IMLebanon

إيران تتغيّر ولكن ليس كما يعتقد ترامب

كتب توماس اردبرينك في صحيفة “نيويورك تايمز”:

يقول الرئيس دونالد ترامب إنّ قراره بتركِ الاتفاق النووي بدأ يُحدث تأثيراً كبيراً على إيران. وهو على حقّ، كما يقول الإيرانيون، ولكن للأسباب الخطأ.

وقال ترامب هذا الشهر إنّ إيران تغيّر سلوكها في المنطقة، ملمّحاً إلى أنّ خطوة الولايات المتحدة قد عاقبت أو خوّفت القادة الايرانيين الذين بدأوا يتراجعون.

وقال للصحافيين: «لم يعد الايرانييون ينظرون كثيراً إلى منطقة البحر المتوسط. ولم يعودوا ينظرون إلى ما يجري في سوريا، وما يحدث في اليمن وفي الكثير من الأماكن الأخرى. وأصبح البلد مختلفاً جدّاً في الأشهر الثلاثة الماضية. لم تعد إيران نفس البلد الذي كانت عليه قبل بضعة أشهر، لقد تحوّلت مجموعة قادةٍ مختلفة جدّاً».

لكنّ المحلّلين يقولون إنّه لم يحدث تغيير يُذكر في موقف إيران الإقليمي. فالتأثير الحقيقي حتى الآن حصل على صعيد السياسة الداخلية، بقمعِ أدنى التلميحات المعارِضة، وعلى الاقتصاد بعد إعادة فرض العقوبات.

وقال ميرزابابا موتارينزاد المتحدّث باسم جماعة «ماردم سالاري» وهو فريق سياسي معتدل: «كان هناك عملية اقتصادية وسياسية جيّدة جارية في إيران. للأسف، بعد انسحاب ترامب من الصفقة، انتهى الانفتاح هنا واستؤنفت عمليات القمع على الناشطين».

ومع ذلك، تبدو الأوضاع على حالها في المنطقة. وأشار الأسبوع الماضي قائد الحرس الثوري الإيراني، حسين سلامي، إلى أنّ حليف إيران في لبنان، «حزب الله»، يملك 100,000 صاروخ جاهز لتدمير إسرائيل. وفي سوريا، حيث لعبَت إيران دوراً حاسماً في إبقاء الرئيس بشّار الأسد في الحكم، قُتل ثلاثة جنود إيرانيين هذا الشهر في المعارك. وبالنسبة للمرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، لا تزال إسرائيل «ورَماً سرطانيًا» يجب التخلص منه.

وقال مستشار وزير الخارجية الإيراني حول القضايا الإقليمية، حسين شيخ الإسلام «إنّ ترامب لديه وهمٌ بأنّه نتيجة انسحابِه من الاتفاق النووي، نحن مضطرّون إلى تغيير سلوكنا في سوريا واليمن والعراق ولبنان وفلسطين. ومن المستحيل أن نغيّر سلوكنا هذا. إذا قمنا بتغيير سياساتنا يوماً ما، فلن يكون ذلك على علاقة بترامب أو أيّ شخص في البيت الأبيض أو أيّ مكان آخر».

وبعيداً عن مناطق الصراع في الشرق الأوسط، في الممرّات الصغيرة في أسواق طهران ومعارض السيارات الفاخرة في الأجزاء الشمالية الراقية من المدينة، فإنّ انسحاب ترامب من الاتفاق النووي قد زاد بالتأكيد المشاكل الاقتصادية التي تساهم في نشوء التوتّرات السياسية.

فتجمَّع المعتصمون أمس خارج مبنى البرلمان في طهران ليشكوا من الاقتصاد، وأطلَقت الشرطة الغاز المسيّل للدموع لتفريقهم. أمّا يوم الأحد، فاضطرّ «البازار الكبير» إلى الإغلاق بسبب الاحتجاجات.

كان اقتصاد إيران أصلاً في حالة سيئة. ففي أقلّ من عام، انخفض سعر الريال، العملة الإيرانية، بنسبة 50 في المائة مقابل الدولار. وأفاد صندوق النقد الدولي أنّه تمّ في العام الماضي سحبُ مبلغٍ قياسي من رأس مال البلاد قيمتُه 27 مليار دولار. وفي خطاب له احتفالاً بنهاية شهر رمضان، دعا خامنئي الإيرانيين إلى التوقف عن القيام برحلات ترفيهية في الخارج، وإلى الحرص على عدم خروج المزيد من العملات الأجنبية من إيران.

