IMLebanon

إستحضار التطبيع محاولة مكشوفة لربط التشكيل بدمشق

كتب معروف الداعوق في صحيفة “اللواء”:

ما يزال موضوع التأخير في تشكيل الحكومة الجديدة، الشغل الشاغل للبنانيين وبات يطغى على مجمل الأحاديث واللقاءات السياسية والعامة، باعتبار ان إنجاز التأليف وقيام حكومة تتولى إدارة السلطة وتسيير أمور النّاس والبلد أصبح أكثر من ضروري، لوفق حالة التآكل والوهن التي تصيب عمل المؤسسات والإدارات الرسمية والعامة، ولم يعد يقتنع معظم النّاس بأن أسباب عرقلة التأليف محصورة بالمطالب والحصص التعجيزية، بل تتعداها إلى أبعد من ذلك، لأسباب وارتباطات خارجية وتحديداً علاقتها بالنظام السوري والإيراني على حدٍ سواء بالرغم من كل محاولات نفي هذه العلاقة أو غيرها بالخارج وتركيز بعض المسؤولين الكبار بحصرها بالداخل و«التناتش» على الحصص والحقائب الوزارية بين أطراف محددين.

ولعل ما يُعزّز الاعتقاد بارتباط العرقلة بالخارج وتحديداً بالنظامين في سوريا وإيران، هو الاستحضار المدروس من قبل «التيار العوني» وحلفائه لأكثر من مسألة تثير حساسيات واعتراضات أطراف آخرين، وهم يشكلون أو يمثلون قرابة نصف اللبنانيين أو أكثر، وأولها مسألة إعادة العلاقات اللبنانية – السورية من بوابة تطبيع العلاقة بين رئيس الحكومة المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري أو من يمثله مع رأس النظام السوري بشار الأسد أو مع فريقه السلطوي على مستويات عالية، أو بين الحكومتين اللبنانية والسورية على مستوى رئيسي الحكومة، بحجة ان تطبيع هذه العلاقة بين الحكومتين أو السلطتين على هذه المستويات الرفيعة ضروري للمساعدة على حل مشكلة النازحين السوريين كما ردد دعاة هذه النظرية في خطبهم ومواقفهم السياسية الموجهة والموعز بها من أجهزة النظام السوري كما هو واضح من خلال ترديد نفس العبارات والصيغ على كل المستويات.

اما المسألة الأخرى التي تلطى وراءها الفريق العوني على اختلاف مراتبه، فهي ان التواصل والانفتاح مع النظام السوري ضروري لتأمين فتح معبر «نصيب» على الحدود السورية – الأردنية، باعتباره شرياناً حيوياً لمرور صادرات الترانزيت من خضار وفواكه ومنتجات وصناعات لبنانية الى دول الخليج العربي التي تستهلك معظم هذه الصادرات، وذهب البعض إلى تحميل الرئيس الحريري بشكل غير مباشر مسؤولية استمرار إغلاق هذا المعبر لرفضه التطبيع والتواصل مع نظام الأسد، حتى وصل الأمر من بعض السياسيين إلى تحريض المزارعين والتجار والصناعيين ضده.

لم تكن إثارة هذين الموضوعين خلال مرحلة تكليف الرئيس الحريري بتشكيل الحكومة الجديدة هكذا بالصدفة ولم تكن الأهداف بريئة كما يرى البعض ذلك من منظار ضيق، بل ان استحضار هذين الموضوعين الخلافيين خلال الاتصالات والمشاورات الجارية لتشكيل الحكومة العتيدة، إما إلى عرقلة التأليف ووضع صعوبات في طريقه تحت شعار، إما ان يمر تشكيل الحكومة في دمشق كما كان يحصل في السابق، أو ان تأليف الحكومة المرتقبة مؤجل في الوقت الحاضر تحت عناوين الحصص والحقائب والتوازنات وما شابه وهو ما عرقل فعلياً عملية التشكيل التي كانت جارية على قدم وساق، لا سيما وأن كل ما أثير من حجج لتبرير التنسيق والانفتاح بين الحكومتين اللبنانية والسورية لا يمت إلى الواقع بصلة، ولا سيما ان كل الترتيبات اللازمة لإعادة النازحين على مستوى سوريا كلها مناطة بالجانب الروسي الذي يتولى التنسيق مع الحكومتين اللبنانية والسورية، في حين أن تأمين عودة النازحين المنفردين الراغبين بالعودة حالياً تتم عبر التنسيق بين الأمن العام اللبناني مع السلطات السورية ولا يوجد ما يعيق هذه العودة حتى الآن، في حين أن التذرع بمسألة فتح معبر «نصيب» يجافي الواقع والحقيقة لأن فتح هذا المعبر يخضع لحسابات وتوافقات السلطات الأردنية والسورية تحديداً، وكذلك الدول المؤثرة في هذه المنطقة وخصوصاً روسيا والولايات المتحدة ودول الخليج أيضاً.

آخر النظريات التي يروّج لها هذا الفريق المعرقل لتشكيل الحكومة الجديدة بأنه لا داعي للعجلة في التأليف في الوقت الحاضر، وما زلنا نحن الفريق الذي كسبنا الحرب في سوريا وبعد انتهاء معركة «إدلب» التي سننتصر فيها بالطبع سنفرض تأليف الحكومة العتيدة بشروطنا نحن وليس بشروط خصومنا ومطالبهم لأن موازين القوى السياسية وغيرها على الأرض هي لصالحنا وليست لصالحهم والانتظار لن يفيدهم.

كل هذه الوقائع والمواقف والحملات التي تمّ الترويج لها إبان مرحلة تأليف الحكومة الجديدة وفي حمأة اندفاع الرئيس المكلف وحرصه على انجاز التشكيلة الحكومية ضمن التوازنات السياسية الدقيقة والتي تأخذ بعين الاعتبار التمثيل السياسي لكل الأطراف الأساسيين المؤثرين، تدل على الارتباط الخارجي للقوى الداعية إلى تطبيع العلاقة مع النظام السوري أو للدقة، بعض هذه القوى وليس كلها، على أمل أن يؤدي هذا الترويج أو الاندفاعة الممجوجة باتجاه النظام السوري هذا في هذه المرحلة، تقديم استدراج عروض واستجداء النظام السوري للاستقواء به إن كان في الحصول على حصة وزارية مرجحة في التركيبة الحكومة المرتقبة مرحلياً بينما يبقى الأهم الانتخابات الرئاسية المقبلة وهي الهدف الأساسي من كل هذه الترجيحات والعراقيل المفتعلة.