IMLebanon

اردوغان وبوتين وروحاني: قمة لا تحرك ساكناً في سوريا

كتب كرم سعيد في صحيفة “الحياة”: 

بعد نحو أربعة أشهر على انعقاد قمة سوتشي، انعقدت أخيراً القمة المغلقة التي جمعت الأطراف نفسها؛ رؤساء روسيا وتركيا وإيران، في أنقرة، وانتهت بالاتفاق على دعم مرحلة إعادة الإعمار، والاستقرار في سوريا، وإجراء محادثات في شأن دستور جديد، وزيادة إجراءات الأمن في مناطق خفض التصعيد في مختلف أرجاء هذا البلد المنكوب. وفي هذا السياق أسست تركيا نقطة مراقبة جديدة في محافظة إدلب؛ ضمن مناطق خفض التوتر.

وناقشت قمة أنقرة تطورات الوضع في إدلب، والغوطة الشرقية؛ وسعت إلى إيجاد أرضية مشتركة بين الدول الثلاث لتحسين الوضع في سوريا. وعلى رغم مساحة التوافق الكبيرة بين الدول الثلاث إلا أن ثمة نقاط خلاف قد تجعل مقرراتها لا تحرك ساكناً في سوريا، أهمها التدخل العسكري التركي في شمال البلد، ومصير الرئيس بشار الأسد الذي تصر طهران على بقائه في السلطة، في حين تبدو موسكو أقل التزاماً في هذا الصدد، بينما ترفض أنقرة استمراره. وكذلك ملف المساعدات الإنسانية للسوريين، والذي تراه موسكو وطهران إحدى أدوات أنقرة لتعزيز نفوذها في سوريا، ولذلك أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عقب قمة أنقرة ضرورة ألا يتم “تسييس المساعدات الإنسانية في سوريا”.

في مقابل الملف السوري، طغت ملفات أخرى تبدو أكثر تعقيداً، أولها موقع واشنطن من طموحات الدول الثلاث، فثمة فتور في العلاقة مع أنقرة، وتوتر لا تخطئه عين مع طهران على خلفية التهديد بإلغاء اتفاق البرنامج النووي الإيراني؛ إضافة إلى مراوحة التفاهم بين موسكو وواشنطن في عدد معتبر من الملفات، خصوصاً الملف السوري. وتصبح توجهات الإدارة الأميركية في ملفات الإقليم محل اهتمام وقلق الدول الثلاث، بعد إعلان الإدارة الأميركية إعادة النظر في مسألة بقاء قواتها في سوريا، حيث وعد ترامب باتخاذ قرار بخصوص سحب قوات بلاده من سورية، وتزامن ذلك مع تقدم قوات الأسد في الغوطة الشرقية ومع نيات أميركية بإلغاء التفاهم النووي مع إيران وربّما توجيه ضربة عسكرية لها، وهو ما يتطلب ضرورة انسحاب القوات الأميركية أولاً من سوريا والعراق حتى لا تستهدفها طهران رداً على الضربة المحتملة. والأرجح هو أنه على رغم إرجاء إدارة ترامب قرار انسحاب سريع للقوات الأميركية من سوريا فترة غير محددة إلا أن الإعلان الأميركي ستكون له تداعيات على الأطراف المعنية، بالقضية السورية، خصوصاً تركيا، لاسيما بعد الحديث عن اتفاق محتمل بين واشنطن وباريس، تقوم بموجبه الأخيرة بالمهمة الأميركية في سوريا.

ويبدو أن ثمة اتفاقاً بين الرئيس الفرنسي وترامب في الملف السوري. وكان بارزاً، هنا، كشف النقاب عن دعم فرنسي للأكراد من خلال تبنّي باريس مبادرة وساطة بين تركيا وعناصر “قسد”، وهو ما رفضته أنقرة بشدة. كما تؤكد أنقرة أنّ هناك قواعد عسكرية فرنسية في مناطق الأكراد، وربما كان ترامب يقصد فرنسا بـ”الآخرين” الذين سيقومون بالمهمة.

