IMLebanon

مقاتلون فلسطينيون مع “النصرة” عادوا الى مخيمات لبنان!

لا يخفي أمين سر حركة «فتح» وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان فتحي أبو العردات «عودة بعض الشباب اللاجئين الفلسطينيين الذين قاتلوا إلى جانب «جبهة النصرة» الإرهابية في سوريا إلى لبنان، وتحديداً إلى المخيمات التي كانوا يعيشون فيها». لكنه يشير إلى «أن الغالبية المضللة من الشباب الذين غرر بهم للذهاب إلى سوريا قتلت هناك، أحدها فجر نفسه بالجيش السوري وآخر فجر نفسه بـ «الجيش السوري الحر». ويسأل: «ماذا فعل هؤلاء الذين لا نعرف عددهم بالضبط لكنهم ليسوا كثراً. من صيدا فلسطين أقرب إليهم، لماذا ذهبوا إلى سوريا؟ بالتأكيد سيدخل من أخذهم إلى هناك إلى جهنم وهم لن يذهبوا إلى الجنة».

تتشعب هموم اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، فما إن يغلق باب حتى تفتح أبواب على مآس أكثر تعقيداً. فـ «تسليم المقاتلين في سوريا إلى الدولة اللبنانية في حال طالبت بهم وتمكنا من القبض عليهم خطوة لن نتردد في القيام بها، لكن إذا عاد مقاتل واختبأ في بيت بين مئة ألف نسمة في مخيم عين الحلوة ولم يخرج منه، فكيف نكشفه؟»، يقول أبو العردات لـ «الحياة» من مقر السفارة الفلسطينية في بيروت: «هل يمكن أن يفسر أحد لي كيف أن المطلوب المتشدد بلال بدر غادر مخيم عين الحلوة في مطلع العام الحالي ووصل إلى إدلب في سوريا، وكيف عاد إلى المخيم؟ هو لم يتوار في المخيم بل غادره بالفعل وعاد، وهناك غيره يغادر المخيم ويعود، الطرق مفتوحة أمامهم ولا أعرف كيف. حين اشتبك الشيخ أحمد الأسير مع الجيش اللبناني اتخذنا قراراً وأبلغنا الإسلاميين به وأننا لا نحتمل اختباءه في مخيم عين الحلوة، اتصلوا بجمال سليمان (الأمين العام لحركة «أنصار الله») وطلبوا إدخاله إلى المخيم واتصل سليمان بي من أجل هذا الأمر وقلت له بالحرف الواحد إذا كانت صيدا لم تتحمله، هل نستطيع نحن ذلك؟ هو قام بالمعركة وعليه تحمل تبعاتها. وخبئ الأسير ودققنا بالأمر وعرفنا أنه في طرابلس وصاروا ينقلونه من طرابلس إلى مخيم عين الحلوة بسيارات محسوبة على الدولة، كيف يتم ذلك لا نعرف. نام مرة في صيدا ومرة في شرحبيل وفي طرابلس مجدداً وآتوا به آخر مرة إلى مخيم عين الحلوة من طرابلس، كيف تم ذلك؟».

العودة إلى اليرموك

في المخيمات الفلسطينية في لبنان، هناك ما بين 22 و25 ألف لاجئ فلسطيني من الذين نزحوا من سوريا إلى لبنان مع اندلاع الحرب في سوريا. كان عددهم في البداية نحو 96 ألف لاجئ جلهم من مخيم اليرموك، لكن عددهم تناقص، كما قال أبو العردات «بسبب الهجرة إلى أوروبا إما في شكل شرعي أو من طريق القوارب بالبحر فغرق منهم من غرق ونجا من نجا، وقليل جداً عاد إلى سوريا من لبنان».

وتشهد المخيمات الفلسطينية حالياً عملية تسجيل للاجئين السوريين الذين يودون العودة إلى سوريا، بناء على طلب من الأمن العام اللبناني الذي يشمل طلبه كل اللاجئين السوريين في لبنان. لكن أبو العردات كشف عن أن عدد الذين سجلوا أسماءهم لم يتجاوز 176 شخصاً فقط». ويضيف: «فمخيم اليرموك بالقرب من دمشق دُمّر بنسبة 80 في المئة فيما نسبة 20 في المئة تحتاج إلى ترميم».

وكان عضوا اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية​ ​عزام الأحمد وواصل أبو يوسف انتقلا من بيروت إلى دمشق قبل أسابيع يرافقهما عضو اللجنة المركزية لحركة «فتح» سمير الرفاعي والسفير الفلسطيني لدى لبنان أشرف دبور وآخرون انضموا إلى الوفد في سورية، التقوا خلال الزيارة مسؤولين سوريين وزاروا السفير الفلسطيني لدى دمشق محمود الخالدي ومكتب حركة «فتح» والتقوا ممثلي الفصائل الفلسطينية ومنظمة التحرير. وزار الوفد مخيم اليرموك.

