IMLebanon

تبادل المعلومات الضريبية: لبنان مهدد باللائحة السوداء

كتب ايلي الفرزلي في صحيفة “الأخبار”:

يسلك لبنان، هذا الشهر، الطريق نحو التبادل التلقائي للمعلومات الضريبية، بعد عام على بدء تطبيق تبادل المعلومات الضريبية. لكنه مع ذلك، ولأن التطبيق تضمن ثغرات عدة، فهو مهدد بالانضمام إلى اللائحة السوداء التي يضعها المنتدى الدولي حول الشفافية وتبادل المعلومات للأغراض الضريبية للدول غير المتعاونة أو المتعاونة جزئياً، إذا لم يسارع إلى سد هذه الثغرات، إن كان عبر إقرار التشريعات العالقة أو إيجاد آلية عملية للتنفيذ.

لم يعد أمام لبنان سوى أشهر قليلة حتى يتجنب وضعه على اللائحة السوداء الخاصة بالدول غير المتعاونة في مسألة تبادل المعلومات الضريبية. هذا على الأقل ما يؤكده الخبراء المطلعون على التحضيرات التي يقوم بها لبنان تمهيداً لزيارة فريق التقييم التابع للمنتدى الدولي حول الشفافية وتبادل المعلومات للأغراض الضريبية (Global Forum) في تشرين الثاني المقبل.

هؤلاء يؤكدون أن عدم رفع لبنان لوتيرة عمله لمعالجة الثغرات التي تواجه عملية التطبيق سيعني إدراجه على اللائحة السوداء للمنتدى. وهذا يعني بلغة «مجموعة العشرين» انتقال الدول المدرجة على تلك اللائحة إلى مرحلة خطيرة، لا سيما منها تعرضها لضغوط مالية دولية تنتج منها مفاعيل سياسية واقتصادية.

هل يمكن تجنب هذه الكأس؟ نظرياً لا يزال ذلك ممكناً، أسوة بما حصل في التقييم الأول (تقييم الجاهزية القانونية للبنان في مجال تبادل المعلومات الضريبية)، والذي كانت نتيجته إقرار مجلس النواب، في تشرين الأول 2016، القوانين المطلوبة من المنتدى الدولي، وأبرزها قانون تبادل المعلومات الضريبية، الذي اعتبر الأساس لتطبيق المعايير الدولية لتبادل المعلومات الضريبية. لكن في التقييم الثاني، أي تقييم مدى الالتزام العملي بتبادل هذه المعلومات، فيبدو أن دونه الكثير من الخطوات المطلوبة من لبنان. إذ يتوجب عليه الإجابة على الاستبيان الذي تلقاه من المنتدى، وأن يبرهن عن تقدم لناحية معالجة طلبات المعلومات (بما فيها المعلومات المصرفية) التي ترد من دول أجنبية لناحية النوعية والدقة والمهل.

ومن الأمور التي يتطلع المنتدى إلى تقييمها أيضاً: التأكد من أن الأسهم لحاملها لم تعد متداولة، الشفافية في ما يتعلق بمبدأ Trust (إدارة الأموال من قبل من يسمى المؤتمن على الأموال)، التأكد من فعالية الرقابة على الجمعيات المكلفة لدى إدارات ضريبية أجنبية…

وفيما تشير المعلومات إلى أن الفريق اللبناني المكلّف مهمة التحضير للتقييم بقيادة مدير المالية العامة في وزارة المالية ألان بيفاني، يعمل ليلاً ونهاراً لتأمين متطلبات النجاح في التقييم، إلا أن ثمة شكوى من التعامل الرسمي مع هذا الملف، لا سيما لناحية الاستخفاف بنتائجه، والاطمئنان، خلافاً للواقع، أن النجاح سابقاً في النفاذ من اللائحة السوداء يمكن أن يتكرر حالياً.

كل ذلك يجري بالتوازي مع بدء العد العكسي لانطلاق مرحلة التبادل التلقائي للمعلومات الضريبية، والتي يفترض أن تبدأ في أيلول الجاري، بعدما كان قد بدأ في أيلول الماضي تبادل المعلومات بناء للطلب. علماً أن المعلومات التي سيتم تبادلها مع الدول التي تبدي رغبتها بذلك تتعلق بالأشخاص المسجلين ضريبياً في تلك الدول، وتتناول الحسابات المصرفية والمالية المفتوحة لدى القطاع المالي في لبنان وبوالص التأمين على الحياة مع الاستثمار المفتوحة لدى شركات التأمين.

