IMLebanon

صيدا منطقة منكوبة

كتبت أمال خليل في صحيفة “الأخبار”:

ما الذي يُعدّ لبحر صيدا؟ مخطط توجيهي جديد يستهدف الواجهة الجنوبية المتأرجحة بين النكبة والمصير المجهول. بعد أن «صار الحلم حقيقة» بإزالة جبل النفايات، ارتفع جبل آخر من العوادم في ظل تعثر مستمر في تشغيل معمل الفرز. التعثر يصيب أيضاً محطة تكرير الصرف الصحي المجاورة، بينما تردم البحيرة بالنفايات والمياه الآسنة. وبين هذا وذاك، توضع المدينة المختنقة بالروائح الكريهة على خط التنقيب عن النفط.

نظم هيئة متابعة قضايا البيئة يوم الجمعة زيارة تفقدية، لمن يرغب، لمعمل فرز النفايات في صيدا والبحيرة المحاذية له. الدعوة تأتي ضمن سلسلة تحركات عاجلة تقوم بها القوى الوطنية في المدينة وناشطون وبعض الجمعيات الأهلية، بعد تفاقم أزمة النفايات وتصاعد الروائح الكريهة والغازات السامة مع ارتفاع درجات الحرارة. واقعياً، أصبحت واجهة صيدا الجنوبية منطقة منكوبة بيئياً. على نحو تدريجي، ارتفع في الأشهر الماضية جبل من العوادم في الباحة الخلفية للمعمل.

إدارة الشركة المشغلة له قالت إنه نتج عن توقف أحد المعامل عن استقبالها لاستخدامها كوقود. تراكمت العوادم في وقت يستقبل فيه المعمل ما يتراوح بين 500 و600 طن من النفايات يومياً (نصفها من قضاء صيدا وغالبية النصف الآخر من نفايات بيروت وجزء قليل من نفايات جزين) بحسب تقرير للخبير البيئي ناجي قديح (الشركة المشغلة واتحاد بلديات صيدا ــــ الزهراني المشرف على عملها أشارا إلى أن قدرة استيعاب المعمل 500 طن يومياً). على بعد أمتار من المعمل، تقع البحيرة التي تبلغ مساحتها حوالى 500 الف متر مربع، والتي نتجت عن استحداث حاجز مائي بين جبل النفايات المزال والبحر. منذ أكثر من عامين، تلقى في البحيرة أطنان من بقايا المسالخ والدباغات والمدن الصناعية والردميات والنفايات والعوادم، بعضها يأتي من المعمل، وفق ما وثق عدد من الناشطين بالصور لشاحنات تخرج من المعمل إلى البحيرة لإلقاء حمولتها. ولكي يكتمل المشهد، تصبّ في البحيرة بقايا المياه الناتجة عن غسل نفايات المعمل وعمل الدباغات المجاورة، إضافة إلى مياه مجرور نهر البرغوث الذي ربطت بمجراه شبكات الصرف الصحي لقرى قضاء صيدا. ومثله، نهر سينيق الذي ربطت بمجراه مياه الصرف الصحي ومياه الأمطار في شبكة واحدة. كما لا تبعد محطة تكرير المياه المبتذلة سوى عشرات الأمتار، علماً بأن دورها يقتصر على تجميع جزء من المياه المبتذلة وضخّها بأنابيب في عمق البحر على بعد حوالى 200 متر.

النائب أسامة سعد أشار إلى حمولة 5 آلاف شاحنة نقلت من داخل المعمل وطمرت في موقع مجاور من دون فرز. «حيثما توجهنا، نجد نفايات مردومة»، ما يخنق صيدا وجوارها يومياً بالروائح الكريهة ويؤسس لضرر صحي وبيئي مستدام.

شركة «أي بي سي»، مشغلة المعمل أحد مصادر التلوث، أقرّت في بيان قبل أيام بأنها كانت تلقي العوادم في البحيرة بعدما أنكرت ذلك مراراً. لكنها أكدت أنها «توقفت عن ذلك منذ مطلع 2016 وتتخلص منها بطرق بيئية سليمة عن طريق إدخالها مع صخور في كسارة وطحنها لتنتج عنها مواد تصلح لأعمال الردميات». إلا أن من الواضح أن الكسارة لا تستطيع استيعاب طحن كميات العوادم الناتجة عن مئات الأطنان التي يستقبلها المعمل يومياً، فضلاً عن الجبل الرابض خلفه. بالنظر إلى وعود الشركة السابقة، قد لا تصدق وعودها الجديدة بالتخلص من العوادم بطرق بيئية. سابقاً، وعدت الشركة بتحويل العوادم إلى حجارة تستخدم في البناء وإلى طاقة تضيء بها الشوارع المحيطة بالمعمل. لم يحصل شيء من هذا القبيل.

توزيع الملك العام؟

في الناحية المنكوبة، لا يقتصر الفساد على البيئة والصحة فقط. العقار الذي يقع فوقه معمل فرز النفايات ومحيطه تؤول ملكيتهما إلى أصحاب الشركة المشغلة بموجب أحد بنود العقد المبرم بينهم وبين الدولة اللبنانية. تبلغ مساحته 50 الف متر مربع. التجمع الوطني الديموقراطي في صيدا تقدم بدعوى قضائية ضد الدولة وبلدية صيدا لإبطال بند التمليك. أحد رافعي الدعوى الناشط عبد الرزاق حمود أوضح لـ«الأخبار» أن تمليك الشركة هو تجاوز للقانون اللبناني، إذ إن أكثر من نصف أصحاب الشركة من غير اللبنانيين، في حين أن العقار المعني هو منطقة بحرية مردومة بالإستناد إلى الخرائط الجوية. وقبل هذا وذاك، يناقض التمليك قانون الحق في الوصول إلى الملك العام والبحر وقانون حماية البيئة». وارتكزت الدعوى على الثغرات التي شابت عمل الشركة منذ بدء تشغيلها للمعمل.

ما مصير الدعوى؟. لفت حمود إلى أن الرد الأوّلي لمجلس شورى الدولة على الدعوى كان أن العقد مرّ عليه الزمن، لأن تاريخه يعود إلى ما يزيد على 15 عاماً. لكن أصحاب الدعوى يستندون إلى أن قرار تمليك الشركة لم يصدر في الجريدة الرسمية، ما يجعله غير نافذ وقابلاً للطعن.