IMLebanon

تعليم العلوم والرياضيات في لبنان: الصورة ليست وردية!

كتبت فاتن الحاج في صحيفة “الأخبار”:

في آب الماضي، أعلن تقرير لمنتدى الإقتصاد العالمي حلول لبنان الأول عربياً والرابع عالمياً، لناحية جودة تعليم الرياضيات والعلوم. النتيجة التي هلّل لها كثيرون فاجأت المتابعين، إذ أنّ تقارير أخرى تستند إلى منهجية محددة لقياس التحصيل التعلمي في لبنان، تعكس صورة مغايرة لهذه النتيجة «الوردية»

كثر هلّلوا، في آب الماضي، لتقرير التنافسية العالمية لعام 2017 – 2018 لمنتدى الإقتصاد العالمي، الذي بيّن حلول لبنان الأول عربياً والرابع عالمياً، من بين 137 دولة، لناحية جودة تعليم الرياضيات والعلوم.

في الحد الأدنى، لم يقنع الترتيب المركز التربوي للبحوث والإنماء الذي قرر البحث عما وراء هذا المعطى لجهة منهجية التقرير والعيّنة المنتقاة. وقد تبيّن أن ما انتشر على مواقع التواصل الإجتماعي هو جزء بسيط من تقرير التنافسية العالمية الذي يعنى بقياس إتجاه التطور الإقتصادي للدول، ويصدر سنويا عن منتدى الإقتصاد العالمي، ويتناول عدداً من الركائز الأساسية والفرعية. والتقرير الأخير كان عبارة عن «استطلاع للرأي»، عكس آراء 14375 مديراً تنفيذياً في أكثر من 148 بلداً حول 12 ركيزة أساسية (المؤسسات، البنية التحتية، بنية الاقتصاد الكلي، الصحة، والتعليم الابتدائي، التعليم العالي والتدريب، كفاءة سوق العمل، تطوير السوق المالية، المسائل التكنولوجية، حجم السوق، تطور الأعمال والابتكار). وفي لبنان، جرى إستطلاع رأي 78 رجل أعمال عبر الإنترنت، خلافاً لما ورد في التقرير من ضرورة إشراك المعنيين التربويين ضمن العينة المتوخاة. والمؤشر المتعلق بجودة تعليم العلوم والرياضيات أتى ضمن ركيزة فرعية (من ثلاث ركائز فرعية) تتعلق بـ«التعليم العالي والتدريب»، وتناول سؤالاً واحداً فقط: في بلدك، كيف تقيّم جودة تعليم الرياضيات والعلوم؟ «وهنا يتجلى غياب الوضوح» بحسب منسقة الهيئة الأكاديمية المشتركة في المركز التربوي رنا عبد الله، «فلم يُعرف ما إذا كان التقرير استند إلى إجابات بشأن جودة تعليم العلوم والرياضيات في مرحلة التعليم الجامعي أم في مرحلة التعليم الثانوي. كما أنه لا يمكن للمستجيبين الـ78 من رجال الأعمال أن يعوا مستوى المتعلمين اللبنانيين في الرياضيات والعلوم، والإرتكاز إلى إجاباتهم لإحتساب مؤشر بهذه الأهمية».

تلفت عبد الله الى أنّ المركز التربوي هو إحدى الجهات الأساسية التي يجب توجيه السؤال إليها، إذ أن «مكتب البحوث التربوية في المركز هو المرجع الموثوق فيه لجمع المعلومات والإحصاءات، كما يستند المركز في قراراته إلى تحليل نتائج دراسات وطنية مثل دراسة المؤشرات التربوية والإمتحانات الرسمية ودراسات دولية مثل إختبار PISA الذي يقيس قدرة المتعلمين على حل المشاكل الحياتية ومدى اكتسابهم للثقافة العلمية وثقافة الرياضيات والفهم القرائي في عمر الـ15، واختبار TIMSS حول اتجاهات التحصيل التعلمي للتلامذة في العلوم والرياضيات لصف الثامن أساسي والصف الثاني عشر». ففي وقت تعكس مستويات التحصيل في الشهادتين المتوسطة والثانوية أداءً جيداً لطلاب لبنان، تأتي نتائج الاختبارين العالميين لمن هم في نهاية الحلقة الثالثة من التعليم الأساسي متدنية عالمياً على صعيد الفهم الكتابي باللغة الأجنبية وعلى صعيد الرياضيات والعلوم (PISA 2015) ومتدنية إلى حد ما في التحصيل التعلمي في الرياضيات والعلوم (TIMSS 2015). بينما جاءت متقدمة في إختبارات TIMSS Advanced 2015 حيث حل لبنان في المرتبة الأولى في تعليم الرياضيات للصف الثالث الثانوي فرع العلوم العامة. تستدرك عبد الله «أننا نستنير فقط بالدراسات العالمية ونستلهم منها التشخيص للواقع، لكن لا نتبنى نتائجها بشكل مطلق لاعتبارات كثيرة منها أنّ الإطار المرجعي والمناهج المنشودة لهذه الإختبارات تختلف إلى حد ما عما تتوخاه مناهجنا، فالأخيرة لا تغطي كل المحتوى العلمي الذي تنشده الإختبارات الدولية، كما أن بعض الكفايات تم وقف العمل بتقويمها في الإمتحانات الرسمية، كالكفايات المتعلقة بالعمل المخبري. ناهيك عن أن المتعلمين يحتاجون إلى تدريب أكبر على نمط الأسئلة المطروحة في مثل هذه الاختبارات».

