IMLebanon

انتخابات 2018: مشهد التحالفات المتناقضة

كتبت صحيفة “العرب” اللندنية: أقفلت وزارة الداخلية اللبنانية باب الترشيح للانتخابات التشريعية المقبلة وأظهرت اللوائح الرسمية أسماء وعدد المرشحين لتلك الانتخابات التي ستجري في 6 ايار المقبل. وبلغ عدد المرشحين 976 مرشحا، بينهم 111 سيدة، بما اعتبر أنه يشكل حيوية لدى الشرائح النسائية في لبنان للانتقال إلى المشاركة الحيوية في الحياة السياسية اللبنانية. وترجح التوقعات مع ذلك فوز ثلاث أو أربع سيدات في هذه الانتخابات فقط.

وفيما أنهى المرشحون بشكل فردي تقديم ملفاتهم التي تخول لهم خوض الانتخابات، إلا أن مصير هذه الترشيحات ومسارها نحو دخول البرلمان خاضع لمداولات مقبلة تحدد شكل التحالفات بين القوى السياسية وشكل المنافسة التي ستجري داخل 15 دائرة موزعة على كافة المحافظات.

ولدى الأحزاب والتيارات ووجهاء السياسة في لبنان مهلة حتى 26 من الشهر الجاري من أجل التقدم بلوائحهم الرسمية، بما يعني أن البلاد ستكون على مسافة 43 يوما من موعد الانتخابات بعد ذلك، وستكون كافية لإطلاق الحملات الانتخابية بشكل دقيق يعتمد على معطيات رسمية تفصيلية. ولوحظ أن دائرة بيروت الثانية سجّلت أعلى رقم من الترشيحات بحيث وصل عدد المرشحين إلى 117 مرشحا للتنافس على 11 مقعدا نيابيا، بما يعني أن مداولات كثيرة ستجري خلال الأيام المقبلة لسحب الترشيحات الزائدة أو المعيقة قبل نهاية مهلة العودة عن الترشيحات في 21 من الشهر الجاري.

يخوض لبنان الانتخابات التشريعية وفق قانون انتخاب جديد تحاول القوى السياسية، التي توافقت عليه بصعوبة، أن تقيم تحالفاتها وفقه بناء على تفصيلات محلية لا يمكن أن تنسحب على كل الدوائر الانتخابية في البلد.

وفي ما عدا الثنائي الشيعي؛ حزب الله وحركة أمل، اللذين يخوضان الانتخابات متحالفين داخل كافة الدوائر التي تجمعهما، فإن بقية التيارات السياسية ترسم تحالفاتها بالمفرّق بناء على ظروف كل دائرة وحاجة تلك التيارات إلى التحالف أو التنافس.

ويبدو من الصعب السيطرة على أصوات الناخبين وفق القانون الجديد من حيث كونه خليطا بين النسبي والأغلبي، من خلال بدعة الصوت التفضيلي، وأن الأحزاب السياسية مضطرة أن تتحالف مع أحزاب في دائرة انتخابية معينة مقابل خوض الانتخابات ضد بعضهم البعض في دائرة انتخابية أخرى. ولا ينطلق شكل العلاقة بين الأحزاب لجهة التحالف أو التنافس من قواعد تتعلق بخطابها السياسي، بل تمليه مصالح حسابية بحتة، مما ينزع عن السياسة الحد الأدنى من المصداقية والمبادئ.

سيعلن رئيس الحكومة زعيم تيار المستقبل، سعد الحريري، في احتفال يقام الأحد المقبل، عن أسماء مرشحي التيار. والظاهر أن زيارة الحريري الأخيرة للسعودية لن تغير من شكل التحالفات التي كان التيار يعدها مستندا على تحالف مع رئيس الجمهورية ميشال عون من خلال التيار الوطني الحر، إلا أن بعض الأنباء بدأت تتحدث عن تحالفات بالمفرق ستجمع المستقبل بالقوات اللبنانية بزعامة سمير جعجع وبتيار زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط.

ويسعى الحريري إلى نيل أكبر عدد من المقاعد المخصصة للسنة في البرلمان والبالغ عددها 27 مقعدا. وستشهد كتلة تيار المستقبل تراجعا بسبب قانون الانتخابات الجديد الذي يتيح لمرشحين سنة خصوم لتيار المستقبل الفوز ببعض المقاعد.

