IMLebanon

برّي ينتظر من يدقّ بابه حكومياً… بشروط

كتب نقولا ناصيف في صحيفة “الأخبار”:

على رغم موعد مضروب لاحتمال إعلان الحكومة الجديدة قبل الأول من آب، في عيد الجيش، إلا أن أياً من العلامات الإيجابية لم تظهر بعد، ولا أحد همس بها في السر حتى. لا يزال أصحاب العقد معلقين بسقوفهم العالية، ويرفضون خفضها، ولسان حال رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، التفاؤل ثم التفاؤل!

أشاع اجتماع الرؤساء ميشال عون ونبيه برّي وسعد الحريري في قصر بعبدا، الخميس الماضي، في مناسبة لقائهم الموفد الرئاسي الروسي الخاص ألكسندر لافرنتييف، انطباعاً بدفع جدي لجهود تأليف الحكومة، قبل أن يتأكد أنهم لم يخوضوا في الموضوع العالق. على الأقل، بحسب ما أفضى به أحد الرؤساء الثلاثة على أثر ارفضاض الاجتماع، مشيراً إلى أن البحث اقتصر على المبادرة الروسية وعودة النازحين السوريين.

عزّز الانطباع الأول انضمام رئيس مجلس النواب إلى رئيسي الجمهورية والحكومة، من دون أن يكون ذا صفة مباشرة أو يمتلك صلاحية دستورية في مسار تأليف الحكومة. في الغالب، ثمة لحظتان فقط ترتبطان بدور رئيس البرلمان بإزاء تأليف حكومة، أي حكومة منذ اتفاق الطائف: أولى تنص عليها المادة 53 من الدستور عند اطلاعه من رئيس الجمهورية على نتائج الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية الرئيس المكلف، وثانية، تقليدية أضحت عرفاً تقضي بحضور رئيس المجلس إلى القصر الجمهوري في الوقت القصير الذي يسبق الإعلان عن صدور مرسوم تأليف الحكومة الجديدة. في كل مرة، عنت اللحظة الثانية تبديد آخر ما تبقى من العراقيل. في المقابل، لا يجد رئيس المجلس نفسه معنياً بمراحل التأليف إلا بصفته هذه في الاستشارات التي يجريها الرئيس المكلف، ناهيك بكونه يرأس كتلة نيابية بارزة. لا يسقط ذلك الأخذ من الحسبان الدور الذي يضطلع به، خارج رئاسة المجلس، كأحد قطبي «الثنائي الشيعي»، من جهة، والمرجعية المفوض إليها في هذه الطائفة التفاوض في ما يتصل بتمثيلها كما بتمثيل كتلها وقواها السياسية، من جهة أخرى.

في الأسابيع الأخيرة، منذ معاودة جهود التأليف والمشاورات الموازية لها، لم يكن في الإمكان انتزاع موقف من برّي سوى قوله أمام زواره إن من الواجب استعجال تأليف كان يتوقعه في أيام قليلة غداة التكليف في 24 أيار. لم تُطلب منه وساطة على جاري العادة في استحقاقات مماثلة، لعل أبرزها مع حكومة الرئيس نجيب ميقاتي ــــ كي تبصر النور في حزيران 2011 ــــ التنازل عن مقعد شيعي كي يحلّ فيه وزير سنّي هو فيصل كرامي، ثم في حكومة تصريف الأعمال الحالية برئاسة الحريري حينما تخلى عن حقيبة من حصته هي الأشغال العامة لتيار المردة من أجل أن تبصر الحكومة النور في كانون الأول 2016. ما بينهما، لم تكن الحال أحسن مع حكومة الرئيس تمام سلام حينما انتظرت الطائرة في المطار رئيس المجلس لتذليل آخر العراقيل. لم تكن هذه سوى استيعاب صدمة التفاوض السيء لدى فريق 8 آذار حينذاك، إذ أفضى إلى حلول اللواء أشرف ريفي في حقيبة العدل والنائب نهاد المشنوق في حقيبة الداخلية ثمن بقاء الوزير جبران باسيل في حقيبة الخارجية. سرعان ما سمع برّي مرسوم الحكومة الجديدة، في شباط 2014، في السيارة في طريقه إلى المطار.

حتى الآن، لم يدُق أحد باب رئيس المجلس. عندما يُسأل هل طُرحت عليه مخارج محددة للعقبات المعروفة، يجيب بكلمة قاطعة: «أبداً». ليس أيضاً في وارد دق بابي المرجعين الدستوريين المعنيين بتأليف الحكومة، تفادياً لسجال جديد يتناول الصلاحيات الدستورية وحدود ممارستها وعدم التدخّل فيها. يصرّ الرئيس المكلف على أنه هو الذي يؤلف الحكومة تبعاً لصلاحياته، وهو يعرف في الوقت نفسه ـــــ في ظل النص نفسه الذي يتسلح به ـــــ أن دوره في التأليف مساوٍ لدور رئيس الجمهورية ما دام لا مرسوم يصدر دونما أن يمهره الرئيسان معاً. بذلك ينشأ مأزق التعثر ومصدره من المرجعين الأولين ذوي الاختصاص. ما اعتاد عليه رئيس المجلس النيابي هو انتظار استنزاف التأليف حتى يصبح أمام طريق مسدود. إذذاك يُستعان به لتليين موقف الرافضين، حلفائه في الغالب.

أكثر من سبب يجعل رئيس المجلس يقصر دوره على التفرّج، من دون أن يتكبّد مشقة السؤال كما الجواب. إلا أنه يدق ناقوس الخطر في الملفين الأكثر إلحاحاً في رأيه في الوقت الحاضر هما الضائقة الاقتصادية والنزوح السوري:

أول الأسباب تلك، تمسك أصحاب العقد الثلاث، المسيحية والدرزية والسنّية، بسقوفهم العالية التي تحملهم على عدم التزحزح عن شروطهم، والإصرار على أنها وحدها مقياس مشاركتهم في الحكومة. مع أنه يتفهّم موقفي رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع حيال مغزى شروطهما، ويلمس مرونة لدى جعجع، يعزو برّي المأزق إلى تعدّد المعايير المطبّقة في قواعد التوزير الحالي على نحو يبدو بعضها مناقضاً للبعض الآخر: تارة احتساب عدد نواب الكتلة الواحدة (أربعة نواب وما يزيد)، وطوراً الأخذ في الاعتبار الكتل الأكثر تمثيلاً. كلاهما ينتقص من العنوان العريض للحكومة الجديدة، وهو أن تكون حكومة وحدة وطنية.

ثاني الأسباب، عدم رضاه، غير المعلن، عن الطريقة التي يدار بها التأليف. مع إصرار رئيس الجمهورية والرئيس المكلف على أنهما وحدهما صاحبا اختصاص تأليفها ــــ وهو ما يتمسك برّي به أيضاً ــــ إلا أن المشاورات الجارية لا تعكس صحة ما يُعلن. بل أن التفاوض الفعلي جار فحسب بين الرئيس المكلف ورئيس حزب وكتلة نيابية هو الوزير جبران باسيل، يتصرّف كما لو أنه هو الذي يرسم الأحجام ويحدد الحصص.

ثالث الأسباب، عدم استعداد بري للدخول طرفاً في التفاوض الجاري حالياً تبعاً للآلية المتبعة. في أي حال لا يقبل ــــ ولا يريد خصوصاً ـــ وضع أي اقتراحات حلحلة يُدعى إليها يكون الطرف الآخر فيها باسيل.