IMLebanon

ماذا عن الإرادة الأميركية تجاه لبنان؟

كتبت صحيفة “اللواء”:

من اللاذقية، حيث يُعد ميناؤها أهم مرفأ في سوريا، حيث استحدث وتطوّر ليكون بديلاً سورياً لميناء بيروت بعد العام 1950 تاريخ انفراط الوحدة الجمركية بين لبنان وسوريا… إلى الأهواز إحدى المناطق في جمهورية إيران الإسلامية، التي تمثل أراضيها حلقة الربط بين جارتيها الغربيتين تركيا والعراق، وجارتيها الشرقيتين – أفغانستان وباكستان، إلى ضاحية بيروت الجنوبية، حيث تحتشد هناك قوة جماهيرية، شعبية، عسكرية، ذات اعتقاد ديني راسخ، يبدو المشهد آخذ في التحسُّب إلى ما هو أبعد من كلام عن انتصارات، أو توجس من اشتباك، مع الأخذ في نظر الاعتبار، المشهد على الضفة الأخرى، من نهر «المنازلة الكبرى»، سواء عبر ادلب السورية أو الشمال السوري، حيث تتجمع هناك بقايا الحشود، المدحورة، بقوة الطيران الروسي، والقصف السوري، والمواجهة الميدانية للمحور الذي تدعمه موسكو، أو عبر وحدات «القوة الأميركية» التي تلعب على مسرح الأحداث، سواء في البادية السورية أو على مقربة من المياه الإقليمية في المتوسط من شمال افريقيا إلى مياه حيفا، أو عبر قوة النار الجوية الإسرائيلية، التي ضربت في اللاذقية، ما قالت الدوائر الحربية المعادية انه مستودعات للصناعات التقنية في اللاذقية على الساحل السوري، وهي تتنقل من جبهة إلى جبهة، في وقت تحتدم فيه المواجهة الشعبية الفلسطينية مع قوات الاحتلال في غزة، على إيقاع، توعّد حركة «حماس» و«الجهاد الاسلامي» وفصائل مقاومة أخرى حكومة نتنياهو بالردّ على القصف بالقصف وعلى القتل بالقتل وعلى الدمار بالدمار..

ينتصب مشهد المواجهة على طول الشرق الأوسط، لا سيما الشق الآسيوي منه، ثمة محوران يتقاتلان: محور تقوده روسيا الاتحادية بزعامة فلاديمير بوتين، ومحور تقوده الولايات المتحدة الأميركية برئاسة دونالد ترامب، الشخصية المثيرة للجدل، والمتورطة في ما يشبه أفلام «الحب والرعب»، والتي تحافظ على مستوى من «الفضائحية»، تملأ الصحف والكتب ومواقع التواصل ومحطات الإذاعة والتلفزة في بلاد الله الواسعة، أو عاصمة «العالم الجديد» التي أصبحت عاصمة الكون المعمور بأسره.

في الضفة الأخرى من خندق المواجهة، تقف إسرائيل، وهي تعلن ما تريد صراحة: إبعاد إيران عن الشرق الأدنى (سوريا، الأردن، لبنان، العراق وغزة).

هذا في الجغرافيا، أمَّا في الشؤون الأخرى، فالأبعد الإطاحة بالنظام الحالي، وتدمير قدرات الحرس الثوري، ومحاصرة التحوَّل                الحاصل في الصناعات الحربية والصاروخية..

ويشترك في الهدف هذا، في الشق المعلن، وما يرتبط به من أهداف أخرى، الولايات المتحدة، ودول أخرى في إقليم النزاعات والصراعات، أي إقليم الشرق الأوسط، سواء أكان جديداً أو كبيراً، أو متوسط الحال!

هكذا تفهم المواجهة في إطارها الأوسع: أكثر من اشتباك، واقل من حرب عالمية واسعة، على غرار ما حصل في الحربين الكونيتين في مطلع وقبل منتصف القرن الماضي.

وتتخذ الحرب مع التطور الخطير في الأنظمة الحربية الهجومية والعسكرية أشكالاً متعددة، لأهداف محددة، في سياق تكتيكي أو استراتيجي:

أولاً – صواريخ بالستية بعيدة المدى، تشكّل الخطر الحقيقي على دولة إسرائيل، وهذا ما لا يخفيه لا شيمون بيريز قبل موته، ولا بنيامين نتنياهو، وهو يدير الحرب بكل الاتجاهات من موقعه في رئاسة الحكومة الإسرائيلية، ودوره «كملك حالي» لإسرائيل، مستوحياً سير داود، وجالوت وسليمان وغيرهم!.