ويتوقع أن تفوز حركة أمل وحزب الله بجل المقاعد الـ27 المخصصة للشيعة وأن بعض الدوائر ستشهد اختراقات يحققها مرشحون شيعة مناوئون للثنائية الشيعية.

ويلاحظ المتابعون أن الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله ونائبه الشيخ نعيم قاسم يحثان الناخب الشيعي على التصويت لمرشحي “المقاومة” على نحو غير مسبوق ويعكس إدراكا من قبل قيادة الحزب بتراجع شعبيته الانتخابية مقارنة بالدورات السابقة التي كان فيها يتصرف بثقة عالية على أن نتائجها مضمونة.

ولفت المراقبين سجالٌ خافت بين وزير الخارجية جبران باسيل، صهر رئيس الجمهورية ورئيس التيار الوطني الحر، وحزب الله على مسألة فرض الحزب مرشحا في جبيل من خارج عائلات المنطقة. وفيما نقلت الصحف امتعاض الحزب من سلوك باسيل واتهامه بالتسبب في الأضرار بالتحالف مع الثنائية الشيعية بسبب موقف باسيل من رئيس مجلس النواب وزعيم حركة أمل، نبيه بري، إلا أن مراقبين يشككون في جدية هذا السجال ويعتبرونه انتخابيا متفقا عليه لتعزيز شعبية باسيل الطامح إلى الفوز لأول مرة بمقعد داخل البرلمان، كما شعبية حزبه داخل الأوساط المسيحية مقابل حزب القوات اللبنانية.

على الرغم من أن “ورقة نوايا” جمعت حزب جعجع بحزب عون ووضعت القواعد الأولى لانتخاب الأخير رئيسا للجمهورية بعد تبني الحريري لترشيحه، فإن التحالف بين القوتين المسيحيتين بقي ركيكا فيه الكثير من الانتهازية ويجري بالقطعة، بما يسقط تماما ما كان أشيع بعد الانتخابات الرئاسية من خوض القوات والتيار الانتخابات متحالفيْن للسيطرة على المشهد السياسي المسيحي.

ويسعى الحريري لإرساء حد مقبول من التحالف بينه وبين جنبلاط وجعجع وباسيل في الدوائر المشتركة، فيما تجهد ماكنته الانتخابية لمواجهة أخطار المنافسة في البقاع والشمال. والظاهر أن تحدي تيار المستقبل سيكون في مواجهة اللائحة التي يتزعمها رئيس الحكومة الأسبق نجيب ميقاتي في الشمال وسط أنباء تتحدث عن ميل المستقبل لمهادنة الوزير السابق أشرف ريفي دون أن يتضح ما إذا كان ذلك نتيجة تواصل السعودية الأخير مع الحريري في بيروت والرياض.

وتتحدث مصادر إعلامية عن أن تيار المستقبل سيتواجه مباشرة مع الثنائية الشيعية في أربع دوائر. وقالت هذه المصادر أن حزب الله يعمل على فوز المرشح السني أسامة سعد في صيدا بعد إعلان رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة عزوفه عن الترشح. وتقول الأنباء إن الثنائي الشيعي سيسعى لتأمين الفوز للوزير الأسبق عبدالرحيم مراد القريب من حزب الله عن المقعد السني في البقاع الغربي. وتشهد دائرة بيروت الثانية كما دائرة بعلبك الهرمل معركة بين المستقبل والثنائية الشيعية في محاولة لتسجيل الطرفين اختراقات متبادلة.

دخل لبنان رسميا في حمى الانتخابات، والمداولات الجارية تقوم على منطق ماكيافيلي يسقط كل الثوابت عند هذا وذاك مقابل الفوز بمقاعد داخل قبة البرلمان. ويتناقض مشهد التحالفات القائمة أو التي ستقوم خلال الأيام المقبلة في هذه الدائرة أو تلك يتناقض تماما مع حالة الاستقطاب التي عرفها لبنان منذ مقتل رفيق الحريري، بحيث أن خصوم الأمس يخوضون الانتخابات متحالفين رغم عناوينهم السياسية المختلفة والمتناقضة أحيانا، فيما حلفاء الأمس متخاصمين يتناتشون المقاعد على الرغم من أن عناوينهم السياسية تكاد تكون متطابقة.