وقد أدّت أزمة العملة إلى ارتفاع حادّ في أسعار السلع المستوردة. وفي محاولة لحماية مدّخراتهم، يقوم الكثير من الناس بشراء العقارات والذهب والسيارات، ممّا يؤدي إلى رفعِ أسعار تلك الأصول.

«لقد أصبح العثور على مكان آمِن لمدّخراتي أمراً شِبه مستحيل»، يقول أسغار كوهباي، 55 سنة، وهو تاجر كسبَ لقمة عيشِه لسنوات كبائع بيض بالجملة.

وقال إنّه لطالما حافظ على مدّخراته عن طريق السيارات، لكنّه أضاع هذا العام فرصته. فإنّ سيارة تويوتا RAV4، من طراز SUV المتوسطة الحجم والتي تكلّف حوالي 25،000 دولار في الولايات المتحدة وكانت تُباع بمبلغ 68،000 دولار هنا في شهر آب، تُكلّف الآن حوالي 100،000 دولار.

وأضاف كوهباي: «لقد ارتفعَت كلّ الأسعار، حتى السيارات المنتجة محليًا أصبحت الآن أغلى ثمناً بنسبة 40 في المائة. فالمشكلة ليست فقط أنّني غير قادر على شراء سيارة جديدة، لكن من يستطيع شراءَها منّي بهذه الأسعار؟»

إنّ إمكانية فرضِ عقوبات وضغوطات جديدة تُرعبه. وقال: «يبدو وكأنّ الأمور كلّها تخرج عن السيطرة. لا بدّ من أن نفعل شيئاً لإيقاف هذا الوضع».

وهذه مشاعر يتشاركها الكثيرون. يبدو أنّ الكثيرين يلومون زعماءهم، بدلاً من إلقاء اللوم على ترامب أو غيره، بسبب معظم المشاكل، ممّا يجعل الحكومة حسّاسة جدّاً إزاء التعبيرات المعارضة.

وقال رضا خاندان، زوجُ نسرين ستوده، وهي محامية بارزة في مجال حقوق الإنسان والتي اعتُقلت الأسبوع الماضي: «إنّ تأثير انسحاب ترامب من الصفقة النووية ضعيف للغاية. فحتى لو تمّ تنفيذ الاتفاقية النووية بالكامل، ووَصلت الأموال كلّها إلى هنا ولم يكن النظام المصرفي يخضع لعقوبات، فإنّ سوء الإدارة داخل البلاد كان سيهدر عائدات النفط وغيرها من المعاملات. نحن نعيش وضعاً سيّئا اقتصادياً واجتماعياً لا علاقة له بترامب والعقوبات التي فرَضها أو سيفرضها».

كما زادت السلطات القضائية الضغوطات على المعارضين، لا سيّما مع اعتقال ستوده. وتمّ شنقُ رجل يوم الاثنين الماضي اتُّهم بقتل ثلاثة شرطيين بدهسِهم بحافلة أثناء مظاهرة في الشتاء الماضي. ونفى السائق محمد سالاس الاتهام قائلاً إنّ اعترافه قد تمّ بالإكراه. واعتُقلت محاميته زينب طاهري بعد يوم من إعدام موكّلها لأسباب لم يكشف عنها.

وفي هذه الأثناء، استبَقت الحكومة الايرانية الاحتجاجات الجديدة على الاقتصاد وارتفاع الاستياء السياسي وخصّصت أربعة ملاعب وستَّ حدائق في أنحاء العاصمة كمواقع لإجراء المظاهرات الاحتجاجية القانونية.

وأصَرّ المرشد الأعلى خامنئي في خطابه الأخير على أنّ كلّ شيء على ما يرام.

وقال: «إنّ الناس واعون، وهم متحمّسون، وليسوا متعبين. فإنّ الذين يُروّجون، تبعاً للدعاية الإعلامية المعادية، بأنّ الشعب تعبَ وأنهِكَ، في الحقيقة هم أنفسُهم المتعَبون. وهم أنفسُهم المنهَكون!»