IMLebanon

حسابات السياسية تختلف عن الحسابات المالية

كتب ناصر زيدان في صحيفة “الأنباء” الكويتية:

طلب رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري من الوزارات والمؤسسات العامة تخفيض 20% من موازنتها، وخصم هذه التخفيضات من الأرقام التي كان قد قدمها وزير المالية في الاقتراح المقدم من قبله لموازنة العام 2018، وهو نسخة طبق الأصل تقريبا عن موازنة العام 2017، مع زيادة استثنائية ملحوظة بقيمة 1100 مليار ليرة لبنانية لقطاع الكهرباء، منها 600 لاستئجار بواخر توليد، و500 مليار فروقات ارتفاع أسعار المشتقات النفطية.

وعجز الموازنة المقدمة من وزارة المالية والبالغة 23670 مليار ليرة (أي 15.3 مليار دولار أميركي)، يقدر بـ 7286 مليار ليرة (أي 4.9 مليارات دولار تقريبا). ومصرف لبنان يغطي أغلبية هذا العجز، مما دفعه الى تقليص الحوافز التي يقدمها لبعض القطاعات الإنتاجية، كمؤسسة كفالات، وللقروض السكنية، وهذا بطبيعة الحال سيزيد من حالة الركود التي يعيشها الاقتصاد اللبناني، والتوقعات لا تتفاءل بزيادة كبيرة في مستوى النمو في العام 2018، ويقدره الخبراء بما لا يزيد على 2%، بينما يحتاج هذا الاقتصاد الى اكثر من 10% من النمو لاستيعاب اليد العاملة الماهرة التي تتخرج سنويا من الجامعات، والمقدرة بـ 35 ألف طالب من مختلف الاختصاصات.

الحسابات السياسية عند أغلبية القوى والأحزاب تختلف عن حسابات الأرقام المالية التي لا تبشر بالخير. فالسياسيون يرغبون في المزيد من توظيف اليد العاملة في مؤسسات الدولة المختلفة، وفي القطاع الخاص إرضاء لمؤيديهم، بينما المؤشرات الاقتصادية والمالية مخيفة ولا تسمح بمثل هذا الانفلاش في المالية العامة، والقطاع الخاص مازال خائفا من المغامرة وزيادة التوظيف والاستثمار، متحسبا من الثغرات التي قد تحصل في المجال الأمني، وبالتالي فإنه لا يقدم على مزيد من التوظيفات.

بعثة خبراء صندوق النقد الدولي التي زارت لبنان مؤخرا، أوصت بضرورة إجراء عملية كبيرة لضبط الإنفاق في المالية العامة، وقالت ان أخطارا واسعة تهدد الاقتصاد إذا لم يعاد النظر ببعض الرؤى التي لا تتلاءم مع الخصوصية اللبنانية السلبية، وهي عبارة عن إنفاق 33% من الموازنة قبل «صياح الديك» على خدمة الدين العام الذي تجاوز الـ 78 مليار دولار. و37% من هذه الموازنة ينفق على الرواتب والأجور.

وتبدو كلفة الأجور والرواتب طبيعية لو لم يكن هناك هذا المبلغ المخيف الذي يصرف على خدمة الدين العام. وخدمة الدين العام تحتاج لإبداع بعض الخطط لتخفيض حجمها عن طريق إعادة الهيكلة، أو إجراء تسويات جراحية مع الدائنين، أو عن طريق استبدالها بديون أقل كلفة.

لأن رؤية رئيس الحكومة بتخفيض 20% من النفقات والمبنية على نصائح البنك الدولي، ومنظمي مؤتمرات الدعم في روما وباريس، قد لا تنجح، وربما تخلق ارتدادات عكسية، أو تؤدي الى مزيد من الانكماش الاقتصادي.

الحسابات السياسية تتحدث عن وقف الفساد لمعالجة الإخفاقات، ولكن القوى السياسية تساهم غالبا في تشجيع بعض من هذا الفساد، لأنها تتدخل في القضاء لتغطية بعض الفاسدين، وتحمي بعض الأجهزة الرقابية التي لا تقوم بواجباتها على أكمل وجه. ولكن وقف الفساد وحده لا يكفي لحل الأزمة المالية، لأن هجم هذا الفساد لا يتجاوز 7% من الإنفاق التشغيلي على أوسع تقدير، فلا مفر من تكبير حجم الاقتصاد كونه الجزء الأساسي من الحل للمعضلة المالية.