IMLebanon

سوزان الحاج: تعود إلى “المعلومات”… مِن “الباب الآخر”

كتب محمد نزال في صحيفة “الأخبار”:

“إمّا أن أنجح وإمّا أن… أنجح”. هذه كانت فلسفة سوزان الحاج (41 عاماً) في العيش. كانت عندما تنطق بها، ولو عرضاً في حديث، تُعيد ترتيب ملامح وجهها لتُصبح أكثر جديّة. كانت مِن ذاك الصنف الطموح جدّاً، الذي “لا حياة بلا طموح” عنده، والذي لديه مِن رغبة الوصول ما يكفي لتحديد هدف «على بعد عشر سنوات، وأكثر». كلّ شيء لا بدّ أن يكون محسوباً. لكن يحصل أن تنهار الأحلام في لحظة. يحدث أن تتورّم الأنا، فتدفع بصاحبها إلى عوالم “الكبار” المقفلة، إلى تلك النوادي التي غالباً لا تحتمل المتطفّلين، الذين لم يولدوا ليكونوا مِنها. يحدث في لحظة أن ينهار كلّ شيء. هي المقدّم سوزان الحاج. لا تأنيث في الرتب العسكريّة والأمنيّة. كانت تعرف ذلك جيّداً، فخاضت في ملعب الشرطة المذكّرة، إلى حدّ أنها طلبت مِن الأمنيين الذين ترأسهم مناداتها بـ«سيدنا». كانت ترأس نحو سبعين ذكراً وخمس إناث. البعض ناداها «ستنا» بداية، فرفضت، وأصرّت على «سيدنا». هي أوّل ضابط في قوى الأمن بذلك اللقب. دخلت السلك صدفة. مطلع الألفيّة تُعلِن قوى الأمن الداخلي عن حاجتها لسدّ مراكز اختصاص. يخبرها والدها أنّ عليها أن تتقدّم بأوراقها، وهو دركي متقاعد، فتُخبره أن الإعلان للذكور فقط: هل نسيت! يُجيبها: هذه المرّة نسوا أن يكتبوا أن الإعلان للذكور، وبالتالي، بحكم القانون، لكِ الحق أن تتقدّمي.

وبالفعل، حصل ذلك وأصبحت، متخرّجة الهندسة المعلوماتيّة في جامعة البلمند، سيّدة أمنيّة أو ربّما «رجل أمن». السنة الأولى كانت الأقسى. دخلت برتبة ملازم (2001)، مع الرائد الشهيد وسام عيد. تُريد أن تُثبت نفسها، وقد نجحت في ذلك. تلقّفها أحد الضبّاط وساعدها، فعدّها البعض محسوبة عليه، قبل أن يحصل له ما يزيله عن موقعه، فما كان منها إلا أن ابتعدت عنه. هذه مِن رواية أحد المواكبين. تبدأ ابنة بلدة فيع (قضاء الكورة) بالارتقاء رتبة تلو أخرى. لا يبدو، بحسب عارفيها، أنّها نسيت مِن أين أتت. في الظاهر ربّما تناست، تطبّعت، لكنّها في العمق تعيش ذاكرتها. ابنة عائلة متواضعة ماديّاً، عائلة تعيش مِن راتب تقاعدي لوالد خرج مِن السلك برتبة مؤهّل، وكثيراً ما قال لضبّاط برتبة ابنته: «يا سيدنا». قضى عمره «في الدرَك»، وكان “مِن خيرة الناس” (بحسب أحد أبناء بلدته). عائلة مِن تسعة أبناء. مِن هنا أتت سوزان وأصبحت «سيدة مجتمع». أصبحت نافذة. صارت صديقة مقرّبة لكثيرات مِن زوجات “الكبار” في البلد. صديقة لإعلاميين وإعلاميات. أنشأت شبكة علاقات مع “نخب” مختلفة. هي “الطحّيشة” (بحسب وصفها). هكذا تُفضّل، برأيها، أن تكون كلّ أنثى تدخل سلك قوى الأمن.

