IMLebanon

لبنان في “المصيدة” السورية… فهل “ينجو بأعجوبة”؟

كتبت صحيفة “الراي” الكويتية:

يَدْخُل لبنان اليوم أسبوعاً بالغ الحساسية في تحديد اتجاهات الريح التي تهبّ من الخارج والداخل على حدّ سواء، في لحظةِ غليانٍ إقليمي فوق الصفيح السوري وعلى الموج الساخن في البحر ومربّعاته النفطية، وسط «انعدامِ وزنٍ» في بيروت بملاقاةِ انتخاباتٍ أشْبه بـ «شرٍّ لا بدّ منه» وثلاثة مؤتمرت دولية داعِمة للبنان دونها تلكؤٌ داخلي وعدم حماسةٍ خارجية.

فالأسبوع اللبناني الحالي على موعدٍ مع سلسلة محطات محورية من شأنها رسْم مَلامح المرحلة المقبلة، ولعلّ أهمّها:

* تقويمُ حصيلة الاشتباك الجوي الاسرائيلي – الإيراني في سورية، والذي بدتْ معه المنطقة وكأنها على وشك مواجهةٍ كبرى لن تستثني لبنان بالتأكيد.

* زيارة وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون لبيروت يوم الخميس المقبل، وفي جعبته نعم كبرى لاستقرار لبنان ودعْم جيشه، ولا حاسمة لـ «حزب الله» كأداةٍ للنفوذ الإيراني في المنطقة.

* الإطلالة المرتقبة لرئيس الحكومة سعد الحريري بعد غد الأربعاء في الذكرى الـ 13 لاغتيال والده الرئيس رفيق الحريري عبر خطابٍ الأهمّ فيه تحديد توجهاته في ما خص الانتخابات النيابية المحدَّدة في 6 مايو المقبل.

* اتضاح الخيْط الأبيض من الأسود في توقيت المؤتمرات الدولية الثلاث لدعم الجيش اللبناني في روما، ولتحفيز الاستثمار في باريس، وللمساعدة في ملف النازحين السوريين في بروكسيل.

فالانطباع في بيروت يؤشر على أن المعركة وجهاً لوجه بين إيران واسرائيل في سورية وعلى حدودها، التي شهدتْ إسقاط «درون» إيرانية و «اف – 16» اسرائيلية، هي مجرّد فصْلٍ دراماتيكي من مواجهةٍ مفتوحة على مزيدٍ من الجولات كجزءٍ من عمليات التفاوضِ بالنار التي بَلَغَها الملف السوري بين اللاعبين الدوليين والإقليميين أنفسهم وبالمباشر.

ويسود الاعتقاد لدى الدوائر المراقبة في بيروت أنه لم يكن مصادفة أن يشْهد أسبوعٌ واحد سقوط «سوخوي» روسية و«اف – 16» اسرائيلية و«درون» إيرانية ومروحية تركية، إضافة الى إعلان واشنطن عن عملية قيصرية للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة رسمتْ عبرها بالنار والدم خطاً أحمر للنظام السوري وحلفائه شرق الفرات.

ورغم الكلام عن المغزى الاستراتيجي لإسقاط الـ «اف – 16» الاسرائيلية للمرة الأولى منذ العام 1973، فإن بيروت تدرك أنها الآن بين فكيْ كماشة في مواجهةٍ إقليمية كبرى بين اسرائيل التي ستقاوم محاصرتَها من الشمال بـ «زنارٍ إيراني» يمتدّ بترسانته من جنوب لبنان الى جنوب سورية، وإيران التي تعمل لمراكمة نفوذها بعدما نجحتْ في حماية طريق طهران – بيروت.

ولن يكون سهلاً أمام لبنان «النجاة بأعجوبة» في صراعٍ هائل يكاد أن يعيد الحرب الباردة إلى عزّها مع استخدام روسيا كل أوراقها في سورية بما فيها الوجود الإيراني للعودة الى المسرح الدولي، في الوقت الذي يريد دونالد ترامب إعادة «الهالة» للولايات المتحدة من بوابة التصدي لإيران ونفوذها في المنطقة انطلاقاً من سورية.

