IMLebanon

ألبير منصور: لا وزارة مكرسة لطائفة

كتب غالب أشمر في صحيفة “الحياة”:

«حين دخلت المجلس النيابي، انتابني شعور ممزوج بألم وغصة. الوجوه التي دخلت معها البرلمان في العام 1972 غابت كلها، فأحسست بضيق شديد». هذا ما قاله لـ «الحياة» النائب عن دائرة بعلبك- الهرمل ألبير منصور عندما حضر الجلسة الأولى للمجلس النيابي الجديد الأربعاء الماضي، والتي أعيد فيها انتخاب الرئيس نبيه بري رئيساً للمجلس. وزاد: «رافقني في الوقت ذاته انزعاج آخر، تمثل بقانون الانتخاب، وهو أسوأ ما مرَّ في حياتي، إذ خضت كل الانتخابات منذ العام 1964 وحتى 2005، ولم أر مثيلاً له، من حيث التمحور والتجييش المذهبي والطائفي، الذي فتت الوطنية، وذهب بكل ما أنجز على صعيد المواطنة والوطنية، وحتى في أسوأ أيام الحرب الأهلية لم نر هذا التصرف التعصبي الأعمى طائفياً فيما الصوت التفضيلي بدخوله على النسبية، شوهها وقضى عليها». لذلك، يتابع منصور: «القانون يحتاج إلى تعديل سريع، والعودة إلى أصول اتفاق الطائف الذي يفرض مجلساً وطنياً خارج القيد الطائفي ويحصر الطائفية بمجلس شيوخ محدد الصلاحية، والمطلوب مع تعديل قانون الانتخاب لتطبيق اتفاق الطائف، مجلس خارج القيد الطائفي، وأن يتزامن ذلك مع قانون اللامركزية الإدارية الموسعة الذي يعطي حداً أدنى من الاطمئنان للبنانيين».

منصور الوحيد الباقي في البرلمان من المشاركين في صوغ اتفاق الطائف، (كان بطرس حرب في المجلس السابق) يجيب عن سؤال «الحياة»: من أين يجب أن نبدأ؟ في إشارة إلى قول رئيس الجمهورية بضرورة استكمال تطبيق الطائف بعد الانتخابات: «نبدأ من الهيئة العليا لإلغاء الطائفية، وتعديل قانون الانتخاب وإقرار مجلس وطني خارج القيد الطائفي وإنشاء مجلس للشيوخ يحصر بأمرين أساسيين: منع التقسيم، ومنع الاندماج الأعمى، أي التخلي عن استقلال لبنان لقاء اندماج أعمى غير مدروس وغير إجماعي، وهذا الأمر الأساس الذي لا بد من البدء فيه بهذا التوجه لجهة تنفيذ الطائف». ويشير إلى أن «الإنجاز المهم الذي تم في اتفاق الطائف هو الخروج من الوضع الطائفي إلى وضع وطني، أي الانتقال من محطة المشاركة الطائفية كما سميناها في المرحلة الأولى إلى محطة المواطنة والوطنية، أي مجلس الوطني خارج القيد الطائفي».

لا يشاطر منصور، الملم بصلاحيات الرئاسة قبل الطائف وبعده، بعض نواب «التيار الوطني الحر» الذين يقولون إن رئيس الجمهورية ميشال عون استعاد صلاحيات الرئاسة من دون تعديل الدستور أو الطائف. ويضيف: «لم أر أنه استعاد شيئاً، الأمور ما زالت كما هي. في الممارسة الرئيس يحضر جلسات مجلس الوزراء ويترأسها. وبعد اتفاق الطائف جميع رؤساء الجمهورية كان لهم هذا الحق، ومنهم من مارسه ومنهم من لم يفعل، وفق المزاج، لذلك لم أر أنه استعاد شيئاً زيادة عما استعاده زملاؤه الذين سبقوه. لا شيء تغير، الصلاحيات لا تزال كما هي، وهي محددة في الدستور. ولا مجال للطلعة فيها ولا للنزلة. لكن هناك من يعرف كيف يمتهن ممارستها، وهذه تحصل إجمالا بالتوافق».