الدمار المرعب

وقال أبو العردات أن ما رأوه «كان مؤلماً ومرعباً، دمار طاول كل شيء، المنازل والمحال المنسوفة وسرقات ونهب، علماً أن في اليرموك أهم سوق للذهب، والأفظع أن التدمير أصاب المقابر، لم يسلم قبر الشهيد «أبو جهاد» (القيادي الفلسطيني خليل الوزير الذي اغتالته إسرائيل عام 1988 في تونس) قبور كل الشهداء سويت بالأرض. من كانوا يسيطرون على المخيم لا نعرف لماذا فعلوا ذلك، كأنهم يريدون إلغاء تاريخ له علاقة بالمقاومة وفلسطين».

وعما إذا خرج الوفد بانطباع أن تدمير مخيم اليرموك مقصود لمنع عودة اللاجئين الفلسطينيين إليه، قال أبو العردات: «ممكن أن يكون ذلك نية بعض الأطراف المسلحة التي كانت تسيطر على المخيم، كان هناك مسلحو «النصرة» وطبعاً جرت عمليات كر وفر، لكن القبور حطمت بالمعاول». وأشار إلى هناك حوالى 500 فلسطيني في اليرموك ولا يوجد غيرهم ومن هربوا من المخيم يحق لهم تفقد منازلهم لكن في الثانية بعد الظهر عليهم المغادرة.

ويعيش في سوريا 650 ألف لاجئ فلسطيني موزعين في المخيمات التي تضرر بعضها إلى جانب اليرموك. ويقول أبو العردات أن 300 ألف منهم هجروا من سورية وهناك من نزحوا داخل سورية وموجودون في عدرا وفي مبان تابعة لمنظمة التحرير والمدينة التعليمية والبعض استأجر منازل ممن لديه القدرة».

ويؤكد «أن منظمة التحرير الفلسطينية لم تقطع علاقتها مع سوريا بقيت العلاقات وبقيت الزيارات لأننا كنا ندرك منذ البداية أن ما نشهده ليس ربيعاً عربياً وإنما خريفاً أنتج كل هذه المآسي التي حصلت في العالم العربي. والفلسطينيون الذين شاركوا في الحرب في سوريا كانوا على مستوى الأفراد وينتمون إلى تيارات إسلامية، إنما على مستوى القرار السياسي فلم يكن الفلسطينيون في سوريا جزءاً من الحرب».

ويصف أبو العردات لقاءات الوفد الفلسطيني مع «الإخوة السوريين» بأنها «إيجابية». وقال: «منظمة التحرير اتخذت قراراً فورياً بترميم المقبرة وفي شكل عاجل على حسابها واتفق الوفد مع الجانب السوري على وضع برنامج من أجل عودة أهالي مخيم اليرموك. وتكون المرحلة الأولى جرف الركام ثم بدء عملية الترميم بالتعاون بيننا وبين الحكومة السورية ووكالة أونروا والمؤسسات الدولية».

وأكد «أن هناك قراراً بعودة الناس إلى اليرموك ولدى الإخوان السوريين النية بالإسراع في الترتيبات اللازمة بعد إزالة المعوقات لبدء عملية إعادة إعمار المخيم، بالتالي لا عودة إلى المخيم من دون منازل». ويوضح «أن ترجمة الأمر إلى واقع يحتاج إلى وقت كبير، فالمطلوب القيام بدراسات عن حجم الدمار وعدد المنازل، لكن ربما تكون عملية إعادة إعمار اليرموك مرتبطة بعملية إعادة الإعمار في سوريا، فلا يمكن أن يعاد إعمار اليرموك قبل غيره».

وعمن يتولى تغطية كلفة عملية البناء، قال: «المفروض أونروا والمؤسسات الدولية والأشقاء العرب والإخوان في سوريا ومنظمة التحرير كونها مسؤولة عن الشعب الفلسطيني، علماً أنها منظمة سياسية لا إغاثية.

التواصل مع الروس

أما عن التواصل مع الجانب الروسي في شأن المبادرة الروسية لإعادة اللاجئين إلى سوريا، أكد أن التواصل دائم مع الجانب الروسي وهو يقولون أن العودة يجب أن تشمل كل الذين هجروا فلسطينيين أو سوريين».

ولفت إلى أن اللاجئين الفلسطينيين النازحين من سوريا في لبنان يحصلون على مئة دولار شهرياً من وكالة «أونروا» أما إذا عادوا إلى سوريا فلن يحصلوا على هذا المبلغ وإنما على مبلغ بالليرة السورية وسيكون قليلاً لذا ربما يفضلون البقاء في لبنان حالياً حتى يترتب المسكن في سورية، وعرض الرئيس الفلسطيني محمود عباس على كل عائلة تريد العودة مبلغ ألف دولار تدفعها منظمة التحرير ما رفع عدد الراغبين في العودة إلى أكثر من 200 شخص.

