IMLebanon

لماذا ينصب “التيار” الأفخاخ لمرشحيه؟

كتبت رلى إبراهيم في صحيفة “الأخبار”:

رغم إعلان التيار الوطني الحر أسماء مرشحيه الى الانتخابات النيابية، يصعب غربلة بعضها بانتظار جلاء المفاوضات مع تيار المستقبل بشكل جدّي. مفاجأة الإعلان كانت في عدم إيراد رئيس التيار جبران باسيل اسم العميد شامل روكز ضمن الأسماء، مساوياً بينه وبين الحلفاء الآخرين.

أعلن نائب رئيس التيار الوطني الحر للشؤون الادارية، رومل صابر، في مؤتمر صحافي عقده أمس، أسماء مرشحيه الحزبيين الى الانتخابات النيابية في كل لبنان. في الشكل، بدا لافتاً أن التيار، خلافاً للكتائب والقوات، اختار الطريق الطبيعي لإعلان المرشحين من دون هرج ومرج. غير أن هذا الاعلان سيستتبع لاحقاً بإطلاق الحملة الانتخابية في 24 آذار المقبل، حيث من المحتمل أن ينضم العونيون الى نادي «المستعرضين».

وفي المضمون، يبدو أن التيار اختار منافسة نفسه لا خصومه، فنصب فخاخاً لمرشحيه بالطريقة نفسها التي كان يدفع فيها نوابه الى مخاصمة بعضهم بعضاً. وإلا ما العبرة أو الاستراتيجية السياسية من ترشيح اثنين على مقعد الأقليات في بيروت الأولى هما ميشال حبيس وأنطوان بانو؟ مصادر التيار تبرر هذه الخطوة بنتيجة الدراسات التي أظهرت «بانو في موقع متأخر، فكان أن طُلب من حبيس تقديم ترشيحه لتحفيز «الجنرال» بانو على العمل». وذلك مع العلم بأن رئيس التيار الوطني الحر قرر إطاحة مبدأ «الشخص المناسب في المكان المناسب» من أجل صديق رئيس الجمهورية ميشال عون، أنطوان بانو، الذي لا ينشط في بيروت، في حين كان أمام القيادة العونية فرصة للفوز عبر ترشيح رئيس الرابطة السريانية ومستشار الرئيس للشؤون الدينية حبيب افرام الذي يشكل ثقلاً سياسياً وخدماتياً، ويدير ماكينة السريان، ليس في بيروت فحسب بل في المتن الشمالي وزحلة أيضاً. ولكن يبدو واضحاً أنه ليس من مصلحة التيار تبنّي مرشح قوي على هذا المقعد وخفض حظوظ مرشحه الحزبي، نائب رئيس التيار للشؤون السياسية، نقولا صحناوي، على المقعد الكاثوليكي.

على خطى بيروت الأولى، أتت دائرة صيدا جزين. فقد قرر التيار منافسة نفسه على المقعد الكاثوليكي عبر مرشحَين كاثوليكيين على المقعد اليتيم، وهما جاد صوايا وسليم خوري، رغم أن اتجاه التيار، بحسب المصادر، أن يكتفي بلائحة تضم المرشحين المارونيين أمل أبو زيد وزياد أسود حتى لا تتشتّت أصواته! واللافت أن جهود صوايا الاستثنائية، المتمثلة في دعم تلفزيون «أو تي في» والصداقة مع ابنة الرئيس عون ومستشارته ميراي لم تنفعاه في إبعاد زميله سليم خوري من السباق. وللتيار أيضاً مرشح سنّي في صيدا يدعى عبد الله بعاصيري، تقول المعلومات إنه تم ترشيحه لمعاملة المستقبل الذي رشّح كاثوليكياً في جزين بالمثل.

يصعب فعلياً فهم استراتيجية رئيس التيار. تارة يزكّي الاتقسامات داخل البيت الواحد، وتارة أخرى ينتقل لـ«التنقير» على حلفائه وإراحة خصومه. ففي عاليه، يترك النائب وليد جنبلاط مقعداً فارغاً لخصمه النائب طلال أرسلان، بينما يرشح التيار درزياً يدعى سلطان فياض على مقعد حليفه المفترض الى جانب الوزير سيزار أبي خليل (ماروني) والياس حنا (أرثوذكسي)! لكنه في الشوف يؤثر عدم ترشيح درزي، تاركاً الساحة خالية أمام خصمه الاشتراكي ليسرح فيها ويمرح، وذلك بصرف النظر عن قدرته على التأثير في تلك المقاعد، سواء في عاليه أو في الشوف. وفي تلك الدائرة، يتبنّى التيار أبرز وجوهه، الوزير السابق ماريو عون وغياث بستاني على المقاعد المارونية، ومنسّق المنطقة السابق غسان عطاالله على المقعد الكاثوليكي. ولأن وزير البيئة طارق الخطيب خاض تجربة «ناجحة» في وزارة البيئة، كان أن طلب منه التيار الترشح الى الانتخابات البرلمانية!

