IMLebanon

انهيار الاقتصاد اللبناني يلوح في الأفق

كتبت صحيفة “العرب” اللندنية: “أي شيء أجنبي يحمل قيمة أكبر”؛ هذا هو الشعار الذي ينطبق على رد الفعل اللبناني على مقال نشر في مجلة الإيكونوميست والذي يقضي بالانهيار الوشيك للاقتصاد في البلاد.

إن توقعات انهيار لبنان الاقتصادي ليست بالجديدة. فقد دفعت سنوات من الفساد الهيكلي والشهية التي لا تشبع للنخبة الحاكمة والشعب لبنان إلى الغرق في ديون بقيمة 80 مليار دولار، مع عدم وجود آفاق حقيقية للتعافي في الأفق.

ومع ذلك، فإن السؤال ليس عن حالة الصحة الاقتصادية المتردية في لبنان، ولكن لماذا شعر الشعب اللبناني بالذعر فجأة بسبب مقال نُشر في مجلة أجنبية، وفي الوقت نفسه يتجاهلون المزيد من الإنذارات المحلية التي تحذر من التدهور الاقتصادي، مثلما حدث بعد أن تدهور قطاع المرافق العامة، التي حولت البلاد إلى مكب نفايات ضخم، إلى جانب المعاناة الدائمة من تيارات الكهرباء المتقطعة.

وكان رد فعل الدولة اللبنانية على مقالة الإيكونوميست هو إعلان حالة من النكران، بافتراض نهج العمل المعتاد مع تجنب أي اتهامات تم توجيهها إليهم. وبعد زيارة إلى الرئيس اللبناني ميشال عون، أكد وزير المالية اللبناني، علي حسن خليل، للجمهور القلق أن جميع المؤشرات تؤكد أن الاقتصاد آمن، رافضا الحديث عن أي انهيار اقتصادي وشيك.

لم تكن مقالة الإيكونوميست مجرد توبيخ علني للمؤسسة السياسية والاقتصادية اللبنانية، بل كانت تحديا مباشرا لميل الشعب اللبناني النرجسي للتلاعب بالأحداث لتصوير أنفسهم كضحايا، بدلاً من كونهم مسؤولين عن هذه الأزمات التي تنهال عليهم.

وفي محاولة يائسة لقلب الواقع، حاول الكثيرون في لبنان استخدام أزمة اللاجئين السوريين كذريعة لتبرير الأزمة الاقتصادية التي يواجهونها. ومع ذلك فإن مشكلة اللاجئين السوريين البالغ عددهم 1.5 مليون، والأعباء التي يفرضونها على الدولة اللبنانية لا ترقى إلى حد يفسر الانهيار الاقتصادي الكامل للبنان.

المفارقة هي أن المعلومات الواردة في مقالة الإيكونوميست لا تُذكر مقارنة بالمعلومات الواردة في تقرير صندوق النقد الدولي الصادر في فبراير الماضي. فقد كان صندوق النقد الدولي صريحا محذرا من الأخطار التي يواجهها لبنان ويطالب الدولة بالشروع في إصلاحاتها التي طال انتظارها: مثل خفض تكاليف الإنفاق وزيادة الضرائب على البنزين وإلغاء دعم الكهرباء وإنجاز التدابير التي وعدت بها ولكنها لم تبدأ في تحقيقها بعد.

وعلى نفس المنوال أضاف مؤتمر “سيدر” الذي عقد في أبريل الماضي، والذي وفر للبنان 12 مليار دولار من القروض والتعهدات، تحذيرا خاصا به، مؤكدا على صلة الانتعاش الاقتصادي بالإصلاحات التي التزم بها لبنان من قبل. وفي مؤتمر “سيدر”، تواصلت الحكومة اللبنانية مع المانحين الدوليين، مؤكدة لهم أنها ستستخدم أي أموال لإصلاح البنية التحتية التي ساعدتها على التعامل مع تدفق أعداد اللاجئين.

وحتى قبل أن تصل الأموال إلى جيوبها الجائعة، قادت الدولة اللبنانية، بقيادة الرئيس عون المتواطئ ضمنياً مع حزب الله، حملة لتطبيع العلاقات مع نظام الأسد بحجة أن اللاجئين الذين فروا من سوريا هربا من قبضة الأسد أصبحوا الآن آمنين للعودة إلى ديارهم، حتى لو كانت منازلهم وقراهم لا تزال في أيدي الاحتلال أو تم تجريفها بالكامل.

ولفترة طويلة، كانت الإدارة السياسية والاقتصادية في لبنان تحاول أن تغض الطرف عن أي شيء غير مريح من الممكن أن يتسبب في تشويه صورتها. بل وكانت تعتبر أن أي شيء يهدد كياناتها “النظيفة” إهانة شخصية. ومع ذلك فإن تصميم اللبنانيين المستمر على التدمير الذاتي لم يعد من الممكن تجاهله من جانب المجتمع الدولي أو الخبراء الماليين، أو حتى على ما يبدو من “الإيكونوميست”.

وفي نهاية الأمر تم فضح اللبنانيين ووصفهم بأنهم الأطفال المدللون، لا سيما أنه رغم إنفاقهم المتهور وتراكم الديون عليهم، فإن آباءهم، في هذه الحالة المجتمع الدولي ودول الخليج، سيتكفلون بهم ويسددون ديونهم. ومع ذلك، إذا استمر هذا السلوك، فمن المؤكد أن التقارير الدولية عن الاقتصاد اللبناني، وبدلا من أن تكون مجرد تقارير تحذيرية ستتخذ اتجاهاً قاتماً في الفترة القادمة.