IMLebanon

أهداف زيارات البابا تواضروس الخارجية

كتبت شيرين الديداموني في صحيفة “العرب” اللندنية:

باتت القوة الناعمة سمة واضحة في العقود الأخيرة لتعزيز مواقف الدول وفرض نفوذها في الإقليم المحيط. وحملت كل دولة أدواتها المتنوعة من مراكز دينية ورياضية وثقافية واقتصادية لمحاولة التأثير المأمول على القرارات أملا في تحقيق مكاسب دبلوماسية.

ومع التغيرات السياسية المتلاحقة تبحث القاهرة عن تلك الأدوات لتعويض الإخفاقات السابقة، وبدأت تستعين مؤخرا بمؤسساتها الدينية التاريخية المتمثلة في الأزهر والكنيسة. فالأول بدأ دورا نشطا في الدول ذات الأغلبية المسلمة، فيما تتجه الثانية نحو الدول ذات الأغلبية المسيحية.

وللكنيسة المصرية دور تاريخي، كانت فيه أكثر من تجمع لمسيحيي الشرق الأرثوذكس، وشكلت جهة مؤثرة في بعض القرارات الحاكمة وقوة دبلوماسية ضاغطة أحيانا. ويكتشف المتابع لزيارات البابا تواضروس، أنها تجاوزت الجانب الروحي، وتحولت إلى ساحة جديدة لتبادل الحوارات الدبلوماسية الهادئة وتوصيل رسائل سياسية.

واقتربت تلك الجولات من 35 زيارة خارجية لأكثر من 20 دولة عربية وأوروبية، وكان البابا استهل زياراته الخارجية في ايار عام 2013 بزيارة الفاتيكان بعد انقطاع 40 عاما، وبعدها توالت الزيارات، وشملت لقاءات مع العديد من الساسة والقادة. وأعاد الانتشار الأفقي للكنسية المصرية للرأي العام مصطلح القوة الناعمة، وفسر البعض من المراقبين تحركات الكنيسة بأنه أداة من أدوات الحكومة لتغيير الصورة النمطية وتعويض الغياب السياسي.

وكشفت زيارات البابا تواضروس، ومنها الزيارة الأخيرة إلى لبنان، أنه يقدم لغة تمثل الحكومة المصرية، وحمل معه رغبتها في تطوير العلاقة مع بيروت وزيادة الانفتاح على جميع القوى السياسية، وفي مقدمتها المسيحية المؤثرة في التركيبة اللبنانية.

زيارة البابا تواضروس السابقة لإثيوبيا عبّرت عن رؤية جديدة للدولة المصرية لاستخدام السلطة الروحية للكنيسة على الأقباط الأرثوذكس هناك، كورقة ضغط في الأزمة الممتدة بين الدولتين حول سد النهضة

ومن أبرز ملامح الدور الدبلوماسي للكنيسة ما أسهمت فيه من تعبئة قطاع من أقباط الولايات المتحدة، في كل من ولايتي نيويورك ونيوجيرسي تحديدا، لتوفير دعم للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي خلال زياراته للجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر الماضي، وموازنة الوجود المعارض للسيسي هناك.

دبلوماسية رديفة

لتدعيم جهده كضلع أساسي في الدبلوماسية الشعبية، أجرى البابا تواضروس خلال زيارته إلى كل من اليابان وأستراليا، أواخر العام الماضي، ما يزيد عن 8 حوارات صحافية وتلفزيونية وإذاعية عمل من خلالها على تصحيح صورة مصر في الخارج وإبطال مزاعم الإعلام حولها.

وقال مصدر دبلوماسي لـ”العرب” إن زيارة البابا تواضروس السابقة لإثيوبيا عبّرت عن رؤية جديدة للدولة المصرية لاستخدام السلطة الروحية للكنيسة على الأقباط الأرثوذكس هناك، كورقة ضغط في الأزمة الممتدة بين الدولتين حول سد النهضة.

وكان الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر، أول من انتبه إلى أهمية السلطة الروحية لأقباط مصر على مسيحيي إثيوبيا في ستينات القرن الماضي. وكانت الكنيسة الإثيوبية في ذلك الوقت تابعة للكنيسة المصرية، وارتبط البابا كيرلس السادس (بابا الأقباط الأسبق) بعلاقات شخصية مع الإمبراطور هيلا سلاسي حاكم إثيوبيا الأسبق، ووظف عبدالناصر تلك العلاقة في خدمة مصالح مصر، خصوصا في ما يتعلق بإجهاض مشروعات إثيوبية لبناء سدود أو التأثير على حصة مصر من مياه النيل.

