IMLebanon

أزمة “سعودي أوجيه” تخصم من رصيد “المستقبل”

كتب توم بيري/ علي حشيشو في صحيفة “العرب” اللندنية:

قبل تسع سنوات، حظي يوسف سنجر، الموظف اللبناني في شركة سعودي أوجيه، برحلة جوية مدفوعة من السعودية إلى لبنان، وتحديدا إلى مدينته صيدا الواقعة في جنوب لبنان، من أجل المشاركة في الانتخابات البرلمانية.

وباعتباره موظفا في شركة سعودي أوجيه للإنشاءات التي كانت أعمالها مزدهرة في ذلك الوقت وتملكها أسرة الحريري لم يكن هناك أي شك في أنه سيصوت لكتلة رئيس الوزراء سعد الحريري.

من سنة 2009، إلى سنة 2018، طرأت الكثير من الأحداث والتغيرات على لبنان. ودخل البلد في حالة من الاستعصاء السياسي بسبب الانقسامات السياسة الداخلية، التي تصاعدت في ما بعد على وقع الأزمة السورية.

بالتزامن مع ذلك، كانت شركة سعودي أوجي تمر بأسوأ فتراتها، من حيث الإهدار وسوء الإدارة والفساد. وتصاعدت الأزمة، ووصلت حدّ عدم دفع رواتب وأجور الآلاف من الموظفين لعدة أشهر.

واليوم، يطل شبح هذه الأزمة ليؤثر على رصيد الحريري في الانتخابات البرلمانية.  يتوضح ذلك من خلال مثال يوسف سنجر الذي يؤكد أنه لن يعطي صوته مرة أخرى لسعد الحريري أو لأي مرشح من كتلة تيار المستقبل، هو والعشرات من أفراد عائلته.

وقال موظفون سابقون في سعودي أوجيه إنه تمت إحالتهم إلى وزارة العمل السعودية في ما يتعلق بالتعويضات. وشكلت الرياض لجنة خاصة لإدارة إعادة جدولة ديون الشركة حسبما قال مصدران مطلعان. وقال أحدهما إن الحكومة تريد أن يكون دفع تعويضات الموظفين أولوية.

تتجاوز قضية سعودي أوجيه بعدها المالي وإطارها الخاص الذي هو توتر بين موظفين ومسؤولين في شركة تمر بأزمة، لتأخذ بعدا سياسيا إقليميا، وتدخل ضمن دائرة الأزمة الأوسع في البلاد والمنطقة. وقد عكس موقف الموظف يوسف سنجر حالة الصدع التي شهدتها العلاقة الوثيقة بين السعودية ولبنان، وكان الكثير من مظاهرها يمر عبر أسرة الحريري.

مع تركيز اهتمام الرياض على اليمن، واستفادة حزب الله من الأزمة السياسية في لبنان، عززت طهران نفوذها في لبنان من خلال دعمها غير المقيد لجماعة حزب الله المسلحة. وأحدث هذا التغير تعديلا في ميزان القوى على المسرح السياسي اللبناني فعكس سنجر وأسرته هذا التحول.

وقال سنجر إن سعودي أوجيه توقفت عن دفع مرتبه في العام 2015 وإنه عاد إلى صيدا بعد ذلك بعام لكنه ظل يواجه صعوبات في تسيير أموره، وهو يعتزم التعبير عن استيائه بعدم التصويت في الانتخابات البرلمانية التي تجري الأحد القادم.

ورغم أنه من المرجح بقاء الحريري رئيسا للوزراء بعد الانتخابات فمن المتوقع أن يفقد مقاعد لصالح منافسين من بينهم بعض المرشحين المتحالفين مع حزب الله وفي وقت يتجه فيه المجتمع الدولي إلى تحجيم دور إيران وتدخلاتها في المنطقة من خلال الدعم الذي تقدمه للميليشيات والجماعات المسلحة، وحزب الله الذي يواجه بدوره مواقف دولية صارمة بسبب ملفات كثيرة كقضية تبييض الأموال عبر أميركا اللاتينية وتجارة السلاح ودوره في سوريا.