هذه الصواريخ، يقول الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله، من عاشوراء الضاحية الجنوبية، أن زمن الحؤول دون وصولها إلى رجال المقاومة في لبنان انتهى، وبالتالي لا حاجة بعد لعمليات قصف وطيران لمطار دمشق، أو طرق المواصلات أو للموانئ السورية.. فالمقاومة في لبنان باتت تمتلك «صواريخ دقيقة وغير دقيقة) (خطاب السيّد الله الأخير)… لكن هذا لا يعني أن لدى المقاومة صواريخ بالستية.. المهم هنا الصواريخ..

ثانياً – رادارات إنذار مبكر تكشف الطائرات المعادية، أو التوصّل إلى جيل جديد من «الطيارات المسيرة» التي بإمكانها ان تصيب أهدافاً معادية، وتمتلكها المقاومة..

ثالثاً – نخب مقاتلة، تتمتع بقدرات هائلة في المواجهة والاشتباك، والتحرير وردع العدو، وسوى ذلك من تكتيكات الحرب، التي كشفت بعضاً منها حرب 2006 في لبنان، والتي خضعت لدراسة وتقييم في الكليات الحربية في إسرائيل والولايات المتحدة والغرب..

رابعاً – والأهم تطوّر، أسلحة المتفجرات، لمواجهة التقدم البري، أو في البحر، من خلال الغطاسين، و«الضفادع البشرية»، أو المركبات المفخخة.

ليس من السهل، دفع المنطقة لحرب، تشارك فيها الطائرات الأميركية والروسية والصواريخ البعيدة المدى، والدبابات وسوى ذلك من أسلحة فائقة التطور والفعالية، ولكن ما هو البديل، من وجهة نظر القوى المناوئة للمحور الذي تقوده روسيا، يُمكن للحرب ان تتخذ الاشكال كلّها في وقت واحد:

1- حرب الدعاية السوداء، التي تبث عشرات المعلومات الكاذبة عن الخصم، في محاولة لتدمير معنوياته، وهو في مواقعه أو على أرضه، أو حتى في المخبأ أو المنزل..

2 – الحرب الاقتصادية، بما فيها العقوبات الدولية، التي تتناول النفط والدولار، وقطع الأسلحة، وقطع الصناعات الخفيفة والثقيلة والمتحولة، فضلاً عن الإلكترونيات وملاحقة المصارف، ومنع تقديم المساعدات الغذائية، وحتى المالية أو القروض والمنح..

3 – الحرب الأمنية: اغتيالات، عمليات انتحارية، استهداف تجمعات بشرية، قصف عشوائي، استهداف مدارس ومستشفيات، ومطارات واسواق شعبية وما شاكل..

4 – حرب دبلوماسية: فرض مقاطعات، أو قطع علاقات، أو منع مواطنين من السفر، أو إغلاق حدود.

5 – حرب الكترونية: عبر تكوين جيوش تهاجم منصات إعلامية، أو تهيمن على الفضاء السيبيري، لجهة منع الانترنت أو قطعه أو التلاعب به، أو حتى مراقبته، وسوى ذلك..

6 – حرب جرمية وقضائية: ملاحقات قضائية، اعتقالات، تلفيق تهم جرمية وسوى ذلك..

هكذا، تبدو مفهومة العملية في الأهواز.

وهكذا، تبدو مفهومة التهديدات المتبادلة.. على ان السؤال: هل تندلع مواجهة واسعة.. الإجابة بسيطة: لا معطيات تُشير إلى مثل هذا الاحتمال الآن..

ولكن ثمة سؤالاً آخر: ماذا عن لبنان؟ هل تؤلف الحكومة غداً أو بعد غد.. الجواب ببساطة: لبنان يقترب أكثر وأكثر من دائرة الاشتباك.. سقطت مقولة «النأي بالنفس».. وباتت المعادلة التي تتحكم بالاحداث المقبلة، أو الممكنة الحدوث: كلما احتدم الموقف الصراعي في المنطقة، كلما اقترب لبنان من دائرة النار.. نعم دائرة النار..

ولعلَّه، ليس من قبيل الصدفة، إعلان السيّد نصر الله الوقوف إلى جانب إيران في أية مواجهة تحدث، ولعلَّه ليس من قبيل الصدفة، ما تردَّد عن صحة الحاكم رياض سلامة..

ولعله ليس من قبيل الصدفة الذهاب إلى «تشريع الضرورة».. مع كل المحاذير..

المشهد النهائي يتبدّل، أمّا سرعته ومساراته، فهي رهن الإرادة الأميركية؟!