ومضت فرنسا أخيراً نحو تعزيز قواتها في منبج، متحدية المطالبات التركية بوقف الدعم لقوات “قسد”. وتتجه إلى تدشين قاعدة عسكرية في منبج، قرب القاعدة العسكرية الأميركية الواقعة على خطوط التماس بين منبج والمناطق التي تسيطر عليها تركيا وحلفاؤها.

أما الملف الثاني فيرتبط بالصعود الكردي في المنطقة، والتوغل التركي في الشمال السوري، والسيطرة على عفرين، وتل رفعت. صحيح أن ثمة تنسيقاً تركياً- إيرانياً لمحاصرة حلفاء واشنطن في سوريا، خصوصاً قوات “قسد” إلا أن التمدد التركي في سوريا يُعقد المشهد المأزوم، ويعرقل جهود الحل السياسي.

وتتمدد أنقرة في الأراضي السورية تحت غطاء منع قيام دولة كردية أو فيديرالية في شمال سوريا، وإعادة ترتيب المناطق الحدودية، وإحكام السيطرة على الحدود السورية – التركية التي تصل إلى نحو 911 كم إضافة إلى قص جذور خصمها التقليدي حزب العمال الكردستاني، بجناحه السوري.

غير أن التحركات التركية باتت تثير قلق طهران، وبرز ذلك في دعوة الأخيرة عشية عملية “غصن الزيتون” التي أطلقت في 20 كانون الثاني الماضي إلى إنهاء العملية، والامتناع عن التصعيد، محذرة من أن استمرار التوغل التركي قد يؤدي إلى تقوية الجماعات الإرهابية. بينما أكدت روسيا دعم موقف النظام السوري على الصعيد الديبلوماسي في الأمم المتحدة، من عملية “غصن الزيتون”.

والأرجح أن التمدد التركي في سوريا فرض تعقيداته في العلاقة بين أنقرة، وموسكو، إذ تسعى الأخيرة إلى التوصل لاتفاق، من طريق المفاوضات بين الأكراد ونظام الأسد، وفق ما ورد في الاقتراح الروسي لعقد مؤتمر للحوار الوطني السوري في سوتشي، ناهيك عن رغبة موسكو في الحفاظ على الورقة الكردية حتى تبقى شوكة في خاصرة الطموحات التركية في سوريا .

أما إيران، فعلى رغم مشاركتها أنقرة المخاوف من الطموحات الكردية إلا أنها قلقة من الوجود التركي في سوريا، في ظل رفض أنقرة بقاء الأسد في المشهد، إضافة إلى خشية طهران من نجاح تركيا في فتح جبهة أخرى في منبج، أو حتى على الضفة الشرقية من نهر الفرات، وهو ما يمكن أن يشكل تهديداً للمعاقل الساحلية الشمالية للنظام السوري، وربما يعيق الطموح الإيراني في التقدم نحو البحر المتوسط لربط مناطق النفوذ الإيراني في سوريا، والعراق، ولبنان.

وهنا يمكن فهم مغزى تصريحات روحاني في قمة أنقرة، حيث شدد على ضرورة أن تقوم تركيا وحلفاؤها بتسليم عفرين إلى جيش النظام السوري، وأضاف: “التطورات الجارية في عفرين لن تكون مفيدة إذا أخلّت بوحدة الأراضي السورية”.

في هذا السياق العام، ثمة مخاوف روسية – إيرانية من الحضور التركي في سوريا، وهي قابلة لأن تتعمق إذا قررت واشنطن الانسحاب من سورية، وتمكنت أنقرة من دخول منبج، الأمر الذي يعنى تنامي نفوذ تركي أكبر في إعادة هندسة الأزمة السورية على حساب مصالح روسيا وإيران.