ما يزيد من صعوبة التحدي الذي يواجهه تيار المستقبل نظام التصويت الجديد الذي يعني أن حليفا لحزب الله (أسامة سعد الذي نال في الدورة السابقة نحو ثلث أصوات المدينة ورسب) في وضع يتيح له الفوز بواحد من المقعدين المخصصين للسنة ويشغلهما تيار المستقبل منذ عام 2009.

ربما تحدث خسارة من خسائر الحريري في صيدا التي استفادت من تحويلات دولارات النفط. فعلى مدى العشرات من السنين ظلت سعودي أوجيه توظف العاملين بكثافة من صيدا، وستتضرر المدينة من انهيار الشركة. قال ناصر حمود، منسق تيار المستقبل في جنوب لبنان، “لا يمكن أن ننكر أننا تأثرنا كمجتمع”.

ويقدر حمود أن الأزمة كان لها تأثير مباشر على ما بين ثلاثة آلاف و3500 شخص في صيدا، وهم نحو 800 من العاملين في سعودي أوجيه وأسرهم.

لكن حمود لا يزال يعتقد أن هؤلاء سيدعمون تيار المستقبل في الانتخابات، وذكر أن رفيق الحريري، الذي ولد في صيدا وشقيقته بهية الحريري، وهي عضو في البرلمان عن صيدا منذ عام 1992، كانا يرسلان العاطلين من سكان المدينة للعمل في أوجيه بشكل منتظم.

قال رامي قاسم ماضي، الذي يدير مؤسسة عقارية في صيدا، إن شراء موظفي سعودي أوجيه للمنازل كان يمثل ثلث إيراداته في يوم ما.

وأضاف ماضي، الذي انخفضت القوة العاملة لديه بواقع النصف منذ 2016، “كانت صدمة كبيرة. كنا نعتقد أن اللبناني الذي يسافر إلى الخليج يجمع الأموال في حقائب”.

كما تضررت أيضا المؤسسات الخيرية التي تديرها أسرة الحريري في صيدا واضطرت عيادتان كانتا تقدمان خدمات الرعاية الصحية مدعمة، لإغلاق أبوابهما قبل 18 شهرا.

وقال حمود إن إحداهما ستعاود فتح أبوابها بعد الانتخابات. وسافر سنجر من صيدا إلى السعودية في 2003. وأتاحت له وظيفته في إدارة خدمات الدعم اللوجستي بالشركة أن يعلم أولاده في مدارس دولية ويعيل أسرته في لبنان ويشتري منزلا في صيدا.

وعندما لم يعد يتقاضى مرتبه وجد سنجر عملا بشكل غير رسمي في السعودية وباع جهاز الكمبيوتر المحمول الخاص به ثم نقل أولاده إلى مدارس أقل تكلفة قبل أن يضطر لبيع أثاث منزله.

ودفعت له إحدى شقيقاته ثمن تذكرة سفره عندما عاد إلى البلاد في نهاية المطاف. ولم يستطع أن يدفع باقي أقساط بيته في صيدا فتم الحجز على المنزل. ويقول سنجر إن سعودي أوجيه تدين له بما بين 50 ألفا و60 ألف دولار من راتبه الذي لم يتقاضاه بالإضافة إلى التعويضات. ويهدف سنجر للهجرة إلى أوروبا.

أكد حمود على أن تيار المستقبل وسعودي أوجيه كيانان منفصلان وأن المساعي مستمرة لتوفير وظائف للبنانيين العائدين من السعودية وإن حقوق الموظفين السابقين محفوظة وإنه سيكون هناك حل للجميع. وقال حمود إن المساعي مستمرة لتوفير وظائف للبنانيين العائدين من السعودية. وسعى بعضهم للحصول على مساعدة من المنافسين السياسيين لتيار المستقبل.

وقال أسامة سعد، وهو سياسي سني يعتبر نفسه جزءا من “محور المقاومة” الذي تقوده إيران، “الكثير من موظفي سعودي أوجيه لجأوا إلينا”. واعتبر أنصار الحريري أن ذلك يصب في مصلحة إيران.

وقال مسؤول كبير في تيار المستقبل “إنه قانون الفيزياء. أي فراغ لا بد أن يملأه شيء ما”. وأضاف “عندما نُسأل كيف حال السنة في لبنان.. أقول إنها معجزة إنهم مازالوا على أقدامهم”.