IMLebanon

لبنان إلى الشيخوخة: نحو مدن “صديقة” للمسنّين

كتبت ريم طراد في صحيفة “الأخبار”: 

«بحلول عام 2025، يتوقع أن يشكل المسنّون في إقليم شرق المتوسط نحو 8.7% من السكان، وبحلول عام 2050 نحو 15%». أرقام منظمة الصحة العالمية هذه، تؤكّد الضرورة الملحّة لتأمين حياة لائقة لكبار السن الذين يشكّلون شريحة سكانية تتوسع باضطراد. وهو ما دفع المنظمة، منذ عشر سنوات، إلى إصدار «دليل المدن العالمية المراعية للسن». وطُبّق بروتوكول البحث في هذا الدليل في 33 مدينة حول العالم، بينها طرابلس.

ما هي «المدن المراعية للسن»؟ بحسب الدليل، ترتكز هذه المدن على فكرة «التشُّيخ النشط»، أي «رفع فرص الصّحة والمشاركة والأمان إلى أقصى حّد من أجل تعزيز جودة الحياة مع تقّدم العمر». ويتطلب ذلك تنفيذ قائمة من المتطلّبات على صعدٍ مختلفة منها المساحات الخارجية والعمران، قطاع النقل، الخدمات الصحية، المشاركة الاجتماعية… فمن بين الأمور التي شكا منها المسنّون، أثناء إعداد الدليل مثلاً، الضوضاء وعدم وجود أماكن للاستراحة في مدنهم أو عدم احترامهم. عليه، يمكن اختصار فكرة هذه المدن، ببساطة، بأنها تلك لا يشعر فيها كبار السن بأنهم غير مرحب بهم، سواء عبر غياب التجهيزات المناسبة لهم أو عبر طريقة تعامل أهلها معهم.

من الأمثلة الكثيرة التي يطرحها الدليل لتطبيق مدن صديقة للسن: توفير مقاعد في الأماكن العامة (الطرقات، الحدائق، ومواقف وسائل النقل) وصيانتها بانتظام وتكون متاحة للجميع؛ إشارات مرور مرئية وصوتية؛ توفير مراحيض عامّة في مواقع يسهل الوصول إليها. وللخدمات أيضاً معايير خاصة إذ يجب أن تكون قريبة من مساكن المسنين (وهذا أمر غير واضح في لبنان حيث باستثناء دور الراحة ما من أماكن محدّدة لسكن للمسنّين)، ويسهل الوصول إليها كأن تكون في الطابق الأرضي مثلا. وهناك أيضاً معايير معينة لوسائل النقل كي تكون «صديقة للمسن»، كأن تتوافر في كل المناطق بسعر مقبول وأن يتيح تصميمها لكبار السن الصعود إليها بسهولة. ويشير الدليل الى المشاركة المجتمعية، ومن المعايير التي يجب أن تتوفر فيها معالجة إنعزال المسنين وإتاحة الأنشطة أمامهم من خلال تسهيل توقيتها أو مكانها.

عام 2017، بدأت وزارة الشؤون الاجتماعية العمل على مشروع «المدن الصديقة للمسنّين» في مدينة زغرتا ــــ الزاوية كتجربة نموذجية ستوثَّق في دليل توجيهي يفترض أن تصدره الوزارة هذا العام لتتمكن بقية المدن من الاستفادة منه. إذ يمكن اعتماد المنهجية نفسها في أي مدينة مع تكييفها وفق حاجات كلّ منها.

رئيسة مصلحة الشؤون الأسرية في الوزارة فرناند أبو حيدر شدّدت على أن فكرة هذه المدن تنطلق من نقطة أساس وهي أنّ «كبير السن ليس عاجزًا ولا عالة، بل يمكن أن يكون منتجًا». وأشارت الى أنّ أوّل لقاء في زغرتا جرى مع كبار السن من خلفيات متعدّدة، لتفهّم حاجاتهم الأساسية، وتلت ذلك ورش عمل عدة مع مختلف القطاعات لتبادل الاقتراحات العمليّة، وسيكون ختامها ورشة مع أصحاب القرار ومسؤولي البلدات والنقابات في المدينة.

نتائج العمل لا يمكن ملاحظتها بين ليلة وضحاها بحسب أبي حيدر، «لأن من أصعب الأمور تغيير السلوكيات والثقافة، وما تقوم به الوزارة ليس خدمة سريعة بل تغيير سلوكي في النظرة النمطية السائدة تجاه كبير السن». لكنها أشارت إلى أنّ تغييرات سريعة يمكن أن تبدأ بالظهور في بعض القطاعات كالقطاع الصحي، لافتة الى أنه في الشق التربوي مثلاً، قامت جامعات ومدارس عدة العام الماضي بنشاطات تُعنى بالمسنين.

المشروع الذي يشارك فيه خبراء الهيئة الوطنية الدائمة لرعاية شؤون كبار السن في الوزارة «بالغ الأهميّة» بحسب أبي حيدر، لأنّ «جزءاً من التنمية الاجتماعية قائم على استثمار قدرات الأفراد بمن فيهم كبار السنّ»، كما أنّ «المدينة الصديقة للمسنّين هي حكماً صديقة لكافة الأعمار والشرائح، كالأطفال أو ذوي الاحتياجات الخاصة».

متطلّبات تحقيق هذه المدن تتوقّف على رغبة بقية الوزارات أو السلطات المحلية في التغيير، كما في جعل قطاع النقل مثلاً أكثر ملاءمةً للمسنّين، وعلى رغبة المجتمع نفسه بذلك. على أن ما يجعل إقامة مثل هذه المدن ملحاً هو ما انتهت اليه دراسة لصندوق الأمم المتحدة للسكان (UNFPA)، نهاية عام 2017 تحت عنوان «العالم العربي أمام تحديات شيخوخة السكان: أدوار الحكومات والمجتمع والأسرة». إذ أشارت إلى أن لبنان سيشهد بحلول سنة 2030 النسبة الأكبر بين البلدان العربية من كبار السن (20% من اللبنانيين سيكونون فوق الستين).