IMLebanon

خارطة التحالفات والمحاور الجديدة!

يتفق الجميع على أن مرحلة سياسية جديدة بدأت بعد الانتخابات التي لم تسفر فقط عن مجلس نيابي جديد، وإنما حملت معها تغييرا في خارطة القوى والتوازنات وفي قواعد اللعبة، ويتفق الجميع أيضا على أن حقبة 8 و14 آذار قد انتهت وأن عملية التحالفات والفرز والاصطفاف السياسي ستتم وفق أسس وحسابات جديدة يدخل فيها عنصران أساسيان: نتائج الانتخابات وميزان القوى السياسي الجديد.

وفي المشهد السياسي الجديد تبرز المعطيات التالية:

1 ـ بروز معالم «ثنائية مسيحية» على غرار «الثنائية الشيعية» مع فارق أن الأولى «تنافسية» والثانية «تكاملية»، ومع فارق آخر هو أن الثنائية المسيحية هي نتاج عملية ديموقراطية انتخابية على الساحة المسيحية التي شهدت حيوية وأخذت فيها اللعبة الانتخابية كل مداها، فيما الثنائية الشيعية هي نتاج عملية تحالفية وأمر واقع مفروض منذ سنوات في الساحة الشيعية المقفلة على التغيير والمفتقرة الى هامش حركة ومنافسة حتى في ظل القانون النسبي، بحيث لم يشعر ناخبو الطائفة الشيعية بالفارق وأنهم انتقلوا من نظام انتخابي الى آخر.

ما حدث في هذه الانتخابات أن التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية اختزلا الى حد كبير التمثيل المسيحي على مستوى كل البلاد، وتحولا، كل من جهته وعلى طريقته، الى محوري استقطاب في اللعبة السياسية.

ترافق ذلك مع خروج شخصيات سياسية بارزة ومستقلة أكثرها كان ينتمي الى «مسيحيي 14 آذار» (بطرس حرب ـ ميشال فرعون ـ فارس سعيد).

إذا كان «الثنائي الشيعي» أرسى تحالفا راسخا متينا غير قابل للانفكاك، فإن الثنائي المسيحي في وضع مختلف والتفاهم الذي أبرمه الطرفان وأعلن من معراب، لم يعد كافيا لحمل متغيرات وضغوط هذه المرحلة إذا لم يصر الى تطويره واستكماله وفي ثلاثة اتجاهات: النظرة الى مشروع الدولة وعملية إعادة بنائها، طريقة إدارة الحكم والسلطة في المرحلة المقبلة، كيفية إعادة بناء الثقة بين القوات والتيار.

2 ـ ثمة ثنائية سياسية انبثقت عن التسوية الرئاسية ونمت قبل الانتخابات، هي ثنائية «عون ـ الحريري» أو ما يفضل كثيرون تسميتها ثنائية «الحريري ـ باسيل» أو «المستقبل ـ التيار الوطني الحر».

وهذه الثنائية التي رسخها التحالف الانتخابي تستمر بعد الانتخابات لأن الرئيس سعد الحريري يحتاج الى الرئيس ميشال عون لإقامة حد أدنى من توازن سياسي بوجه حزب الله، ويحتاج الى جبران باسيل في «تحالف سلطوي»، خصوصا بعدما خرج باسيل أقوى من هذه الانتخابات ومع تكتل نيابي «فضفاض»، لكنه في وضع سياسي محاصر ويواجه مشاكل مع الجميع تقريبا باستثناء الحريري.

هذه الثنائية (الحريري ـ باسيل) تستدرج فرزا واصطفافا جديدا في مواجهتها، بحيث ينشأ تكتل قوى سياسية منزعجة أو متضررة من هذه الثنائية وتريد إحداث فك ارتباط بين قطبيها وكسرها لكسر ما تعتبره «هيمنة واستئثارا في الحكم».

ولذلك ترتسم مقابل هذه الثنائية خماسية «أمل ـ الاشتراكي القوات ـ المردة ـ العزم»، ويكون الرئيس نبيه بري هو الحاضنة والمظلة لهذا التكتل العابر للطوائف والمناطق.

أما حزب الله، فإنه يتولى إدارة اللعبة والتوازن السياسي الدقيق بين هذين المحورين متمسكا بتحالفه مع التيار الوطني الحر، متفهما لظروف الحريري ولحالة بري.

3 ـ هناك من يستبعد تأثيرا لـ «الثنائي المسيحي» المتنافس فيما بينه، ومن يستبعد تحكما مستداما للثنائي الحريري ـ باسيل، ويرجح أن يقوم حزب لله باستعادة زمام المبادرة وتولي دور قيادي مرجعي والقيام بعملية لملمة وترتيب أوضاع داخل فريقه ويعمل على احتواء خلافات باسيل مع نبيه بري وسليمان فرنجية.

ويرى أصحاب هذا الرأي أن تحالف 8 آذار مازال قائما بخلاف تحالف 14 آذار الذي «تبخر»، وأن الحزب حريص على حليفه المسيحي وعلى استثمار الواقع الجديد والوضع المتقدم في الحكم، ولكن التيار الوطني الحر الذي طالما أنكر انتماءه الى فريق 8 آذار مكتفيا بتحالفه مع حزب لله، فإنه يفضل التوجه كقوة مسيحية أساسية الى لعب دور «عامل توازن» بين حزب الله القوة الشيعية الأبرز وتيار المستقبل القوة السنية الأبرز.

أما العودة الى ما يشبه اصطفاف 8 و14 آذار، فليست واردة إلا مع نشوء متغيرات إقليمية جذرية.