IMLebanon

الخيارات الكبرى تؤخّر الحكومة والحلول قد تأتي من خارج الحدود

كتبت ميرا جزيني عساف في صحيفة “اللواء”:

تراوح عملية تشكيل الحكومة مكانها منذ أربعة أشهر مدلّلة إلى أزمة أكبر من الصراع على المقاعد والحصص تتكرّر مع كلّ تشكيل حكومي، لعلّ أطوله كان في زمن تكليف تمام سلام تشكيل حكومته في العام 2014. غير أنّ المعطيات التي تحكم المشهد السياسي اللبناني في الـ2018 تختلف عمّا قبلها، وهي، بنظر مراقبين تثقل عملية التشكيل بكثير من المتغيّرات في لبنان والمنطقة.

في اعتقاد أوساط عليمة أنّ مسألة تشكيل الحكومة لم تعد مُقتصرة على الصراع على الحصص الوزارية والحقائب، بل تعدّتها الى صراع على خيارات سياسية من جهة، والى صراع على صلاحيات مُتناتشة يطفو السجال حولها مع كلّ استحقاق، من جهة أخرى. عمليّا، تتوزّع الخيارات السياسية على ما تفتح عليه المرحلة المقبلة في الإقليم من تحديات جمّة، تعيد ربط لبنان بمحيطه الطبيعي. وهنا تحدّد الأوساط العليمة مسألة إحياء العلاقات مع سوريا، وهي ليست بمسألة بسيطة بعد صراع انقسم جراءه اللبنانيون بين حدّي السيف، فالحكومة المقبلة يراها البعض حكومة الربط مع سوريا من خلال التعاون الضروري  إقتصاديا لفكّ الحصار عن الصادرات اللبنانية، ولإعادة النازحين في ضوء خارطة الطريق الروسية والكلام الروسي عن أنّ إعادة إحياء العلاقات بين بيروت ودمشق كفيل بتسهيل الآلية العملية لهذه العودة وتسريعها، في مقابل رفض أطراف وازنة أخرى أيّ بحث في هذا الموضوع وتعويلها على الوساطة الروسية لحلّ هذا الملفّ من دون أي تواصل بين الحكومتين اللبنانية والسورية.

وبانتظار استنباط حلّ قد يتأتّى من تسويات عابرة للحدود بين أعداء الأمس، مُلزما الأطراف في الداخل بوصل ما انقطع مع دمشق توازيا مع المشاورات السياسية التي تقودها موسكو مع كلّ الأطراف المعنيين بالأزمة في سوريا، فإنّ ما يُثار عن صراع صلاحيات في الداخل يكاد يكون مُنتفيا في الأصل وفاقد الصلاحية سوى من الرغبة في الإثارة وشدّ عصب، بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة. ولا يعدو هذا الأمر، بحسب الأوساط العليمة، ملئا لوقت ضائع وللتغطية على الأسباب الحقيقية الكامنة وراء تأخّر التشكيل والتي تشكّل العلاقات مع سوريا أساسا لها. ويستندون الى أنّ رئيس الجمهورية يدرك تماما أنّ أيّ خطوات عملية لسحب التكليف، وفق ما دُرج على الترويج له في الآونة الأخيرة، غير ممكنة عمليّا. فهو العالم بالصلاحيات المنوطة به بعد دستور الطائف، لا يسعى من خلال خطواته المُرتقبة في شهر أيلول، كما تقول أوساطه، سوى الى تحريك المياه الراكدة في الملفّ الحكومي بعدما استشعر من الجمود الحاصل أنّ أسباب تأخير ولادة حكومة العهد الأولى، كما درج على تسميتها، لم تعد بريئة أو عفوية.

وتشير الأوساط الى أنّه رغم كلّ الضجيج المُثار حول الصلاحيات وما يخفيه من إشارات سلبية قد تهدّد الودّ الذي حكم العلاقة بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة منذ انتخاب العماد ميشال عون رئيسا للبلاد في تشرين الأوّل من العام 2016، لن يرقى الى مستوى تهديد التسوية الرئاسية وإعادة عقارب الساعة الى زمن الاصطفافات الحادّة، لسبب بسيط وهو أنّ المناخات الدولية التي تحكم المشهد الإقليمي تنحو الى التسوية مع أفول زمن الحروب، التي وإن لم تنته بعد، فإنّها تشهد محطّات مفصلية نحو هندسة الحلول السياسية، وإن تأخّر موعد رسم الصورة النهائية لما ستكون عليه التوازنات الجديدة.