IMLebanon

انتكاسة مبكرة لتفاهمات حذرة بين واشنطن وبيونغيانغ

كتب بشير عبدالفتاح في صحيفة “الحياة”:

علاوة على تباين وجهات نظر واشنطن وبيونغيانغ في شأن التوصيف الفني والقانوني والجغرافي لنزع السلاح النووي في شبه الجزيرة الكورية، وعدم توافقهما في شأن تفاصيل واضحة وآليات محددة في هذا الصدد، بدأت تلوح في الأفق عقب قمة سنغافورة، مؤشرات مقلقة تشي بإمكان حدوث انتكاسة في ما يخص مخرجاتها المتعلقة بمقصد إخلاء شبه الجزيرة الكورية من أسلحة الدمار الشامل. فمن جهة، جاءت القمة بروتوكولية إلى حد كبير، إذ انحصرت مراميها في الحيلولة دون تصعيد التوتر بين واشنطن وبيونغيانغ، من دون أن تتضمن خارطة طريق تفصيلية في شأن تحقيق هدفها الرئيس. لم ينطوِ البيان الصادر عن الزعيمين الأميركي والكوري الشمالي على أي اتفاقات أو تفاهمات محددة حول توقيت أو تفاصيل أو حتى الآليات الكفيلة بتنفيذ هذه العملية. فيما جاء تأكيد الزعيم الكوري الشمالي التزامه إخلاء شبه الجزيرة الكورية من السلاح النووي، من دون جدول زمني أو آليات، حسبما تطالب واشنطن.

في غضون ذلك، تناقلت صحف أميركية تقارير تؤكد مواصلة كوريا الشمالية تطوير برامج الأسلحة النووية والصواريخ الباليستية، بما فيها تلك ألعابرة للقارات. ففي ما يتصل بالسلاح النووي، رأي خبراء أميركيون أن «كيم الثالث» لا ينوي التخلي عن ترسانته النووية، واستندوا على معطيات عدة أبرزها: تأكيد وزير الخارجية الأميركية خلال جلسة استماع في الكونغرس نهاية الشهر الماضي، مواصلة كوريا الشمالية إنتاج مواد انشطارية نووية، ثم تأكيد وزير خارجية كوريا الشمالية ري يونغ هو، إبان زيارته لطهران مطلع الشهر الجاري، عزم بلاده الاحتفاظ بخبراتها وبنيتها التحتية النووية. وأرجع الوزير الكوري الشمالي موقف بلاده هذا إلى عدم ثقتها بالأميركيين. بينما يبدي خبراء من الأمم المتحدة قلقهم جراء استمرار التعاون العسكري بين طهران وبيونغيانغ، في مجالات تطوير الأسلحة النووية والصواريخ الباليستية. وفي هذا الصدد اكتشفت واشنطن عبر صور التقطت بالأقمار الاصطناعية مصنعاً داخل مجمع كبير للأبحاث في سانومدونغ قرب بيونغيانغ يقوم بتطوير صواريخ باليستية على بلوغ الساحل الشرقي للولايات المتحدة الأميركية. هكذا إذاً، بدأت قمة سنغافورة تواجه انتكاسة حقيقية، بدت ملامحها في الردة اللافتة التي اعترت مواقف وتصريحات المسؤولين الأميركيين والكوريين الشماليين على السواء خلال الآونة الأخيرة. ومن هنا أبدي مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون استياءه من عدم اتخاذ «كيم الثالث» خطوات ملموسة نحو نزع السلاح النووي، على رغم تقديم الرئيس ترامب تنازلات تمثلت في إلغائه مناورات عسكرية مشتركة مع كوريا الجنوبية، بالتوازي مع إعلانه تمسكه بمخرجات قمة سنغافورة.

