IMLebanon

هل الخلافات المفتعلة تصفية استباقية لحسابات إنتخابية؟

كتبت ميرا جزيني عساف في صحيفة “اللواء”:

أعاد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون مع رئيسي المجلس النيابي نبيه بري والحكومة سعد الحريري تصويب الأمور، فإنتظمت الحياة السياسية، إلى حدّ ما، على بعد ثلاثة أشهر من استحقاق الإنتخابات النيابية ، ليشكّل اجتماع بعبدا الذي عُقد في السادس من شباط اللبنة الأولى لحلّ الخلافات العالقة والتي كادت تتطوّر الى اشتباك، معيدين بذلك الأمور إلى نصابها في السياسة.

ثمّة من يرى أنّ الوحدة اللبنانية التي استُعيدت، بالشكل من خلال صورة الاجتماع بين الرئيس عون إلى كلّ من بري والحريري ، وبالمضمون من خلال البيان الصادر عن اجتماع بعبدا والذي سيُستتبع باجراءات من شأنها انهاء الخلاف حول مرسوم الأقدمية وما نتج عنه لناحية مرسوم الترقيات، لم تكن لتُستعاد لولا التهديد الاسرائيلي العلني بسرقة ثروة لبنان من النفط والغاز الموجودة في البلوك التاسع قبالة رأس الناقورة، إضافة الى تهديد الخطّ الأزرق من خلال العزم على بناء الجدار العازل على الحدود. فبنظر هؤلاء، إنّ التصريح العلني لوزير الدفاع الاسرائيلي أفيغدور ليبرمان قد قدّم الذريعة المناسبة للمسؤولين اللبنانيين للاجتماع والإرتقاء فوق الخلافات، وإذا كان العنوان العريض هو مواجهة التهديدات الاسرائيلية فإنّ العناوين الداخلية الأخرى كانت حاضرة بهدف إيجاد مساحات مشتركة للحلّ لا سيما أنّ الخلاف الداخلي كان كفيلا بفرملة المساعي السياسية للإنجاز في أكثر من ملفّ والعودة خطوات إلى الوراء في مسيرة بناء الدولة.

وكان لافتا، بنظر بعض المراقبين، أنّ التوافق الداخلي الذي ركّز على القضية الخلافية الأساسية لناحية حلّ الخلاف حول مرسومي الأقدمية والترقيات لضباط دورة العام 1994 من ضمن الأطر الدستورية، لم يغفل مسألة تعديل قانون الانتخاب لناحية تعليق العمل بالمادة 84 التي تقول بضرورة اعتماد الحكومة البطاقة الممغنطة، وذلك لمرّة واحدة فقط نظرا إلى الأسباب المعروفة التي حالت دون اعتمادها، مع الإشارة الى أنّ هذه المسألة البسيطة في الشكل والتي كان يطالب بها رئيس التيار الوطني الحرّ وزير الخارجية جبران باسيل كادت تتحوّل الى اشتباك سياسي ينطوي على اتهام كبير للتيار بالرغبة في تعديل القانون الانتخابي تمهيدا لتطيير الإنتخابات أو بالحدّ الأدنى تأجيلها، في وقت أنّ المسعى كان حصرا لتعليق العمل بهذه المادة، احتراما للقانون وتجنّبا لأيّ طعن بالانتخابات.

وبانتظار أن تتبلور التفاهمات الرئاسية من خلال مسارات دستورية وقانونية لطيّ صفحة الخلافات، تنشط الماكينات الإنتخابية في عملها اللوجستي للانتخابات التي تشكّل استحقاقا دستوريا ينظر إليه المجتمع الدولي بأهميّة كبيرة. وليس بعيدا من هذا العنوان تأتي زيارة وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون إلى لبنان في منتصف الشهر الجاري، إضافة الى التحضيرات لمؤتمرات باريس وبروكسل وروما. وتندرج زيارة تيريلسون، التي تشمل الى بيروت القاهرة وعمّان وأنقرة، بنظر ديبلوماسيين عاملين في بيروت في سياق استطلاع الأجواء السياسية عن قرب قبيل موعد الإنتخابات النيابية في أيّار لا سيما في ظلّ التوتّرات اللبنانية الاسرائيلية وقضيّة ترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل على خلفية الكلام الاسرائيلي عن ملكية البلوك التاسع، لا سيما أنّ لبنان عازم على التصدّي بكلّ الوسائل السياسية والديبلوماسية لأيّ نيّة اسرائيلية بالتعدّي على أرضه وثرواته.

ويعتبر الديبلوماسيون أنّ زيارة رأس الديبلوماسية الأميركية إشارة لافتة من واشنطن الى أهمية الإستقرار اللبناني في محيط لاهب بالحروب والأزمات، والى ضرورة أن يعي المسؤولون اللبنانيون هذه الرغبة الأميركية – الدولية بالحفاظ على هذا الإستقرار والإنصراف عن كل ما من شأنه تعكيره، وخصوصا أنّ غالبية الأزمات الداخلية تأتي مفتعلة، إما بسبب سوء فهم أو نيّة، وإما بغرض إستخدامها ذريعة في سياق تصفية إستباقية لحسابات سياسية، منها ما هو مرتبط بالنتائج المُرتقبة للإنتخابات النيابية، ومنها ما يتّصل بطبائع شخصية لا تتوافق مع بعضها.