وعما إذا كانت هناك شروط معينة على اللاجئين الفلسطينيين للعودة، أكد أن الفلسطينين في سوريا «يخضعون للخدمة العسكرية كما السوريون ويخدمون في جيش التحرير الفلسطيني التابع للأركان السورية وهو شارك في الحرب واعتبر العسكريين فيه كالجنود السوريين، بعضهم انشق وانضم إلى المعارضة وقسم بقي في الجيش وخسر العديد من القتلى ولا إحصاءات لدينا، ومن يعد فعليه أداء الخدمة الإلزامية».

تفاهات التوطين

تبقى المخيمات في لبنان ملاذاً تجهد القيادات الفلسطينية لبقائه آمناً، «هكذا يوصيني الفلسطينيون في الضفة الغربية عندما أزورها، وهكذا يريدها الفلسطينيون في هذه المخيمات لأن لبنان الرئة الثانية التي يتنفس عبرها الفلسطيني». ويقول أبو العردات: «من مصلحتنا أن يكون كل لبنان معنا، نعلم أن لبنان دفع ثمناً باهظاً حين احتضن المقاومة الفلسطينية وحتى الأطراف التي اختلفنا معها بالسياسة، علاقتنا بها الآن طيبة، ومن قاتلوا معنا هؤلاء لهم دين برقبتنا».

ويشير إلى أن الاتفاق الذي وقعته كل الفصائل والقوى الوطنية والإسلامية الفلسطينية في لبنان عام 2017 «نتمسك بالالتزام به جميعاً، ونحن مع الإجراءات الأمنية التي تقررها الدولة اللبنانية ومسألة الجدار الفاصل كانت ستعطي صورة سلبية. كنا طالبنا بإعطاء الفلسطيني هوية ممغنطة بدلاً من الورقة الزرقاء التي تحمل صورة وختماً ومن الممكن تزويرها بسهولة، وأمنت الوكالة الأميركية للتنمية الماكينات لهذه البطاقات، لكن الماكينات ستخرب كما قال لي رئيس لجنة الحوار اللبناني – الفلسطيني، جزء من البطاقات تم إصداره ووعدنا رئيس الحكومة خيراً والتأجيل مرده إلى الخوف من التوطين، إنها تفاهات».

الهجرة بقوارب الموت

والمخيمات الفلسطينية في لبنان تستولد الأزمات الاجتماعية، ويقول أبو العردات: «أخبروني أن 4 عائلات غادرت في ليلة واحدة من مخيم المية ومية في البحر إلى اليونان، يبيعون كل شيء ويستدينون للهجرة ولو عبر قوارب الموت، هناك سماسرة يقبضون 10 آلاف دولار. العمالة السورية تنافس العمالة الفلسطينية في لبنان، ولا فرص عمل للشباب الفلسطيني المتعلم، هناك قوى شريرة تستخدم الفلسطينين في مجالات لا علاقة لها بفلسطين، حاولوا جذب المخيمات باتجاهات لا تخدم فلسطين من هنا وهناك وكنا نرسم سياستنا انطلاقاً من عملية النقد التي مارسناها لتجربتنا في لبنان وخلصنا إلى وجوب أن نكون على مسافة واحدة من الجميع، وأن ننسق مع الدولة اللبنانية سياسياً وأمنياً وعسكرياً ويكون التعاون بيننا فوق الطاولة، لكن الأهم أن تكون السيادة للدولة والكرامة للفلسطيني هذا ما يطلبه اللاجئ الفلسطيني في لبنان، التشريع في البرلمان جيد لجهة السماح للفلسطيني بالعمل لكن ما حصل أننا جردناه من التعويض والضمان ونهاية الخدمة، ودائماً تأتينا الردود أن الأمر يتعلق بالتركيبة الطائفية والمذهبية. التجنيس طاول لاجئين فلسطينيين وهم طاقات، لكن ماذا عن الفقراء الفلسطينيين المسيحيين في مخيم الضبية، يوجد هناك آلاف».

لا لشطب اللاجئين

ما حققته السفارة الفلسطينية في لبنان، أنها أعادت 27 ألف فلسطيني إلى السجلات اللبنانية بعدما كانت الدولة شطبتهم لأنهم غادروا لبنان إلى ألمانيا والولايات المتحدة. ويؤكد أبو العردات أن «العودة حق سياسي وليس من مصلحة لبنان شطب لاجئ لأن الدولة اللبنانية تعرف أن الفلسطيني لديه قضية. وكالة «أونروا» لم تشطب اللاجئين الذين غادروا لبنان وحصلوا على جنسية أخرى لكنها أرفقت الاسم بأنه مسافر في حال مضى على سفره خمس سنوات أو أكثر». في انتظار وضع آلية للمصالحة الفلسطينية – الفلسطينية وروزنامة زمنية للتطبيق، يتحول التواصل بين الداخل الفلسطيني والخارج عبر وسائل التواصل الاجتماعي. ويتلقى أبو العردات صوراً من حيفا مسقطه يرسلها له من لا يزال فيها. ويقول: «إن فلسطين بلاد جميلة جداً وجيل ما بعد اتفاق أوسلو يزداد صلابة ومقاومة على رغم كل الإنهاك».