IMLebanon

فرصة العهد الضائعة في مواجهة الأزمات وتحدي نصر الله

كتب العميد الركن نزار عبد القادر في صحيفة “اللواء”:

هل يستمر لبنان في إضاعة الفرص التاريخية والمؤاتية لإقامة الدورة القادرة على ممارسة كامل وظائفها الأساسية، وفي طليعتها حقها الحصري في امتلاك السلاح وفرض سيادتها على الأراضي اللبنانية؟

أضاع لبنان منذ إقرار اتفاق الطائف العديد من الفرص الذهبية السانحة لإعادة بناء الدولة، واستعادة سيادته الوطنية على جميع أراضيه من خلال جيشه الوطني، بالإضافة إلى تأمين كل الخطط اللازمة للنهوض الاقتصادي. خلال ثلاثة عقود برع الأفرقاء اللبنانيون في استيلاد الأزمات، حيث أدّى الصراع بين قوى 8 و14 آذار بعد خروج القوات السورية من لبنان إلى تعطيل عمل الحكومات وإصابة مجلس النواب بالشلل حيث عجز في مناسبتين عن انتخاب رئيس للجمهورية.

بعد سنتين ونصف من الفراغ في سدّة الرئاسة بعد نهاية عهد الرئيس سليمان وجد الرئيس الحريري نفسه مجبراً على عقد تسوية سياسية تؤدي إلى انتخاب العماد عون كرئيس للجمهورية، وهو الحليف الاستراتيجي لحزب الله، فتحت هذه التسوية كوّة أمل في جدار الأزمة، وأتاحت فرصة حقيقية لتوافق سياسي حول مشروع «الرئيس القوي» لقيادة مسيرة إعادة بناء الدولة.

نجح العهد وحكومة الحريري في إجراء الانتخابات النيابية في 6 أيار الماضي وفي ظل قانون انتخابي جديد، وفتح ذلك بالتالي الباب أمام الرئيس عون لتشكيل حكومة العهد الأولى، وفق ما سبق وصرح به، بالإضافة إلى الوعد بالعمل على وضع استراتيجية دفاعية جديدة، وأدّى ذلك إلى فتح الباب أمام انعقاد مؤتمر «باريس» لدعم لبنان للخروج من أزمته الاقتصادية.

في ظل أجواء من التفاؤل «الحذر» جرى تكليف الحريري بتشكيل حكومة «العهد الأولى»، مع الأمل بأن تجري عملية التأليف بسرعة. لكن سرعان ما اصطدمت عملية التأليف بالمطالب التعجيزية التي قدمتها الكتل النيابية، وخصوصاً تكتل لبنان القوي الداعم للعماد عون. وزادت تعقيدات التأليف العاصفة التي أثارها مرسوم التجنيس والذي ضمّ العديد من الأشخاص المقربين من النظام السوري والمتهمين بارتكاب جرائم مختلفة، بالإضافة إلى ما يزيد عن مئة فلسطيني.

ولتأكيد براعة اللبنانيين في استيلاد الأزمات المعطلة لكل الفرص فقد افتعل وزير الخارجية باسيل أزمة مع المفوضية العليا لشؤون اللاجئين من عدم منح العاملين فيها الإقامات المطلوبة للعمل في لبنان، وذلك بالرغم من الاعتراض العلني لرئيس الحكومة على هذا التدبير.

لكن جاء المأزق الحقيقي الذي سيواجه تأليف الحكومة وانطلاقة المشروع الإصلاحي من خلال كلام السيد نصر الله في خطابه بمناسبة «يوم القدس العالمي» حيث بدا متحدياً لكل القوى الدولية والعربية من خلال تأكيده على الاستمرار في المشاركة في الحرب السورية قائلاً «لو اجتمع العالم كله ليفرض علينا أن نخرج من سوريا فلن نخرج إلا بطلب من القيادة السورية».

يشكل كلام نصر الله عقدة كأداء أمام مساعي تأليف الحكومة، كما يكشف السقف السياسي لمشروع العهد، وتعريض الحكومة للتحفظات والضغوط الدولية والعربية على خلفية مشاركة حزب الله الوازنة في الحكومة.

بعد هذا الخطاب العالي النبرة هل يمكن للعهد توخي النجاح في بلورة استراتيجية دفاعية تستعيد من خلالها الدولة لسيادتها ولحصرية السلاح، وتؤمن تدفق القروض الدولية اللازمة للنهوض الاقتصادي. من المتوقع أن يفتح موقف نصر الله الجديد تساؤلات جدية حول قدرة العهد للوفاء بتعهداته الإصلاحية وإعادة بناء الدولة.

بات من الملحّ جداً أن يقلّب الرئيس عون أوراقه وخياراته السياسية، ويصارح حليفه حزب الله بها، لمنع فشل وسقوط العهد.

تقتضي المصلحة الوطنية أن تبادر جميع القوى إلى تجاوز خلافاتها وتسهيل عملية تأليف الحكومة، ومساندة مشروع العهد الإصلاحي وتوجهاته لوضع الاستراتيجية الدفاعية اللازمة، والتي تعيد إلى لبنان اعترافاً دولياً كاملاً بسيادته.