IMLebanon

عندما يسدّد الحريري وجنبلاط و”حزب الله” فاتورة الزرّ التفضيلي

كتب نقولا ناصيف في صحيفة “الأخبار”:

الصائب في وصف قانون الانتخاب انه سخر من واضعيه وتلاعب بهم في 6 ايار 2018، بعدما اعتقدوا ـ وتوقعوا ـ في 16 حزيران 2017 عند اقراره انه لعبة صغيرة بين ايديهم. ليس قليلاً القول عنه انه كيدي، شامت اكثر مما ظُنَّ واوحى

في قانون الانتخاب من الثغر في النص، مقدار ما اثمر فضائل عند التطبيق. ثبت ان قبضته الحديدية هي الحاصل، لا الاصوات التفضيلية التي خيضت باسمها معارك ضارية بين حلفاء اللائحة الواحدة، بعضهم في وجه البعض الآخر. فرض الحاصل وحدة التحالف واللائحة، والصوت التفضيلي تفكيكهما. فإذا «مؤامرة» القانون تقيم في الشرط الذي حتّمه الحاصل ويستمد منه قوته، وهو الاقبال على الاقتراع. عندما يتقلص، تُفتح ابواب الحظ امام اللوائح الصغيرة كي تتأهل، وعندما يرتفع، تخرج من السباق كي يقتصر على اللوائح الكبرى. ذلك ما راهن عليه معظم الزعماء وقادة اللوائح الكبرى، اذ بدوا يخوضون معركة الحاصل اكثر منهم الصوت التفضيلي.

على نحو كهذا، فُهِم التصعيد المفاجىء في حملات التحريض والتسعير السياسي والمذهبي بغية اجتذاب اوسع قاعدة من الناخبين. اخفى الرئيس سعد الحريري صراعه مع حزب الله الى ان احتاج اليه في الحاصل الانتخابي، فادخل انتخابات 2018 في شعارات انتخابات 2005 و2009 واتكل على اسم والده الرئيس رفيق الحريري واغتياله. عثر الوزير جبران باسيل على ضالته في حزب القوات اللبنانية لتجييش الناخبين المسيحيين واجتذابهم الى الصناديق باسم نزاعات الماضي التي لا تنطفىء. بدوره، النائب وليد جنبلاط، من دون ان يكون في صدد اي مواجهة مع احد، اطمأن الى سهولة انتقال الزعامة منه الى نجله تيمور، كما لو ان الشارع الدرزي يهضمه بسهولة في ظل طغيان زعامة الاب وحضوره، هو الذي تمرّس على تجربة الفجيعة في الانتقال، فإذا به يختبره سلمياً للمرة الاولى. احتاج حزب الله ايضاً الى رفع الصوت عالياً في البقاع الشمالي.

خاض الافرقاء معركة الحاصل، بيد ان التوقعات لم تأتهم سوى بإقبال هزيل، انتهى الى 49،2%، فتح ابواب الحاصل امام الجميع.

عندما وُضع قانون الانتخاب، وجد البعض الصوت التفضيلي زراً يسهل تخييط البذلة عليه، كي تفضي الانتخابات الى ما توخاه واضعوه جميعاً، بلا استثناء.

لم يكتفِ الاقبال الهزيل على الاقتراع بخذلان اكثر من فريق، واكثر من زعيم، حيال النتائج التي الحقها بكتلهم، بل نقل الصراع الى داخل الكتل الكبرى نفسها والى الطوائف بسبب مباشر منه، او بذريعة نجمت عن التداعيات السياسية للارقام. افاق الجميع على واقع مختلف حمل اكثر من جرس انذار.

بعدما خرج افرقاء انتخابات 6 ايار منهكين، انفجرت امامهم آثارها السياسية القريبة، بعيداً من ارقام الفرز والنتائج النهائية: ازمات كيانية حقيقية لدى اربعة رئيسيين على الاقل، وإن بدا ان ثمة فريقاً واحداً فقط، ربما، كان الرابح غير المعلن. لم يُصب بقروح الاستحقاق ولا ترك فيه ندوباً، الاكثر اطمئناناً الى ارض يقف عليها: الرئيس نبيه برّي بخوضه انتخابات «أكثرية» في الدوائر الثلاث في الجنوب، برغم تسجيل تراجع في الصوت التفضيلي لمرشحي حركة أمل بالمقارنة مع حليفهم حزب الله، خصوصا في دائرة الجنوب الثالثة.

