IMLebanon

معادلة تيلرسون: تجاهل السلاح مقابل تكريس “خط هوف”!

لم تدم زيارة وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون لبيروت أكثر من خمس ساعات، جال خلالها على الرؤساء الثلاثة، وكرر على مسامعهم معزوفة بلاده التقليدية: نزع سلاح “حزب الله”. تجفيف مصادر “حزب الله” وموارده المالية. انسحاب “حزب الله” من سوريا. الحفاظ على الهدوء في منطقة الجنوب اللبناني. دعم الجيش اللبناني.

بدا واضحاً منذ المحطة الأولى في القصر الجمهوري، أن موضوع الحدود البحرية بين لبنان وفلسطين المحتلة صار أولوية على جدول أعمال الأميركيين. انطلق تيلرسون في مداخلته مطالباً بنزع سلاح “حزب الله”، وكذلك بانسحابه من سوريا وتجفيف موارد الحزب المالية، للإيحاء بأن بلاده مستعدة للمقايضة: “التطنيش” عن موضوع السلاح مقابل قبول لبنان بالمعادلة التي يطرحها مساعده ديفيد ساترفيلد لترسيم الحدود البرية والبحرية.

ردّ رئيس الجمهورية ميشال عون داعياً إلى “منع إسرائيل من استمرار اعتداءاتها على السيادة اللبنانية، البرية والبحرية والجوية، والالتزام بالقرار 1701. لبنان لا يريد الحرب مع إسرائيل ولكنها هي المعتدية، وسلاح المقاومة ينتفي دوره ومهمته مع إحلال السلام العادل والشامل وعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم. أكد عون أن لبنان أقرّ سلسلة تشريعات، وانضم إلى اتفاقيات دولية، وهو يطبّق كل القوانين المالية بشفافية”. قارب رئيس الجمهورية موضوع انخراط “حزب الله” في الحرب السورية من زاوية محاربة الارهاب، واعتبره موضوعاً يتجاوز لبنان. وقال إنه “كلما تقدمت جهود تحقيق السلام على الجبهة السورية وفي المنطقة، انعكس ذلك إيجاباً على الوضع في لبنان والمنطقة، وانتفت الحاجة الى السلاح، وحلت محله لغة الحوار”.

وفيما نفت مصادر مطّلعة على المفاوضات عرض الوزير الأميركي إجراء مقايضة بين “خط هوف” و”التطنيش” عن السلاح، عقد باسيل وتيلرسون خلوة، سمع فيها الأخير بوضوح أن المقاربة التي جاء بها ساترفيلد في شأن ترسيم الحدود اللبنانية ــ الفلسطينية المحتلة تحت شعار “العرض غير القابل للتفاوض”(take it or leave it) غير مقبولة من لبنان. وعلمت “الأخبار” أن باسيل أبلغ نظيره الأميركي أن الموضوع لا يتعلق برسم خط حدودي، بل بـ«خط اقتصادي» يعطي لبنان حصته الكاملة من موارده النفطية. مصادر مطّلعة على المحادثات قالت إن أجواء المحادثات مع تيلرسون كانت “أكثر طراوة” من تلك التي جرت مع ساترفيلد، كون الأول أكثر خبرة في ملف النفط، بحكم عمله سابقاً في هذا القطاع.

أمّا في عين التينة التي أمضى فيها ساعة وخمس دقائق، فكرر تيلرسون هجومه على المقاومة وعلى مسألة «تجفيف منابع الإرهاب»، فما كان من برّي إلّا أن ردّ عليه. وكشف رئيس المجلس مساءً أمام زوّاره، أن تيلرسون «تحدّث مطوّلاً عن حزب الله، ثمّ تحدّثت أنا أيضاً عن حزب الله». وبعد أن قدّم برّي مداخلة تاريخية عن الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان القديمة والمستمرة، توجّه إلى ضيفه بالسؤال عن ردّ الفعل الأميركي إذا كان هناك من عدوّ للشعب الأميركي يحتلّ أرضاً أميركية، فـ«هل تتفرّجون عليه؟ أم تحملون السلاح وتشكّلون مقاومة شعبية؟ نحن لا يمكننا أن نسكت عن الاعتداءات الإسرائيلية، ولذلك حملت المقاومة السلاح للدفاع عن أرضنا». ثمّ فنّد بري للوزير الأميركي التشريعات والقوانين التي صادق عليها المجلس النيابي «المتعلقة بالحركة المالية والنقدية والمصرفية وفق المعايير العالمية».

في السراي الحكومي، أصرّ تيلرسون على وصم حزب الله بالإرهاب، وأن بلاده لا تفرّق بين الجناحين العسكري والسياسي. وردّ الحريري بأن «لبنان يلتزم بقراري مجلس الأمن الدولي 1701 و2373. ونريد أن ننتقل إلى حالة وقف إطلاق نار دائم، لكن الانتهاكات الإسرائيلية اليومية لسيادتنا تعرقل هذه العملية، وكذلك الأمر بالنسبة إلى خطاب إسرائيل التصعيدي. وهذا يجب أن يتوقف». ولفت الى أن «الحدود الجنوبية اللبنانية هي أهدأ حدود في الشرق الأوسط، وقد طلبت مساعدة الوزير تيلرسون لإبقائها على هذا النحو».

كان يمكن لزيارة تيلرسون إلى بيروت، أمس، أن تكون «ناجحة» بالمقياس الأميركي، لو أن مساعده ديفيد ساترفيلد نجح خلال الأيام الماضية في إقناع اللبنانيين بالتخلّي عن حقّهم والتنازل عن جزء من ثروتهم البحرية، والقبول بـ«الوساطة» الأميركية التي تقدّم مصلحة إسرائيل على مصلحة لبنان. لكن الموقف الرسمي اللبناني الموحّد، وأوراق قوّته المتمثّلة بثلاثية الجيش والشعب والمقاومة، منعت ساترفيلد، الذي ينوي البقاء في بيروت ليومين إضافيين (يلتقي وزير الخارجية جبران باسيل ظهر اليوم)، من انتزاع ما أتى من أجله بالتهديد والوعيد للتنازل والقبول بـ«الموجود»، أي خطّ «هوف» الذي يقسّم المياه اللبنانية ويمنح جزءاً منها مجاناً لإسرائيل.