وتغير شكل العلاقة بين الكنيسة المصرية والإثيوبية بعد أن أصبح للأخيرة بطريرك مستقل، ما حوّل العلاقة من علاقة “بنّوة” إلى “أخوة”، بعدها فقدت الكنيسة المصرية الكثير من سلطتها الروحية على الإثيوبيين، وتوالت بعد ذلك الأزمات بين القاهرة وأديس أبابا.

وأشار مصطفي علوي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، لـ”العرب” إلى أن الكنيسة كانت من أهم أدوات الدولة المصرية في تنفيذ سياساتها الخارجية لتشجيع النقاش الجاد ودحر خطاب الكراهية ودرء العنف والتطرف. وساعدتها في ذلك علاقتها مع التنظيمات الدينية المسيحية ومجلس كنائس أفريقيا ومجلس كنائس الشرق الأوسط، ودورها في تأسيس منظمة الكنائس الأفريقية المستقلة بالقاهرة.

ويعمل البابا تواضروس منذ اعتلائه كرسي البابوية نهاية عام 2012، وهو من مؤيدي الرئيس عبدالفتاح السيسي الرئيسيين، على تقريب ودعم علاقات القاهرة مع الدول التي تشهد وجودا مسيحيا، ويدفع في اتجاه تعزيز التواصل معها.

وقام عدد من الرؤساء والملوك والأمراء بزيارة الكنيسة الأرثوذكسية مؤخرا، منهم ملك البحرين الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة، وولي عهد السعودية الأمير محمد بن سلمان، ومارسيلو دي سوزا رئيس البرتغال.ومع ذلك كان الدور الدبلوماسي الذي تقوم به الكنيسة موضع انتقاد من قبل البعض.

توزان طائفي

أبدى مصدر كنسي قلقه من أن يكون هذا الدور في إطار المنفعة المتبادلة مع الحكومة لحل مشكلات الأقباط المعقدة منذ سنوات، وأهمها إصدار قانون بناء الكنائس وترك المجال لزيادة التمثيل النيابي في البرلمان.

وأعرب المصدر لـ”العرب” عن تخوفه من أن ينعكس توجه الكنيسة بالسلب على علاقات وأوضاع الأقباط في المجتمع.

وأوضح  أن أداء الكنيسة كسفير دبلوماسي للدولة المصرية أضفى طابعا طائفيا غير متوازن على حملة المساندة، ما دفع عددا من الأقباط لتحمل ذلك في صور مختلفة، مثل استهداف بعضهم من قبل عناصر إرهابية متطرفة وحرق كنائسهم وتهجيرهم من قراهم

لم تقتصر زيارات البابا تواضروس على كونها أداة دبلوماسية، بل كانت لها أهداف على المستوى الكنسي تتعلق بمهمة الرعاية الدينية وتوثيق العلاقات مع كنائس أخرى.

وحملت زيارة البابا إلى بيروت تلك المضامين، حيث شددت على الوجود المسيحي في المشهد العربي، وتعزيز العلاقة بين الأقليات المسيحية في المنطقة.

وأشار الباحث القبطي كمال زاخر إلى ضرورة تواصل البابا مع قيادات كنيسة الروم الأرثوذكس، والتي كانت أول كنيسة في العصر الحديث تتواصل مع الكنيسة القبطية منذ خمسينات القرن الماضي عبر مجهودات المطران اللبناني جورج خطر. وكانت البداية في التفات الكنائس الأرثوذكسية من العائلة الخلقيدونية إلى التحاور مع الكنيسة المصرية ومن هنا انطلقت فكرة مجلس كنائس الشرق الأوسط.

وأكد زاخر أن زيارة البابا تواضروس للبنان، فلم تكن تستهدف التقريب بين الكنائس الأرثوذكسية في مصر ولبنان، وإنما تتضمن أيضا تحقيق التقارب والوحدة بين الكنائس.

وأوضح الباحث عماد توماس أن دور البابا تواضروس في هذه المرحلة التي تشهدها مصر والتحديات الهائلة التي تواجهها، عربيا وأفريقيا، يكتسبان أهمية  في إعادة تمتين علاقات القاهرة الخارجية، وهذا يضفي أهمية  على زيارات البابا الخارجية.

لكن، يقول متابعون للشأن المسيحي إن جهود البابا في تحقيق التواصل مع الكنائس الأخرى تواجهها تحديات عديدة، أبرزها  التأثير الكبير للكنائس الأوروبية على بعض كنائس الشرق، فما تزال العلاقات بين بعض كنائس، مثل الروم الأرثوذكس والكنيسة المارونية تحظى بعلاقات قوية مع الفاتيكان مقارنة بعلاقاتها مع كنائس الشرق ومنها الكنيسة المصرية.

وثمة تحد آخر يتمثل في تعثر جهود تحقيق الوحدة والتقارب بين الكنائس في ظل الاختلافات الدينية الكبيرة بينها ومنها قضايا مثل الزواج المدني والطلاق وغيرها.