وينفي منصور مطلقاً اجتهادات البعض حول موضوع الطائف، من أن عبارة «وفق مقتضيات الوفاق الوطني» تبرر التوازن الطائفي ما دون الفئة الأولى. ويجزم بأن «هذه العبارة لا تبرر أبداً ذلك، ولو كان هذا صحيحاً لكنا قلناه في الطائف، والمناصفة حصرت فقط في المديرين العامين». ويوضح لـ «الحياة»: «هذه العبارة فسرناها على الشكل الآتي: بالنسبة إلى المديرين العامين في الدولة (الفئة الأولى) التعيين وفقاً لمقتضيات الوفاق، أي توزيع طائفي مناصفة. أما خارج إطار المديرين العامين، فهناك طريقتان للتعيين: إما التعيين بمباراة عبر مجلس الخدمة المدنية، وعندها لا قيد طائفياً، فتؤخذ النتيجة كما هي، أو يكون التعيين استنسابياً وحينها يجب الأخذ بمقتضيات الوفاق الوطني باعتماد المناصفة. وهذا النص طبقناه حرفياً في حكومتي الرئيس سليم الحص والرئيس عمر كرامي، اللتين أعقبتا اتفاق الطائف، وكنت فيهما وزيراً، وهذا هو التفسير الحقيقي».

ويضيف: «مقتضيات الوفاق الوطني جاءت للتعيينات خارج إطار مجلس الخدمة المدنية والكفاءة. أما اتفاق الطائف، فينص على أن عند إجراء المباراة والكفاءة تعتمد نتائج المباراة والكفاءة. ولا مكان للتوزيع الطائفي هنا، وإنما للكفاءة». وزاد: «أما في التعيين الاستنسابي خارج المباراة والامتحان، فيؤخذ ساعتئذ بمقتضيات الوفاق الوطني، لكن بالنسبة إلى الذين أثيرت قضيتهم أخيراً ونجحوا في مباراة مجلس الخدمة المدنية، فهؤلاء يجب الأخذ بنتائج المباراة كما هي وتعيينهم ونقطة على السطر، الكفاءة كفاءة. هكذا ينص الدستور وكل كلام آخر هو تزوير لاتفاق الطائف وتشبيح على الدستور من موقع طائفي ومذهبي».

ويعود منصور بالذاكرة إلى مداولات الطائف وما يحكى عن أن حقيبة المال هي للطائفة الشيعية. فقال: «صار في بحث بالكلام، ولم يتخذ قرار. لكن عندما عدنا من الطائف، أعطيت وزارة المال إلى الطائفة الشيعية في حكومتين، وبعد ذلك تسلم وزارة المال الرئيس رفيق الحريري، وفي حكومته الثانية سلمها إلى فؤاد السنيورة بموافقة السوريين الذين كانوا هم آنذاك يشكلون الحكومات. الآن عاد الرئيس بري يطالب بهذه الوزارة، هذا مطلب سياسي لا علاقة له باتفاق الطائف».

وزاد: «لا توجد وزارة مكرسة لطائفة، كما لا يوجد شيء وفق اتفاق الطائف اسمه وزارة سيادية ووزارة غير سيادية. هذه بدع أولاد لتدير النظام واتفاق الطائف. يوجد مجلس وزراء، والحكم فيه مجتمعاً. كذلك لا توجد رئاسات ثلاث، هناك رئيس جمهورية رئيس دولة، ورئيسا مجلسين: رئيس مجلس نواب ورئيس مجلس وزراء. لا يوجد رؤساء ثلاثة، هذه كلها بدع وتفسيرات خاطئة لا أساس لها في اتفاق الطائف».

جنبلاط… ودمعة

ومن يفتقد ألبير منصور من النواب القدامى؟ قال: «ما إن دخلت القاعة العامة في البرلمان ورحت أتفحص الوجوه ارتسمت في مخيلتي صور زملاء أحبة افتقدتهم. كثر منهم رحلوا عن هذه الدنيا، وبعض ممن بقوا على قيد الحياة أمدَ الله بعمرهم، حالت الظروف دون عودتهم إلى الندوة البرلمانية مجدداً، ومنهم من آثر البقاء خارجها. هذا الرعيل كله نفتقده اليوم. جو مجلس الـ72 كان قصة كبيرة.

وبعدما راح يستذكر الوجوه التي افتقدها، معدداً الأسماء واحداً واحداً خنقته العبرة، حين ذكر اسم الزعيم كمال جنبلاط… «إنها نوعية مختلفة» يختم.