صحيح أن لبنان دأب على النجاة من اللائحة السوداء للدول غير المتعاونة من خلال التزامه بتوصيات المنتدى خلال الفترة الممتدة من أيلول 2016 إلى نيسان 2017، إلا أن ذلك لم يكن ليحصل لولا جهود الفريق اللبناني أثناء مناقشة التقرير الخاص بلبنان في اجتماع المنتدى العالمي للشفافية الضريبية الذي عقد في بنما في حزيران 2017، وحضره بيفاني عن وزارة المالية وبيار كنعان وكارين شرتوني عن مصرف لبنان. حينها نجح لبنان بالحصول على تقييم Largely Compliant، بصورة موقتة، ما سمح بتجنب وضعه على اللائحة السوداء الصادرة عن دول G20 في تموز 2017، على أن يخضع لتقييم المرحلة الثانية (الإطار العملي لتبادل المعلومات بناء لطلب) للحصول على التقييم النهائي (المرحلة الحالية)، على أن يناقش المنتدى التقرير الناتج من هذا التقييم في النصف الأول من العام المقبل. وبحسب أكثر من مصدر مطلع، فإن لبنان قادر على تخطي هذه العقبة كما فعل قبلاً، لكن ذلك لن يكون ممكناً من دون تضافر جهود المجلس النيابي ومجلس الوزراء والوزراء المعنيين.

وعلى رغم أن لبنان كان في مرحلة التبادل عبر الطلب، أمام فرصة الاستفادة لا الإفادة فقط، إلا أنه لم يسجل أي طلب لبناني لأي معلومات ضريبية تتعلق بالمكلفين اللبنانيين الذين يملكون أرصدة أو أسهماً في الخارج. وعليه، فقد بقيت المعلومات الضريبية تسير باتجاه واحد، من لبنان إلى الخارج، بما أوحى أن ثمة في الطبقة السياسية – الاقتصادية الحاكمة من يضغط في سبيل عدم الاستفادة من المرحلة الأولى لتبادل المعلومات الضريبية (بناء للطلب)، لأن لا مصلحة له بوصول أي معلومات عن حسابات لبنانيين في الخارج. لكن بدءاً من الشهر الجاري، سيكون هذا اللوبي أمام تحدٍ كبير عنوانه التبادل التلقائي للمعلومات. وبالتالي فإن لبنان، عبر الإدارة الضريبية في وزارة المالية، سيكون في مواجهة كم من المعلومات التي، إذا تمكن من استثمارها، سيستطيع تحصيل ضرائب لم يكن قادراً على تحصيلها في السابق، خصوصاً تلك المتعلقة بالأرباح الرأسمالية (الفوائد والأسهم المرتبطة) للبنانيين مقيمين ضريبياً في لبنان. فهل ينجح في الاستفادة من النظام الذي فُرض عليه دولياً، أم أن اللوبي المتضرر سيكون مرة جديدة في المرصاد؟

مواجهة الجنات الضريبية

بدأت مسألة تبادل المعلومات الضريبية تتحول إلى اتفاقية دولية، بعدما قررت مجموعة العشرين في العام 2008 اتخاذ إجراءات أكثر فاعلية لوقف عمليات التهرب الضريبي، ربطاً بفضيحة التهرّب من الضرائب التي طاولت مصرف UBS الأميركي في العام 2008 على يد أحد موظّفيه. وقامت المجموعة بتعزيز صلاحيات المنظمات الدولية العاملة على مكافحة جريمة التهرّب الضريبي، ومنها المنتدى الدولي للشفافية وتبادل المعلومات للأغراض الضريبيّة (Global Forum) الذي يخضع لإشراف منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OECD).

وبعد توالي الفضائح التي طاولت عدداً كبيراً من المصارف والبلدان وأصحاب الأموال، وأشهرها فضيحة «أوراق بنما»، زادت أهمية التعاون في تبادل المعلومات لأغراض ضريبية. فاتخذت سلطات مالية وضريبيّة قراراً يقضي بعولمة قانون الامتثال الضريبي الأميركي ليصبح قانوناً دولياً تحت مسمّى قانون الامتثال الضريبي على الحسابات العالمية GATCA ينبثق من المنتدى الدولي ويساهم في تبادل المعلومات المالية بين الدول التي وقعته، لمنع مواطني هذه الدول من التهرّب من دفع الضرائب.

لم يكن أمام لبنان سوى الانضمام إلى المنتدى، كي لا يعتبر جنّة ضريبية، فيدرج في اللائحة السوداء الدولية. وبعد كثير من التأخير، صار جزءاً من المنظومة الدولية لمراقبة احتمالات التهرب من الضرائب، وأصبحت مصارفه مُلزمة بدءاً من أيلول الماضي بتقديم المعلومات المالية المتعلقة بالحسابات لديها بناء لطلب الدول المنضوية في النظام، على أن تبدأ هذا الشهر مرحلة التبادل التلقائي للمعلومات الضريبية بين الدول الأعضاء.