IMLebanon

برلمان 2018 ينطلق برئاسة بري ومشهد سياسي جديد

كتبت صحيفة “الأنباء” الكويتية: دخل الرئيس نبيه بري موسوعة غينيس للأرقام القياسية كصاحب أطول فترة زمنية يمضيها رئيس مجلس نيابي في العالم ومن دون انقطاع. الرئيس بري رئيس دائم ومدى الحياة للمجالس النيابية المتعاقبة بعد الطائف منذ العام 1992، عايش ثلاثة أجيال: جيل نواب ما قبل الطائف (الآباء) الذين لم يبق منهم إلا النائب ألبير منصور، جيل نواب ما بعد الطائف (الأبناء).

وجيل الشباب اليافع الداخل حديثا و«وريثا» الى مجلس النواب (الأحفاد). لم يكن الرئيس نبيه بري ليمكث كل هذه الفترة الزمنية الطويلة لو لم يكن متمتعا بـ«النباهة» والحنكة والمهارة في إدارة اللعبة السياسية بكل ما تحفل به من تناقضات وتوازنات، مظهرا قدرة فائقة على فهم المعادلات والتكيف مع الظروف وتدوير الزوايا واجتراح الحلول والمخارج، ومثبتا أنه الثابت وسط متغيرات، وأنه يستمد دوره من قوة ذاتية أولا، هذا الدور الذي لم يضعف حتى بعد خروج السوريين من لبنان، لا بل ازداد حضورا وتميزا.

في الاستحقاقات الدستورية لم تشكل رئاسة مجلس النواب أي مشكلة أو أزمة، في حين كانت رئاسة الجمهورية تغرق لأكثر من مرة في «فراغ طويل»، وكانت رئاسة الحكومة موضع تجاذبات ومساومات في أكثر الأحيان. وعندما انقسمت البلاد عموديا بين 8 و14 آذار، كان الرئيس بري الوحيد الذي شكل نقطة تقاطع وتلاق بين الفريقين وأقام جسر حوار وتواصل، بدءا من أول جولة حوار في ساحة النجمة عام 2006. وعندما حدث انقسام وتقاتل بين السنة والشيعة في زمن الربيع العربي، كان الرئيس بري يتباهى بأنه هو من هندس واستضاف الحوار السني ـ الشيعي (حوار عين التينة بين تيار المستقبل وحزب الله). وكل مرة كانت تدق ساعة التسوية في لبنان كان بري الأسرع الى ملاقاتها والتقاط الإشارات الأولى، هذا ما حصل في العام 2008 (اتفاق الدوحة)، وهذا ما حصل في العام 2016 (التسوية الرئاسية) عندما التزم بالتسوية وقواعد اللعبة، بداء من انتخاب عون رئيسا للجمهورية مع أنه لم يكن يريده.

الرئيس نبيه بري «رئيس عتيق» لمجلس نيابي جديد ومتجدد. بري باق كما هو في موقعه وحجمه ودوره، ولكن مع مشهد سياسي متغير. فما بعد الانتخابات «النسبية التفضيلية» ليس مثل ما قبلها، وقد انتهت الى النتائج والخلاصات التالية:

1ـ انتقال الأكثرية النيابية للمرة الاولى منذ العام 2005 من ضفة 14 آذار الى ضفة 8 آذار، أو بتعبير آخر من فريق المستقبل وحلفائه الى فريق حزب الله وحلفائه.

2 ـ حيازة الفريق المسيحي، وللمرة الأولى منذ الطائف، على الثلث المعطل في مجلس النواب، انتخابات 2018 أسفرت عن اختزال التمثيل المسيحي في قوتين أساسيتين هما التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية اللتين تحوزان مجتمعتين على 44 نائبا. المسيحيون وصلوا الى وضع سياسي شبيه بما وصل إليه الشيعة من ثنائية حزبية مسيطرة ولكن مع فوارق مهمة تتمثل أولا في أن الثنائية الشيعية متماسكة ومتراصة ومتكاملة بينما الثنائية المسيحية متنافسة ومنقسمة. وثانيا أن حزب الله ممسك تماما بالوضع الشيعي الى حد إلغاء أي تمثيل نيابي شيعي خارج «أمل» وحزب الله، ولكن لن يكون بإمكان أي حزب مسيحي فعل ذلك في بيئة التنوع السياسي سمتها وميزتها الأساسية.

3ـ عودة وجوه ورموز برزت في مرحلة ما قبل العام 2005 (مرحلة الوصاية السورية) واضطرت الى الانكفاء ولم يعد لها مكان ودور في زمن المتغيرات وتبدل موازين القوى (جميل السيد ـ عبدالرحيم مراد ـ إيلي الفرزلي ـ جهاد الصمد ـ فيصل عمر كرامي ـ أسامة سعد ـ عدنان طرابلسي)، هؤلاء النواب الجدد أعطى فوزهم انطباعا أن النفوذ السوري مازال «حيا يرزق» وبأن مفاعيل مرحلة ما بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري قد انتهت.

4ـ إذا كانت التسوية الرئاسية مستمرة بمفاعيلها وتوازناتها الأساسية، فإن المشهد السياسي لن يبقى كما كان في العامين الماضيين وستطرأ تعديلات على العلاقات والتحالفات بدأت تطل برأسها، والبداية مع حصول تحول إيجابي مفاجئ في أجواء العلاقة بين بري وباسيل، ومع دخول علاقة الحريري وباسيل في «إعادة صياغة»، وعودة وصل ما انقطع بين الحريري وجعجع. واضح أن عملية إعادة ترتيب داخلي للأوضاع وعملية تجميع للأوراق تجري على إيقاع صراعات محتدمة وأوضاع متأزمة في المنطقة.