غير أن مفاجأة يوم أمس الرئيسية كانت في إعلان ترشيحات عكار من دون ذكر اسم وزير الدفاع يعقوب الصراف الذي كان قد تقدم بترشيحه الى وزارة الداخلية. ويقال في هذا السياق إن الصراف سيسحب ترشيحه حفظاً لماء الوجه. من جهة أخرى، كشف العونيون عن مرشح سنّي يدعى هزاع سلمان الى جانب المرشح الحزبي الذي ينال تأييد القاعدة جيمي جبور (ماروني) وأسعد ضرغام (أرثوذكسي). ويضع الحزبيون ترشيح سلمان في إطار «الحيطة إذا ما اضطرينا الى تشكيل لائحة لوحدنا».

وكان لافتاً طرح اسم آخر الى جانب اسم رئيس التيار جبران باسيل في البترون هو نعمة إبراهيم. وهنا التفسير الوحيد لترشيح الأخير هو الاستفادة من المندوبين الاضافيين ومصاريف الحملة الانتخابية، لا «ديمقراطية» باسيل ورغبته في تقاسم الأصوات التفضيلية. وكما كان متوقعاً، تم إعلان ترشيح وزير الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية بيار رفول في زغرتا، وطوني مارون في طرابلس. لكن المفاجأة كانت في ترشيح سنّي في المنية يدعى محمد زريقة، رغم صعوبة أن ينضم الأخيران إلى أيّ لائحة في دائرة الشمال الثالثة.

على المقلب الكسروانيّ، تعامل رئيس التيار مع شامل روكز كـ«غريب»، فلم يورد اسمه ضمن المرشحين، مساوياً بينه وبين الحلفاء، فيما تعمّد في بعض الأقضية ذكر بعض المرشحين ولو كانوا من الحلفاء، أمثال النائب فادي الأعور في بعبدا. وفي حين كان اسم نقيب الأطباء شرف أبو شرف قد سحب من التداول، أعاده التيار الى الواجهة. وتقول مصادر القيادة إن «اسم شرف هو ضرورة في حال بروز مشكلة حول اسم روجيه عازار. وهو ما يحصل حالياً نتيجة اعتراض النائب السابق منصور البون عليه من منطلق أن كليهما من الفتوح، وبعض رؤساء البلديات هناك على عداء مع عازار. لذلك، كان لا بدّ من إبقاء الخيارات مفتوحة، لا سيما أن نقطة قوة شرف أنه من منطقة الجرد التي يفتقد التيار مرشحاً يمثلها في اللائحة». واقتصر الترشيح في جبيل على النائب سيمون أبي رميا، فيما اعتبر النائب وليد خوري ضمن الحلفاء.

ولعل النائب نبيل نقولا هو أكثر المهللين لصدور لائحة المرشحين بعد أخذ ورد طويلين حول إذا ما كان ترشحه فردياً أو بطلب من باسيل. فقد ورد اسم نقولا يوم أمس ضمن اللائحة العونية الى جانب المرشحين الثلاثة الرئيسيين: إبراهيم كنعان والياس بو صعب وإدغار معلوف. واللافت ترشيح لينا دمرجيان عن مقعد الأرمن الأرثوذكس، وهو ما وضعه التيار في خانة الطوارئ، في حال اضطر إلى تأليف لائحة منفردة جراء قرار مفاجئ للطاشناق بترك اللائحة للتحالف مع النائب ميشال المر. وقد يكون قضاء بعبدا القضاء الوحيد الذي أعاد فيه الحزب البرتقالي ترشيح النواب أنفسهم لولاية أخرى، آلان عون وناجي غاريوس وحكمت ديب وفادي الأعور.

في بعلبك ــ الهرمل، كانت التوقعات ترجّح أن يرشح التيار مارونياً، لكن المفاجأة كانت بتبنّيه ميشال ضاهر عن المقعد الكاثوليكي الى جانب مرشحين شيعيين غادة عساف وفؤاد المولى. وبذلك أغلق باسيل باب التفاوض في وجه حزب الله المتحالف مع مرشح القومي الكاثوليكي ألبير منصور (إلا في حال تخلّى عن ضاهر ودعم حليفه عن المقعد الماروني باتريك فخري)، وفتح الباب أمام تحالف مفترض مع المستقبل والقوات. ومن بعلبك الى زحلة حيث بقي التيار وفياً لنائبه السابق سليم عون الذي بادر أخيراً نحو مصالحة بعض العونيين الناقمين عليه. وفي البقاع الغربي ــ راشيا، المرشح العوني هو مستشار وزير الطاقة شربل مارون الذي يصرّ باسيل على ترشيحه، إلى جانب «مرشّح العهد» النائب السابق إيلي الفرزلي الذي لم يرد اسمه كمرشح للتيار. أما المضحك في دائرة الترشيحات، فهو مبادرة التيار الى ترشيح خمسة حزبيين (إدغار طرابلسي، طوني شاغوري، رمزي دسوم، كريم قبيسي، خليل حمادة) في دائرة بيروت الثانية، وهي الدائرة التي تكاد قوة التيار فيها تنحصر في نحو 500 صوت، لكن يبدو أنه يعتزم توزيعها على الخمسة بمعدل مئة صوت لكل مرشح.