IMLebanon

الفساد وإدارة النفايات تنتظر “حكومة الضرورة”!

تجاوز مجلس النواب الجديد إشكاليات التشريع في ظل حكومة تصريف أعمال، وتسلح الرئيس نبيه برّي بدستورية الجلسة انطلاقاً من الفقرة 3 من المادة 69، والتي تنصّ على انه عند «استقالة الحكومة أو اعتبارها مستقيلة يصبح مجلس النواب حكماً في دورة انعقاد استثنائية حتى تأليف حكومة جديدة ونيلها الثقة».

وأوحت مصادر قريبة من مطبخ التشريع ان المجلس لم يكن يقوم بدور ملء الفراغ الذي نجم أو ينجم عن تأخير تأليف الحكومة، بل ان “المجلس يقوم بواجبه فقط..”، على ان المثير ما قالته مصادر نيابية لصحيفة “اللواء” على هامش الجلسة: “إن القوانين التي أقرّت على اهميتها، تنتظر حكومة الضرورة، لتصبح نافذة، لا سيما وأن معظمها يحتاج إلى مراسيم تطبيقية أو ربما تطلب الحكومة الجديدة، عندما تؤلف ان تعيد النظر فيها”.

بدت اللفتة الدستورية من رئيس المجلس باتجاه رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، الذي جلس في مقاعد النواب بدعوته إلى الجلوس في مكانه كرئيس للحكومة ليدلي بدلوه في ملف قانون النفايات، إذ توجه إليه بالقول: “قوم قوم متنا وعشنا تصرت هون”.

وإذا كان باب تأليف الحكومة ما زال موصداً امام الرئيس المكلف سعد الحريري، بفعل متاريس المطالب وشروط القوى السياسية، وسيبقى كذلك، أقله حتى عودة رئيس الجمهورية ميشال عون من نيويورك والمرجحة الجمعة المقبل، فإن غياب تشكيل الحكومة، أو تعثر اتصالات التأليف، لم يمنع مجلس النواب المنتخب حديثاً، من الانطلاق في ورشته التشريعية، تحت عنوان “تشريع الضرورة”، محصناً بالدستور، ولا سيما الفقرة الثالثة من المادة 69 التي تنص على ان “المجلس المنتخب يبقى في دورة انعقاد استثنائية حتى تأليف حكومة جديدة ونيلها الثقة”، وبالتالي الخروج من الجلسة بسلة لا بأس بها من المشاريع واقتراحات القوانين التي تعتبر على قدر كبير من الأهمية للمرحلة المقبلة، إذا اخذنا بالاعتبار انها التجربة الأولى لنواب مجلس 2018، ولا سيما الجدد منهم، الذين يخوضون تجربة التشريع للمرة الأولى.

ومع ذلك، فإن أحداً من النواب الجدد أو القدامى، لم يثر مسألة دستورية القوانين التي أقرّت أو التي ستقر، في ظل حكومة تصريف الأعمال، وان كانوا سألوا عن أحقية التشريع في ظل حكومة مستقيلة، باستثناء رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل، الذي اعتبر ان القوانين المقرة لا يمكن ان تصبح نافذة، فعاجله الرئيس نبيه برّي، الذي كان دافع بقوة عن دستورية التشريع سنداً للمادة 69 التي تعطي المجلس هذا الحق، قائلاً له: “ستصبح نافذة وحبة مسك”، من دون ان يشرح كيفية ذلك، الا ان مصادر نيابية أوضحت لـ”اللواء” ان الرئيس برّي كان يقصد انه يعوّل على ضرورة تأليف الحكومة ضمن المهل التي نصت عليها المادة 56 من الدستور، خاصة وان برّي اكد انه سيواظب على عقد جلسات تشريعية في الشهر المقبل، لكي يوحي للبنانيين ان حالة البلد عادية، وليست في ظروف استثنائية.

وبغض النظر عن الموقف من الجلسة من حيث الشكل الا ان مضمونها كان منتجاً، بحيث صادق المجلس في جلسته الصباحية التي حضرها 106 نواب، وهو عدد أوحى بأن هناك جدية وحرصاً على ان تكون البداية منتجة، غير ان هؤلاء لم يتمكنوا من إنتاج سوى مشروع قانون واحد، هو المشروع الحكومي المتعلق بالادارة المتكاملة للنفايات الصلبة، بسبب التخبط حول الحلول المقترحة، والخلاف حول مرجعية الهيئة الناظمة لإدارة النفايات، والذي حتم حصر النقاش بهذا المشروع طيلة مُـدّة انعقاد الجلسة الصباحية.