وفي الوقت الذي يفتقر ترامب لفريق يمكن أن يدير المفاوضات بمهارة مع الجانب الكوري الشمالي المراوغ، يشكل إصرار واشنطن على استبقاء العقوبات الصارمة على بيونغيانغ بالتوازي مع المسار التفاوضي، حجر عثرة أمام دفع الأخيرة باتجاه نزع سلاحها النووي.

وردت بيونغيانغ على تمسك واشنطن باستبقاء العقوبات على كوريا الشمالية إلى حين إتمام نزع أسلحتها النووية، بالمطالبة بتوقيع معاهدة سلام بينها وبين واشنطن وسول، تفضي بدورها إلى ترسيخ أسس التفاهم بين الدول الثلاث وإرساء دعائم الأمن والاستقرار في شبه الجزيرة الكورية والعالم، كما اشترطت تقديم واشنطن ضمانات أمنية لها وتخفيف العقوبات المفروضة عليها، كشروط ابتدائية لمتابعة السير على طريق تخليها عن برامجها النووية والصاروخية. وانتقدت بيونغيانغ تصريح الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش خلال زيارة لطوكيو بضرورة نزع القدرات النووية لكوريا الشمالية، واتهمته بالانحياز إلى الموقف الأميركي. ويشكل فتور حماس بكين، تجاه مواصلة الضغط على كيم الثالث بسبب توتر علاقاتها مع واشنطن على خلفية اشتعال الحرب التجارية بين البلدين، ضربة قاصمة للمساعي الأميركية الرامية إلى نزع السلاح النووي لبيونغيانغ. فبينما أعربت الصين عن أملها في أن تبحث الولايات المتحدة المصالح الأمنية المشروعة لكوريا الشمالية، جددت دوائر أميركية اتهاماتها لبكين بعدم التعاون لتشديد وتفعيل العقوبات المفروضة على بيونغيانغ، خصوصاً بعدما أظهرت صور الأقمار الاصطناعية الأميركية عمليات نقل غير قانونية للنفط في أعالي البحار بين بكين وكوريا الشمالية. ورداً على فرض واشنطن عقوبات على شركات روسية وصينية اتهمتها بخرق العقوبات على كوريا الشمالية، أعلنت الدولتان معارضتهما فرض أي عقوبات أحادية، كما هددتا بتدابير انتقامية، وطالبتا واشنطن بالتراجع عن ممارسة ضغوط على بيونغيانغ، إذا كانت ترغب في سلام دائم في شبه الجزيرة الكورية.

ويبدو أن نشوة ترامب بلقاء نظيره الكوري الشمالي في سنغافورة بدأت في الأفول مع تراجع احتمالات تنفيذ تعهدات تخص نزع أسلحة بيونغيانغ النووية، وتفاقم الانتقادات من جانب أجنحة عدة في الإدارة الأميركية جراء عدم حدوث انفراجة لافتة في هذا المضمار حتى الآن. ففي مؤشر على نفاد صبر واشنطن إزاء ما تعتبره تقاعساً ومراوغة من قبل كوريا الشمالية، أكد وزير الخارجية الأميركي أن بلاده لن تسمح بتدهور الوضع، قائلاً: «نحن منخرطون في ديبلوماسية صبورة، لكن هذا لن يستمر إلى ما لا نهاية». ورداً على مطالبة روسيا والصين مجلس الأمن الدولي تخفيف العقوبات عن كوريا الشمالية مكافأة لها على تدشينها حواراً مع واشنطن وتجميدها اختباراتها النووية والصاروخية، دعت واشنطن المجلس إلى تكثيف الضغوط وإبقاء العقوبات الاقتصادية الصارمة على بيونغيانغ وضمان تطبيقها بدقة بغية حمل «كيم الثالث» على اتخاذ خطوات عملية ليس لإزالة الرؤوس النووية والصواريخ الباليستية فحسب، بل والحيلولة دون احتفاظها ببنية علمية وفنية تعينها على معاودة إنتاج مواد قادرة على إعادة إنتاج مثل هذه الأسلحة الفتاكة.