ورغم ما يشاع عن «دوْزنة» فلاديمير بوتين بين مصالح اسرائيل وإيران في «مستعمرته» السورية، وعن النظريّ القوي والعمليّ الضعيف في استراتيجية ترامب ضد إيران، فإن المنطقة المفخخة بخطوط تماسٍ في البرّ والجوّ كما في البحر قابِلة للاشتعال مع خطر الانتقال من اللعب على حافة الهاوية إلى… الهروب الى الأمام.

هذا الواقع الداكن سيكون محور المحادثات التي يُجريها تيلرسون، الذي يصل الى بيروت الخميس المقبل في إطار جولته التي تشمل دولاً عدة في المنطقة، وسط تقارير عن أنه يُكمِل بالديبلوماسية ما بدأتْه الخزانة الأميركية من سياساتٍ صارمة ضدّ «حزب الله» في إطار استراتيجية بلاده للحدّ من نفوذ إيران في المنطقة.

وفي تقدير أوساطٍ واسعة الاطلاع في بيروت أن لبنان الرسمي سَيَحْتَمي في محادثاته مع رئيس الديبلوماسية الأميركية بأولوية الاستقرار التي تمكّن البلاد من عبور المرحلة الخطرة بأقل أثمان ممكنة وهو الأمر الذي تتفهّمه الإدارة الأميركية التي تستثمر في المؤسسة العسكرية والأمنية اللبنانية وتأخذ على عاتقها في الوقت عيْنه تشديد الخناق على «حزب الله».

والاستقرار سيكون «مانشيت» إطلالة الحريري في ذكرى 14 فبراير على جمهوره وشعارَه الانتخابي في ملاقاة استحقاق السادس من مايو المقبل وسط ترقُّب لما قد يُطْلِقه من إشارات في شأن تحالفاته وما تنطوي عليه تالياً من تموْضعات سياسية.

فما من شيء في بيروت يضاهي نجومية الحريري في الزمن الانتخابي… كأنه المرشّح الأوحد في عمليةِ اقتراعٍ على خياراته السياسية وعلاقاته الإقليمية، أو كأن الانتخابات «اختُرعتْ» خصيصاً لاختبار شعبيّته وتحالفاته ومزاج بيئته وقياس زعامته.

ولم يقلّل من وهْج هذه النجومية الانطباعُ بأن «حزب الله» سيضيف إلى ترسانته غالبيةً برلمانية تتحكّم بـ «إحداثيات» مجلس النواب العتيد، وبأن وزير الخارجية جبران باسيل يريد حشْد مقاعد كما التفاهمات كجسْرٍ لحلمه بالعبور الى الرئاسة الأولى.

فمع العدّ التنازلي لانتخابات 6 مايو، بدا الحريري و«مِن ألفه الى يائه» تحت المجهر، تُحاصِره أسئلةٌ من كل حدب وصوب… مع مَن يتحالف ومَن يُخاصِم؟ مَن يرشّح ومَن يَسْتَبْعِد؟ وماذا عن النصائح السعودية الصعبة وأي سعد الحريري سيكون بعد الانتخابات؟

وثمة معلوماتٌ في بيروت عن أن عملية جسّ نبْضٍ متبادَلة كانت تَجْري بين الحريري والمملكة العربية السعودية بعيداً عن الأضواء في شأن مسائل ذات طبيعةٍ سياسية – انتخابية في ضوء تَحفُّظ الرياض عن أي تحالُف بين «تيار المستقبل» و«التيار الوطني الحر» (حزب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون).

وبدا أن من الصعب معرفة ما بلغتْه هذه المناقشات التي شارفتْ على نهايتها نتيجة التكتّم الذي يحوط بها، رغم المعطيات التي تؤشر على صعوبة فكّ الحريري شراكته مع «التيار الوطني الحر» لاعتباراتٍ تتّصل بالتسوية السياسية والمصالح الانتخابية المتبادَلة، كما توازنات مرحلة ما بعد الانتخابات.

والأسئلةُ نفسُها تدور حول ما سيُفضي إليه الحوار الدائر بين الحريري وحزب «القوات اللبنانية» برئاسة الدكتور سمير جعجع والذي في ضوئه ستتضح معالم «بازل» التحالفات في استحقاقٍ صار تحت المجهر العربي والدولي وسط معاينةٍ دقيقة لما ستفرزه صناديق الاقتراع وتحديداً لجهة حصة «حزب الله» ومكانته، وهو البُعد الذي يشكّل «الورقة المستورة» في مسار مؤتمرات الدعم الدولية للبنان.