ﻣﺪﻳﺮ المركز اﻟﺘﺮﺑﻮي ﻟﻠﻌﻠﻮم واﻟﺮﻳﺎﺿﻴﺎت ﻓﻲ اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ الأميركية في بيروت، صوما أبو جودة، وصف نتائج الاستطلاع بـ«المضللة وغير الموثوق فيها»، إذ أنها «تستند إلى عينة منحازة جداً. فرجال الأعمال المشاركون في الاستطلاع غالباً ما يرسلون أولادهم إلى مدارس للنخبة، وبالتالي فإن آراءهم الإيجابية هي انعكاس لتجربة أولادهم في هذه المدارس، وليس لواقع نظام التعليم بشكل عام». ولفت إلى أنّ الاستطلاع لا يقيس معرفة الطلاب ومهاراتهم بصورة مباشرة، داعياً إلى مقاربة هذه النتائج بحذر.

اختبارات قياس أداء المتعلمين الموثوقة عالمياً والتي تقيس المعارف على مختلف مندرجاتها وترتكز عليها العديد من الدول لتطوير سياساتها التربوية، كما يقول الأستاذ في العلوم التربوية في الجامعة اللبنانية علي خليفة، تظهر تراجع أداء الطلاب اللبنانيين. و«هذا مؤشر على أنّ نظام التعليم راكد، ووتيرة تطوير المناهج فيه شبه منعدمة. فما معنى أن تتغير المناهج ثلاث مرات في كيان سياسي يناهز عمره 100 عام؟». وأشار الى أنه «منذ نشوء المركز التربوي، بقيت وتيرة تطوير المناهج ضعيفة، فيما تقييم هذه المناهج غير موجود». يشرح كل ذلك جزءاً من تراجع الأداء، فضلاً عن «عدم اكتساب كفايات باتت تحاكي أكثر فأكثر متطلبات العصر ومهارات متقدمة تواصلية واجتماعية وتحليلية. فالمناهج لم تواكب طرائق التعليم الملحوظة، ووسائل التقييم التي تنتهجها، كذلك بقي نظام الامتحانات الرسمية بعيداً نوعاً ما (في الكفايات التي يقيس اكتسابها) عما تستهدفه اختبارات الأداء الدولية، أو في زمن تربوي سابق عفا عنه الزمن».

في لبنان، لا دراسة متكاملة عن واقع جودة تعليم العلوم والرياضيات، غير أنّ عبد الله تتحدث عن متغيرين في هذه التقارير يؤثران في أداء المتعلمين في مواد العلوم ويمكن أن يلعبا دوراً في تحسين جودة تعليم العلوم، هما تأثير اللغة الأجنبية في التحصيل التعلمي والعمل المخبري. فنتائج PISA مثلاً تظهر أن مستوى من يقدمون امتحانات العلوم والرياضيات بالفرنسية أدنى من مستوى من يقدمون امتحاناتهم بالإنكليزية، بعكس ما بينته الامتحانات الرسمية، إضافة إلى أنّ علامات العلوم ترتفع مع ارتفاع علامات الفهم القرائي. وهذا يعود إلى فرضيات مختلفة منها أن متطلبات الإجابات المتوقعة على أسئلة الامتحانات الرسمية أقرب إلى النمط الفرنكوفوني منه إلى النمط الأنغلوفوني. وقد يعزى ذلك إلى الجذور التاريخية للمناهج وروحية الأسئلة التي توفر للمتعلمين الفرنكوفونيين فرصة الاطلاع عليها أكثر، ما يرفع فرص النجاح لديهم مقارنة بأقرانهم. وهنا يوصي المركز التربوي بتوحيد لغة التقويم وتوحيد مفهوم وظيفة اللغة الأجنبية الأولى نظراً للتفاوت في أداء المتعلمين.

كذلك فإنّ العمل المخبري، وهو إحدى الكفايات التي تقيسها الاختبارات الدولية، بحاجة إلى تطوير وتفعيل أكبر، كما تقول عبد الله، إذ «أن هناك كفايات لا يمكن للمتعلمين تنميتها إلاّ من خلال العمل المخبري، وبالتالي فإن تحسين جودة التعليم يتطلب بالحد الأدنى استخدام هذه التقنية وتقويمها.