IMLebanon

الفرق بين ما يعنيهم وما يعنينا… (بقلم رولا حداد)

رغم كل شدّ الحبال والسقوف العالية التي ترتسم أمامنا، ورغم استعراضات القوة والأحجام والحصص، ندرك كلبنانيين أن الحكومة الجديدة ستولد عاجلاً أم آجلاً.

رغم كل الصراعات حول وزير من هنا وتكبير أو تحجيم حصة من هناك، ورغم الصراعات حول الفيتوات المطلوبة سواء بثلث معطل من هنا أو فيتو ميثاقي من هناك، ستتشكل الحكومة خلال أيام أو خلال أسابيع أو حتى خلال أشهر.

مخطئ من يظن للحظة أن موازين القوى الخارجية تحتاج إلى انعكاس في الداخل اللبناني، لأن كل القوى في الداخل تستطيع أن تتلوّن وتنقل تموضعاتها وفق ما تقتضيه التوازنات الإقليمية والدولية. يكفي للتأكيد على ما نورده التذكير بأن ثمة أكثرية سياسية وطائفية موصوفة في لبنان هي نفسها موجودة في الحكم من العام 1992 وحتى اليوم، وكل ما فعله قسم كبير منها، إن لم نقل الأكثرية الساحقة منها، هو التأقلم مع التطورات الإقليمية والدولية في كل المراحل. لا تنسوا للحظة أن الرئيس الأسبق إميل لحود هو من وقّع على قانون العفو العام الذي أخرج الدكتور سمير جعجع من معتقله السياسي في اليوم نفسه لصدور القانون عن مجلس النواب، ولم يفكر لحود للحظة بردّ القانون، مع أنه دستوريا كان يستطيع فعله ولو حتى لمجرد تأخير صدور القانون!

العبرة اليوم أن لا مكان مفترض للبطولات الوهمية في صناعة الحكومة وتشكيلها، لأنها في أفضل الأحوال ستكون، وباعتراف الجميع، نسخة منقّحة عن حكومة تصريف الأعمال الحالية، وخصوصاً أن كل الرهانات الداخلية، ومن كل الأطراف، على تطورات إقليمية يمكن توظيفها داخلياً سقطت. فلا النظام السوري سقط، ولا تمكن أحد من إسقاط أو إضعاف المحور الخليجي وموقعه في المنطقة، والواضح أن التنسيق الأميركي – الروسي في أوجه، فبربّكم كفى رهانات!

لم يعد يعنينا كمواطنين حجم تمثيل هذا الحزب أو ذاك، وهذا التكتل أو ذاك، في الحكومة العتيدة. ما يعنينا كمواطنين هو حجم الدين العام وخدمة هذا الدين. ما يعنينا هو حجم عجز الميزان التجاري، وحجم التضخم والبطالة!

لم يعد يعنينا عدد الوزراء لكل طرف، بل يعنينا عدد ساعات تقنين الكهرباء والماء، وعدد الساعات التي نقضيها في ازدحام السير اليومي، كما يعنينا عدد الموقوفين والذين يتم استدعاؤهم إلى مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية في انتهاك فاضح وغير مسبوق للحريات في وطني وفي طليعتها حرية التعبير!

لم تعد يعنينا احتساب نسب الفوز في الانتخابات النيابية، بل احتساب نسب التلوّث في هوائنا ومياهنا وبحرنا وترابنا!

باتت الهوة شاسعة بين حسابات الزعماء والسياسيين وحسابات الشعب المسكين!

حسابات أكثرية الزعماء تتعلق بالحصص والأحجام والصفقات، وحساباتنا تركّز على كيفية الحد من الفساد والزبائنية في جمهورية تستدعي كبير منها اسمه الدكتور عصام خليفة من دون أن نشهد ثورة بين النواب، وأقله النواب المحامون لمواكبته!

نعم ستتشكل الحكومة في اللحظة الإقليمية المناسبة، وسيرضخ الجميع في الداخل، ومن ثم يجلسون سوية إلى طاولة مجلس الوزراء، وليس على الطاولة أي برنامج إنقاذي لوطن منهار، بل مزيد من الصفقات والتنفيعات والتوظيفات والهدر والفساد، ولن يحصل أي تغيير لأنه، وكما تقول الآية القرآنية الشهيرة: “إن الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم”، ونحن كلبنانيين وبكل أسف لم نغيّر ما بأنفسنا، وأعدنا إنتاج الطبقة السياسية نفسها بنسبة تتجاوز الـ90%، ولا يزال كل جمهور حزبي وطائفي ومذهبي يدافع عن أشخاص زعمائه مهما فعلوا، ولذلك ربما نستحق أن يُقال لنا “كما تكونون يولّى عليكم”!