ضابط عرفها عن كثب، قبل أن تترأس مكتب مكافحة جرائم المعلوماتيّة وحماية الملكيّة الفكريّة، يقول عنها الآتي: «كانت وصوليّة إلى حدّ رهيب. ميكيافيليّة. لا شيء يمنعها مِن الوصول إلى غايتها». هذا ضابط لا يودّها. هناك آخرون أشادوا بجدّيتها و«قوّة إرادتها». هناك مَن تحدّث عن “تنمّرها” في العمل إضافة إلى “قسوتها” في التدريب. عملت في شعبة المعلوماتية، ثم في فرع المعلومات (حتى عام 2004، حين أعيدت إلى «المعلوماتية»). كان ذلك قبل زمن اللغط الحاد والجدل السياسي حول كلمتي «فرع» و«شعبة». لم تترك أثراً يُذكر داخل الفرع. على العكس، كان رأي غالبية من عملوا معها سلبياً. ربما هي الذكورية ما غيرها، أو «قلة كفاءتها» التي يتحدّث عنها زملاؤها و«تعاليها» عليهم لكونها الضابط المحظي لدى رئيس الفرع حينذاك، منذر الأيوبي، صديق من صار زوجها لاحقاً، زياد حبيش. ورغم انضمامها إلى آل حبيش، الذين أضحوا بعد عام 2005 جزءاً من تيار المستقبل، فإن ذلك لم يشفع لها. بقيت صورتها سلبية داخل الفرع، ما دفع العميد وسام الحسن إلى رفض تعيينها رئيسة لمكتب مكافحة جرائم المعلوماتية في الشرطة القضائية. اللواء أشرف ريفي أرادها في هذا المنصب. ولم تكد تمرّ ثلاثة أيام على اغتيال الحسن، حتى أصدر ريفي قرار تعيينها. أشهر قليلة، وطارت شهرتها. راحت تستدعي مغرّدين مِن بين إعلاميين ومشاهير وناشطين. تكفّلت قضايا القدح والذم في المجال الإلكتروني. أحبّت، هي نفسها، قضاء الوقت على مواقع التواصل الاجتماعي. اختلط الشخصي بالعملي. وصفها أحدهم قبل سنوات بأنّها «رئيسة مكتب مكافحة الحرّيات». يوم كانت طفلة، تقول في مقابلة، كانت تُحّب الحياة العسكريّة، كذلك «كنت حبّ أعمل حاجز قدّام البيت لوقّف العالم وآخد هويّاتهم».

حياتها الشخصيّة، أو بعضها، كانت تُظهرها بنشر صورها في سهرات ومناسبات خاصّة. لامتها إدارتها على ذلك، وقيل الكثير عن لباسها، لكنّها «عنيدة». لم يعتد “العسكر” على هذا الصنف مِن «الضابطات». هي اليوم أمّ لثلاثة أبناء. زوجها المحامي زياد حبيش، شقيق النائب هادي حبيش، وابن النائب والوزير السابق فوزي حبيش. دخلت عائلة “المشايخ” بقوّة. زواج مِن خارج الأطر “المشيخيّة” التقليديّة (على الطريقة الإقطاعيّة). تلميذة مدرسة “المعارف الرسميّة” (الحكوميّة) في القرية النائيّة، وابنة الطبقة “المستورة” جدّاً، سيُدخلها الزواج مِن عائلة نافذة إلى عوالم إضافيّة مِن الظهور. الضابط (بلا تاء التأنيث) تُصبح هدفاً لوسائل الإعلام المحليّة والعربيّة والعالميّة. الأنثى الضابط الأشهر في لبنان. بعضهم يعنون: «المرأة الأقوى في لبنان». لم تكن أناها تحتاج نفخاً إضافيّاً. حفلات تكريم لها في الداخل والخارج. تتسلّم درعاً تكريميّاً مِن دولة الإمارات العربيّة المتّحدة. قبل نحو أربع سنوات، ألبسها ذاك الإماراتي، وهي تمثّل لبنان، وشاح الفوز بجائزة «الريادة في الإدارة». عاشت ذورة ظهورها وهي برتبة رائد.

عرفها كثيرون، لم يكونوا عرفوها مِن قبل، يوم قرّرت إدارتها الأمنيّة أن “تعزلها” عن رئاسة مكتب المعلوماتيّة. وضِعَت بتصرّف المدير العام، يوم وضعت “لايك” على تغريدة أحد المشاهير اللبنانيين، ومِن ذاك اليوم ستأخذ حياتها الحالمة مساراً آخر. أبدت إعجابها بتغريدة ساخرة مِن السُلطات السعوديّة وحقوق المرأة في تلك البلاد. جاء الحدث مناسبة لإقصائها، بعدما كانت الإدارة قد ضاقت ذرعاً بها، بسلوكها العام وعدم تحفّظها عن إبداء بعض الآراء السياسيّة في العمل، خلافاً لقانون مؤسّستها. ظنّت أن لديها حماية أبديّة. كان هذا قبل نحو خمسة أشهر. كان هذا قبل أن يعود اسمها إلى الواجهة مع قضيّة توقيف زياد عيتاني بشبهة التعامل مع العدو الإسرائيلي. الآن هناك مَن يقول إنّها هي، وانتقاماً مِنه لإفشائه “سرّ” ذاك الإعجاب بتلك التغريدة، فبركت له حكاية العمالة. لم يصدر عن القضاء شيء رسمي بعد.

هي لا تستخف بالمرأة أبداً، ولا تراها ضحيّة دائماً. تُجيب عن سؤال مِن صحافيّة: إذا كان المجرم امرأة هل تتعاطفين معها أكثر أثناء التحقيق؟ تُجيب: «لا، أبداً، دائماً أقول للمتدرّبات الإناث في قوى الأمن ما تفكروا المرأة عنصر ضعيف (في التحقيق). هناك ستّات داهية. ما بتتصوروا قديش خيالها ممكن ياخدها لتعمل قصص». «قصص» كثيرة سُئلت عنها سوزان الحاج في التحقيق لدى فرع المعلومات حيث هي محتجزة. عادت أخيراً إلى فرع المعلومات… لكن مِن «الباب الآخر»