IMLebanon

لوازم الانتخابات: حبر على ورق بمليون دولار!

كتبت هديل فرفور في “الأخبار”:

في ظل خطاب التقشف الذي تتبنّاه الحكومة في أجواء إعداد موازنة 2018، ومسرحيات خفض الانفاق الحكومي، وصلت قيمة الانفاق على لوازم الانتخابات النيابية المقبلة “والذي منّو” إلى نحو 3 مليارات و636 مليون ليرة لبنانية (مليونان و424 ألف دولار).

اللوازم التي ستُوزّعها الوزارة على مراكز الدوائر الإنتخابية في الإنتخابات النيابية المُقررة في السادس من أيار المُقبل، «زي عود الكبريت»، أي أنها تُستخدم لمرة واحدة فقط، وفي يوم واحد فقط، بحسب ما تؤكده عمليات الاقتراع الماضية. وهي تشمل علب الحبر الخاصة بعمليات التصويت واجهزة تلفزة، إضافة الى الشمع الأحمر و«الكفوف» والـ«ستيكرات» وأكياس النايلون.

علبة الحبر بـ 53 دولارا!

المُستندات الصادرة عن دائرة المُشتريات في وزارة الداخلية والبلديات تفيد أن سعر المحبرة الخاصة بالاقتراع وصل، مع القيمة المُضافة، إلى نحو 80 ألف ليرة لبنانية (53 دولاراً). وتقدر «الداخلية العدد المطلوب بـ 20 ألف علبة، ما يعني أن كلفة الحبر وحده تصل إلى نحو مليار و600 مليون ليرة (مليون و60 ألف دولار). لكن جولة على الأسواق لاستطلاع أسعار هذه المحابر التي تحمل المواصفات نفسها (غير قابلة للمحو ولا تزول قبل 24 ساعة وتتسّع لنحو 100 ملل)، تظهر أن سعر العلبة الواحدة يتراوح بين سبعة دولارات و11 دولاراً، فيما لا يتجاوز سعر العلبة من «ماركات» أخرى الدولارات الثلاثة!

إضافة الى ذلك، ثمة كلفة إضافية تتعلّق بآلية «توضيب علب الحبر الخاص»، وتتمثّل بوضع «ستيكر» (ملصق) على كل عبوة يحمل شعار وزارة الداخلية والبلديات، ومن ثم وضعها في كيس «نايلون». كلفة عملية «التوضيب» هذه، تبلغ نحو ثمانية آلاف ليرة لبنانية (مع القيمة المُضافة) للعلبة الواحدة، أي نحو خمسة دولارات، وبمجموع يصل الى نحو 160 مليون ليرة (أكثر من مئة ألف دولار). علما أن «سعر السوق» الإجمالي للملصق الواحد مع كيس الـ«نايلون» لا يتعدّى الدولار!

إلى ذلك، وصل سعر «زوج الكفوف المطاط» إلى نحو 1900 ليرة لبنانية، بكلفة إجمالية بلغت نحو 15 مليوناً و540 ألف ليرة (نحو عشرة آلاف دولار) لـ 8000 زوج. أما الشمع الأحمر (تسعة آلاف اصبع شمع قابل للذوبان ولا يعطي سواداً عند تعرّضه للنار)، فبلغ سعر الاصبع الواحد مع القيمة المُضافة الى نحو ستة آلاف ليرة، بكلفة إجمالية وصلت الى نحو 54 مليون ليرة (نحو 36 ألف دولار).

وبذلك تبلغ الكلفة الإجمالية لعلب الحبر وتوضيبها و«الكفوف» والشمع الأحمر الى مليار و842 مليوناً و156 ألف ليرة (مليون و228 ألف دولار) من دون أي مناقصة بحجة ضيق الوقت قبل موعد الانتخابات.

 

7000  جهاز تلفزيون

“اللوازم” تضمّنت أيضاً شراء 7 آلاف جهاز تلفزيون تُوزع على أقلام الاقتراع لعرض عمليات الفرز أمام مندوبي اللوائح. السعر المقدّر للجهاز الواحد يبلغ 170 دولاراً بكلفة إجمالية تصل الى مليون و190 ألف دولار. وبذريعة ضيق الوقت أيضاً، لم تُنظّم وزارة الداخلية والبلديات مُناقصة لشراء هذه الأجهزة، بل عمدت الى تنظيم اتفاق رضائي مع وكلاء شركة «سامسونغ» في لبنان. ويلفت مصدر مُطّلع على الملف الى أن السعر بـ«المفرّق» في السوق للجهاز نفسه الذي تصنعه الشركة نفسها لا يتجاوز 200 دولار، متسائلاً «كيف لّا تتضمّن عملية شراء 7 آلاف تلفاز تخفيضات أكبر على السعر؟»، ولافتاً الى أنه كان بإمكان الوزارة أن تبحث عن خيارات أُخرى أكثر توفيراً.

ويلفت مصدر إداري في التفتيش المركزي الى أن القاعدة العامة التي ينص عليها قانون المحاسبة العمومية تقتضي بأن تُنظّم مناقصات في مثل هذه الأمور، «إلّا أن الوزارة ارتأت أن تُنظّم عقدا بالتراضي، وهو ما يُعدّ استثناء أرسته الحكومة في القرار الرقم 9». لكن اللافت في ما يُشير إليه المصدر نفسه، هو أن عملية شراء هذه الأجهزة «تخالف بدورها القرار رقم 9 المُتعلّق بـ «معايير عقد الصفقات العامة بطريقة التراضي تطبيقا للمادتين 147 و150 من قانون المحاسبة العمومية». ويوضح أن هذا القرار جاء على خلفية «الضبط والمراقبة على الوزارات في كيفية تنظيم عقودها الرضائية»، وينصّ على تشكيل لجنة استقصاء عن الأسعار تضم مندوبا من إدارة المناقصات في التفتيش المركزي.

هذه الشروط لم تُنفّذ في عملية شراء الأجهزة، إذ لم يتم الاستقصاء عن الأسعار ولم تتشكّل اللجنة. وهذا يعني، بحسب المصدر الإداري، أن هذه العملية «خالفت القاعدة العامة التي تفرض اجراء مناقصات من جهة، وخالفت شروط الإستثناء التي أجازت تنظيم عقد التراضي»، لافتا الى أن «وزارتي الداخلية والإتصالات هما الاكثر مخالفة لشروط تنظيم العقود الرضائية. “الأخبار” حاولت التواصل مع وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق الذي لم يردّ على اتصالاتها المُتكرّرة.

 

تلفزيونات الانتخابات الماضية

في الإنتخابات النيابية السابقة، عام 2009، اشترت وزارة الداخلية والبلديات نحو سبعة آلاف جهاز تلفزيون، فأين «ذهبت»؟ تفيد المعطيات أن سوء التوضيب في «الداخلية» حال الى تلف عدد كبير منها. وقد كلفت الوزارة إحدى الشركات «مُعاينة» هذه الأجهزة لقاء 300 مليون ليرة، وتبيّن أن نحو 4000 منها لا يزال صالحاً للاستعمال، ما يدفع الى السؤال: لماذا تشتري الوزارة سبعة آلاف تلفزيون عوضا عن ثلاثة آلاف؟ وفي حال سيكون مصير هذه الأجهزة «التلف»، لماذا الإصرار على النوعية الأغلى بحجّة أنها أكثر دواماً؟