اولى الازمات الكيانية عند الحريري، افصحت عنها اجراءات «محاسبة» ــــ كما قال ــــ عندما عاقب المسؤولين عن حملاته الانتخابية في بيروت وباقي الأقضية والمحافظات. ليس قليل الاهمية ان الزعيم الاول للسنّة منذ انتخابات 2005 و2009 يحلّ الثاني في الاصوات التفضيلية التي يحوزها في عاصمة زعامته، ويتقدّم عليه مرشح حزب الله بالذات النائب امين شري. ليس قليل الاهمية القول ان سحراً هبط في الساعات الاخيرة انقذ المقعدين السنّي والدرزي من السقوط، وان وزير الداخلية نهاد المشنوق كان السنّي السادس والاخير في اللائحة الحريرية.

ثانية الازمات الكيانية، انفجار الطائفة الدرزية للمرة الاولى من الداخل بين النائبين وليد جنبلاط وطلال ارسلان، وبين ارسلان والوزير السابق وئام وهاب، وبين جنبلاط ووهاب. ليس قليل الدلالة ان يحوز تيمور جنبلاط نجل زعيم المختارة في اول موطىء قدم في السلطة المرتبة الرابعة في ترتيب الفائزين في اللائحة، ويحل مروان حمادة ونعمة طعمة في المرتبة الثامنة والتاسعة. ليس سراً ان اصواتاً تفضيلية اعطاها جنبلاط الاب لحمادة وطعمة انجدتهما بالفوز، فيما تقدّم وهاب(7340) على حمادة(7266) باصواته التفضيلية. ليس سراً ايضاً ان جنبلاط الاب تخوّف من تقدّم حمادة على نجله في اول انتخابات نيابية يخوضها شأن تقدّمه عليه هو في انتخابات 2000، فإذا المشكلة تكمن في عدم اقبال الناخبين الدروز، اولاً، على صناديق الاقتراع. بعد تصويتهم في انتخابات 2009 بنسبة 59%، اهملوا صناديق 2018 وحضر 50% منهم فقط. من المؤكد ان جنبلاط الاب تحوّط للثغرة عندما اطلق من بعقلين، بلا اي مبرر، صرخته عشية الانتخابات محذراً من تكرار تجربة 1957. كان يلمح عن توجسه من وصول نجله الى مقعده ضعيفاً اكثر منه توقعه سقوطه شأن سقوط جده كمال جنبلاط في انتخابات 1957. مع ذلك، باستثناء النائب اكرم شهيب، حل رجال جنبلاط الاب في آخر سلم مراتب الفوز.

شأن الحريري، تلقف جنبلاط رسالة ناخبيه الذين اعتادوا الالتصاق ببيته: بينهم مَن تغيّب اعتكافاً، ومَن صوّت لخصومه اعتراضاً.

ثالثتها كانت عند حزب الله في دائرة بعلبك ـ الهرمل. نجح في معظم دوائر حلفائه، وحاز للمرة الاولى حصة سنّية لا يستهان بها وغير مسبوقة، الا انه اوشك ان يجبه كارثة في دائرته الأم، في وقت كان برّي يقود معركة دوائر الجنوب. كاد رئيس اللائحة الوزير حسين الحاج حسن والنائب ابراهيم الموسوي يدفعان ثمن مقعديهما في المرتبتين الخامسة والسادسة الاخيرتين للمقاعد الشيعية الستة، في اكثر من دلالة الى ان الصوت التفضيلي الشيعي كاد ـ للمرة الاولى حيال حزب التصق اسمه بالمقاومة في وجدان جمهوره ـ ان يتخلى عنه بدءاً برئيس اللائحة. فسّر ذلك الحملات التي اطلقها قادة الحزب سلفاً في الحض على الاقتراع.

رابعة الازمات كانت لدى الفريقين المسيحيين اللذين عُدّا ابرز الرابحين وافضلهم حظوظاً: التيار الوطني الحرّ بارتفاع عدد نواب تكتله العريض من 20 نائباً الى 29، وحزب القوات اللبنانية بحصوله على ضعفي نوابه الملتزمين من خمسة مقاعد الى 15. مع ذلك، انفجرت حرب معلنة بين الحليفين المسيحيين اللذين تواطأا على التخلص من النواب المستقلين والاحزاب المسيحية الاخرى، كي يحصرا بهما التمثيل المسيحي. بيد انهما اضحيا وجهاً لوجه، واعادا نبش ماضي نزاعاتهما كما لو انهما يحتاجان اليه دائماً في الصراع على السلطة.