحداث وترتكز على صراعٍ بين رئاستيْ الجمهورية ومجلس النواب حول الصلاحيات ضمن نظام الطائف، وهو ما عبّر عنه بالدرجة الأولى «التدافع الخشن» حول مرسوم منْح سنة أقدمية لضباط دورة 1994 في الجيش.

وبدا واضحاً من البيان الرسمي الذي صدر عن اجتماع «الترويكا» الرئاسية في قصر بعبدا أنه في موازاة «غسْل القلوب» على المستوى الشخصي، لا سيما بين عون وبري، فإن «ربْط نزاع» بقي قائماً على المستوى السياسي، ولو ضمناً، لكون «لبّ المشكلة» ذات الصلة بمرسوم الأقدمية وما تلاه يتّصل باستقطابٍ حول التوازنات الطائفية ظهر على تخوم «حرب المرسوم» من خلال غمْز فريق بري من قناة ثنائية مسيحية – سنية مرفوضة وبروز عنوان «التوقيع الشيعي» في السلطة التنفيذية على كل المراسيم بوصْفه «ميثاقياً»، وذلك عبر وزارة المال، بالتوازي مع إشارات الى رغبة بتكريس هذه الحقيبة للمكوّن الشيعي، وهو الملف الذي سيُطرح بقوة بعد الانتخابات ومع تشكيل الحكومة الجديدة.

وانطلاقاً من هنا، فإن ما خلص إليه اللقاء الرئاسي أمس سمح لرئيس الجمهورية بوقْف المسار الانحداري الذي كان ينذر عهده بأن يسلكه مع تفلُّت الأزمة مع بري من الإطار المؤسساتي وانتقالها إلى الشارع بعد كلام باسيل بما وضع البلاد على حافة صِدام طائفي وهدّد بشلّ المؤسسات، وتالياً «تسميم» المناخ الذي يسبق الانتخابات وربما تهديد الاستحقاق برمّته، ومن هنا أهمية ما خلص إليه البيان الرئاسي لجهة تأكيد المجتمعين «عدم السماح لأي خلاف سياسي بأن يهدّد السلم الأهلي والاستقرار الذي تنعم به البلاد، لاسيما وأن لبنان مقبل على المشاركة في مؤتمرات دولية نظمت خصيصاً من أجل مساعدته».

من جهته، حصل رئيس البرلمان على تطمينات للمرحلة اللاحقة بأن لا نيات بأي ممارسة رئاسية من خارج اتفاق الطائف أو بالعودة الى ما قبله، وهو ما كان رئيس البرلمان لمّح إليه مراراً في معرض «معركة المرسوم» مع رئيس الجمهورية، وهذا الأمر عبّر عنه بيان بعبدا الذي أشار الى تأكيد «المجتمعين وجوب التزام وثيقة الوفاق الوطني التي ارتضاها اللبنانيون بهدف المحافظة على وحدتهم الوطنية وصيغة العيش الفريدة التي تميزهم»، مع إعلان الاتفاق في ضوء «ما شهدته الساحة اللبنانية من أحداث خلال الأيام العشرة الماضية وأسبابها» على «معالجة ما حصل من خلال المؤسسات الدستورية وفق الدستور والأنظمة والقوانين المرعية الاجراء».

وفي حين ترافق ذلك مع معلومات عن أن أزمة المرسوم ستكون برسم حلٍّ في الأيام القليلة المقبلة، فإن مصادر أخرى اكتفت بالإشارة الى أن التفاهم الأهمّ هو على «العودة الى جادة اتفاق الطائف» على أن تتم مقاربة مسألة المرسوم من ضمن المؤسسات وبروحية التسوية، في غمْز من قناة مخْرج «لا غالب ولا مغلوب» بين عون، الذي كان اعتبر المرسوم نافذاً وأن الاعتراض عليه يكون في القضاء الإداري، وبين بري الذي أَصرّ على توقيع وزير المال ولو عبر دمْجٍ مع مرسوم آخر (الترقيات).

أما الحريري الذي كانت طاولتْه «شظايا» مواجهة الرئاستين الأولى والثانية، فبدا مرتاحاً جداً بعد اللقاء الثلاثي «المثمر جداً» الى نتائج ما حصل، مراهناً على تعاون كبير بين الجميع بما يتيح إبعاد العمل الحكومي عن التجاذبات السياسية والتركيز على مؤتمرات الدعم الدولية التي يعوّل عليها رئيس الحكومة كثيراً لدفْع الوضع الاقتصادي ومساندة الجيش. علماً ان البيان الرئاسي أكد الاتفاق على «ضرورة تفعيل عمل المؤسسات الدستورية كافة ولاسيما مجلس النواب ومجلس الوزراء، وتوفير المناخات السياسية والأمنية المناسبة لاجراء الانتخابات النيابية في 6 مايو المقبل في أجواء من الديموقراطية… كما تم الاتفاق على العمل لإقرار موازنة 2018 في أسرع وقت».

وإذا كان اجتماع مجلس الوزراء غداً سيشكّل أول ترجمة لـ «قمة بعبدا»، فإن الأنظار تتجه أيضاً الى اجتماع المجلس الأعلى للدفاع اليوم الذي سيبحث في كيفية التصدي للتهديدات الاسرائيلية انطلاقاً مما خلص اليه الاجتماع الرئاسي أمس من اعتبار «الادعاءات الاسرائيلية حول ملكية المربع الرقم 9 في المنطقة الاقتصادية الخالصة، وذلك بالتزامن مع إطلاق لبنان مناقصة تلزيم والتنقيب عن النفط والغاز، انتهاكاً واضحاً لقرار مجلس الامن الدولي 1701»، مع تأكيد «الاستمرار في التحرك على مختلف المستويات الاقليمية والدولية لمنع اسرائيل من بناء الجدار الاسمنتي داخل الحدود اللبنانية، ومن احتمال تعديها على الثروة النفطية والغازية في المياه الاقليمية اللبنانية، وذلك من خلال سلسلة إجراءات…».

وفي مناخٍ مشابِه من الاحتواء، تبادل «حزب الله» و«التيار الحر» بيانات «حسن النية» تجاه التفاهم بينهما الذي «احتفلا» امس بذكراه 12 التي حلّت على وقع «غبار» من الشكوك بدت مرتبطة مباشرة بالأزمة بين بري وباسيل الذي عاود أمس إطلاق إشارات صوّب فيها على البُعد الداخلي لهذا التفاهم، بإعلانه «12 عاماً على التفاهم الذي يقوي ويحمي لبنان من إرهاب إسرائيل والتكفير ويمنع أي فتنة داخلية»، مؤكداً «أن 12 عاماً ونحن نكرسه عميقاً بين اللبنانيين كي لا يستطيع احد سلخه، ولن يستطيع، ويبقى الأمل في التعويل عليه لبناء الدولة القوية العادلة».