والغريب، انه رغم الضجيج والكلام عالي النبرة الذي قيل حول هذا الملف على مدى أشهر وسنوات، فيما كان المجلس مطوقاً بسلسلة اعتصامات معارضة للمشروع الذي يلحظ في أحد مواده، إنشاء محارق على طريقة التفكك الحراري، فإن التصويت عليه واجه معارضة يتيمة اقتصرت على نائبين من حزب الكتائب والنائب فيصل كرامي، في حين خرجت النائب بولا يعقوبيان من القاعة قبل عملية التصويت، بعد ان كانت أعلنت معارضتها للمشروع بسبب المحارق.

وقد اسقط على المشروع جملة تعديلات كان أبرزها ربط الهيئة الوطنية لإدارة النفايات الصلبة بوزير البيئة، بعد سقوط اقتراح كان يرمي إلى اناطة الهيئة برئيس الحكومة الذي دافع عن المشروع، موضحاً بأن البلديات لم تلب طلبه في وضع حلول مقابل حوافز. وسجل اعتراض نواب الكتائب و«المستقبل» على ارتباط الهيئة بوزير البيئة.

وإذا كان التصديق على مشروع إدارة النفايات قد أخذ طيلة فترة الجلسة الصباحية، بعد ان تحدث في الأوراق الواردة 18 نائباً تركزت مداخلاتهم على الإشارة إلى مخاطر تأخير تأليف الحكومة والتنبه من الوضعين الاقتصادي والمالي الأخذ بالتدهور، فإن النقاش في الجلسة المسائية كان مستفيضاً وغنياً بالنسبة للمسائل التي طرحت، على الرغم من استمرار البلبلة والتخبط في مقاربة مواد المشاريع واقتراحات القوانين، بحيث جاءت مواقف بعض النواب مخالفة لما كانوا اعلنوه في اللجان النيابية المشتركة، وفي بعض الأماكن جرى نقاش في مسائل كان يعتقد انها حسمت في اللجان ولا سيما في ما خص الاقتراح الرامي إلى حماية كاشفي الفساد.

ولوحظ في هذا المجال، ان الحكومة شاركت بشكل فعّال في النقاش، مما جعلها تظهر وكأنها حكومة مكتملة الاوصاف، وليست حكومة تصريف أعمال لا قدرة لها على اتخاذ القرار بشأن ما يتم التوافق عليه، مما ساهم في إضفاء حيوية على الجلسة، إلى جانب الانسجام الذي ظهر بين الوزراء والنواب، والذي ساعد أيضاً في إقرار مشاريع واقتراحات كان يعتقد بأنها خلافية، وان النقاش حولها سيكون ساخناً أو متوتراً، بحيث اثمر هذا المناخ في التصديق على أربعة مشاريع واقتراحات قوانين، كانت حصيلة الجلسة المسائية، وهي: مشروع القانون المتعلق بالمعاملات الالكترونية والبيانات ذات الطابع الشخصي، والمشروع المتعلق بالوساطة القضائية، واقتراح القانون الرامي إلى حماية كاشفي الفساد، واقتراح القانون الرامي إلى دعم الشفافية ومكافحة الفساد في عقود النفط والغاز.

وفي تقدير مصادر نيابية شاركت في الجلسة، انه بغض النظر عن التعديلات التي أسقطت على هذه المشاريع والاقتراحات، فإنه يمكن القول ان اقرارها يعد خطوة مهمة على طريق حجز لبنان له موقعاً في البلدان المتقدمة في ما خص دعم الشفافية في عقود النفط والغاز، والذي يُشكّل عاملاً مساعداً في تحفيز المستثمرين على حجز مواقع لهم في عملية استخراج النفط والغاز في المياه اللبنانية وعلى البر أيضاً.

وسيتابع المجلس اليوم مناقشة وإقرار ما تبقى من بنود جدول الأعمال وعددها 24 مشروع واقتراح قانون، من بينهم اقتراح قانون المفقودين قسراً.