IMLebanon

“الخلايا النائمة” تتفكك… والاعترافات مستمرة!

كتب علي الحسيني في “المستقبل”:

كثيرة الإنجازات وقليلة البيانات، ولأنها كذلك، فقد عكست طرق عمليات اغتيال ضباط ورتباء “شعبة المعلومات” في قوى الأمن الداخلي أهميّة وجودها في حياة كل لبناني شريف عوّل على دور الدولة لا الدويلات. مؤسّسة تمكنت بفارق زمني بسيط من أن تُصبح من أهم المؤسسات الأمنية في لبنان والثقل الأمني الأهم في بلد كانت تُطوى فيه ملفات الجرائم ويبقى فيه القاتل غامضاً حتى ولو اجتمع مئات الشهود على جريمته.

يوم الجمعة الماضي سجّلت “شعبة المعلومات” في قوى الأمن الداخلي إنجازاً جديداً من خلال عملية نوعية مكّنتها من إحباط مخطط لتنظيم “داعش”، لاستهداف حاجز للجيش وإحدى الكنائس. وقد أتى الكشف عن العملية في وقت تشهد فيه البلاد حالة من الهدوء والإستقرار الأمني يمتد مسارها إلى يوم دحر الجماعات الإرهابية إلى خارج الحدود اللبنانية، وهذا ما عوّلت عليه الجماعات الإرهابية في مخططها الإجرامي ظنّاً منها بأن الأجهزة الأمنية قد دخلت في حالة من التراخي بعدما نجحت في عملية حفظ الأمن والإستقرار. وهذا ما تعتمده تلك الجماعات في معظم الدول والأمكنة التي يكون لها فيها أذرع وخلايا نائمة.

بناءً على هذه الأفكار المُسبقة لدى هذه الجماعات لجهة “التراخي” الأمني في الإستقرار والهدوء، كان قرارها بتوجيه ضربة للجيش وهزّ الإستقرار اللبناني أوّلاً بهدف الإيحاء بمدى هشاشة الوضع في لبنان وأنه أقرب إلى الإنفجار من جديد، وثانياً إستعادة الثقة التي فقدتها الجماعات بعد توجيه ضربة قاسية لها في لبنان ومنعها من التحرك كما كانت تفعل سابقاً، بالإضافة إلى ضرب خلاياها النائمة في أكثر من منطقة وشل حركتها بشكل كامل ومنعها من إستعادة أنشطتها العدائية والإجرامية. وهذا كلّه يعود إلى ما يُعرف بـ”بنك الأهداف” الذي تمتلكه الأجهزة الأمنية وتحديداً “شعبة المعلومات” من خلال عمليات الرصد والمتابعة لأنشطة الإرهابيين والاعترافات التي انتزعتها من الموقوفين وبنت عليها جملة معطيات وتحليلات أدت إلى كشف تفاصيل حركتهم وطريقة عملهم وتوزيع الأدوار.

ما حققته الشعبة منذ أيام هو إنجاز يُمكن البناء عليه في عملية تثبيت الأمن خلال المرحلة الحالية والمقبلة، ويمكن القول لا بل الجزم، بأن ثمّة دولة في البلد يُمكنها أن تتخذ القرارات المناسبة والصائبة التي تحول دون تعريض البلد لخضّات أو هزّات أمنية على غرار ما كان حصل يوم استحكمت الجماعات الإرهابية قبل طردها إلى خارج الحدود، أو ما تحاول بعض الجماعات الإرهابية وخصوصاً “داعش”، القيام به اليوم ولكن بالطبع من دون أن تفلح في تنفيذ مخططاتها.

على خط الإستقرار نفسه وعلى قاعدة أن أمن البلد فوق كل اعتبار، تفرض المؤسسات الأمنية بكافة أجهزتها، رقابتها الحاسمة والحازمة على مدار الساعة، منعاً لإستغلال بعض الهفوات أو الخلافات السياسية التي تحصل بين الحين والآخر، والتي قد تؤدي من دون قصد، إلى فرض واقع لا يخدم سوى مصلحة الجهات الساعية إلى خلق فوضى أمنية وإبقاء لبنان ضمن مناطق التوتر والنيران المشتعلة. ومن هنا، تأتي العمليات الاستباقية لتفرض واقعاً جديداً عنوانه السلم الأهلي والوطني “خط أحمر” ليس من المسموح تجاوزه، أو حتى الاقتراب منه.

وفي السياق، تكشف مصادر أمنية لـ “المستقبل”، أن “في حوزة الأجهزة الأمنيّة اليوم وتحديداً مخابرات الجيش وشعبة المعلومات، عدداً لا يستهان به من عناصر داعش وتنظيمات ارهابية يخضعون لتحقيقات متكررة، وأن لدى بعض هؤلاء الموقوفين معلومات يُفرجون عنها تباعاً”، مؤكدة ان “عامل التوقيت لا يسمح في بعض الاحيان بالكشف عن هؤلاء الأشخاص واعترافاتهم نظراً لدقتها وخطورتها ولأن أعمال الأجهزة الأمنية وتحقيقاتها لطالما اتسمت بالسريّة الكاملة”.

وتؤكد المصادر أن “شعبة المعلومات تقوم بواجبها على أكمل وجه في ما خص حربها على الارهاب والمُستمرة منذ ما قبل استشهاد اللواء وسام الحسن. وقد جاءت العملية النوعية منذ أيام لتُكمل الاستعدادات والتحضيرات التي كان أعدتها الشعبة من قبل. وهذا الإنجاز كاف ليُفسّر للقريب قبل البعيد، كيف أن لبنان ينعم بهذا الكم من الأمن والإستقرار خصوصاً وأنه يعيش وسط محيط متفجّر يبدو فيه اليوم، أشبه بواحة استقرار في صحراء ملتهبة بالحروب والأزمات”.

من العمل السياسي الصحيح في البلد والمعطوف على خلق شبكة أمان تُغطي العمل الأمني لأجهزة بات من الصعب فصل إنجازاتها عن الأعمال التي تقوم بها أهم الدول الأوروبية والعربية، يبدو لافتاً في لبنان، أن الإستقرار بكافة أنواعه يرتكز بالدرجة الأولى، على التوافق السياسي وعلى توحّد اللبنانيين ودعمهم المؤسسات المعنية بتكريس هذا الأمن وفرضه، خصوصاً خلال الفترة الحالية التي تُعتبر حداً فاصلاً بين تمتين الساحة الداخلية وتثبيت الأمن والاستقرار فيها، وبين جر البلد إلى المجهول.

وعلى طريق العمل الصحيح يتأكد أنه مع كل شهيد يسقط من “شعبة المعلومات” ومع كل عملية نوعية تقوم بها وإنجاز أمني تُحققه، يتقدّم اسمها الى الواجهة الأمنية أكثر فأكثر على الرغم من الخطورة التي تحوم حولها بعد تحولها إلى هدف دائم لدى الجماعات الإرهابية.